سارا القرني
من منّا لم يقرأ رائعة ثيربانتس في روايته «دون كيشوت دي لا مانش».. ذلك الفارس الذي يحمل نبلاً موهوماً في قلبه، مدفوعاً برغبة المجد التي سعى إليه كي يكون بطل قصة لا تدور إلا في رأسه!
وباختصار دون كيشوت هي حكاية رجل في الخمسين من عمره يقرأ الكثير عن قصص الفرسان والمحاربين حتى ذهب عقله وتصوّر نفسه فارساً، وراودته أغرب فكرة يمكن أن يتصورها شخص مجنون!
إذ اعتقد دون كيشوت أنّ أفضل شيءٍ يمكن أن يفعله من أجل الخير والدولة ونفسه شخصياً هو أن يصبح فارسًا عظيماً، حيث رسخ في ذهنه كل ما قرأه في الروايات التي عاش فيها قصة المحاربين والفرسان، حتى ظنّ أنه لا يوجد في العالم شخص حقيقي وواقعي يمثل هذه القصص سواه.
خرج دون كيشوت -الذي اختار لنفسه هذا الاسم- من قصره ممتطيًا حصانه روسّينانت، واتخذ له معاوناً اسمه سانشو، وراح يجول في الغابات دون هُدى ولا وجهة محددة، وعندما رأى طواحين الهواء.. شرَع في قتالها ظناً منه أنها شياطين عملاقة تريد مهاجمته، وعاش البطل قصته الوهمية وصنع لنفسه تاريخاً من الخيال!
السرّ وراء ذكر قصة دون كيشوت هو أنه في البارحة ظهر «حسن نصر الله» في خطاب ذو طابع «دون كيشوت» تجاوز الـ50 دقيقة للحديث عن المعركة الكبيرة والانتصارات المزعومة ضدّ المحتلّ الصهيوني في فلسطين، حيث قال إنهم حددوا مواقع قرب تل أبيب.. بعد الاتفاق مع بقية أطراف المقاومة بأنّ الأهداف لا بدّ وأن تكون في العمق ولا تستهدف المدنيين أو البنى التحتية!
والأغرب من ذلك.. هو أنه أعلن عن هدفه بشكل واضح وصريح وبالاسم وهو قاعدة جليلوت، وذلك رداً على مقتل القيادي فؤاد شكر، إذ انطبقت «الشروط» التي وضعها الحزب على بعض الأهداف من بينها هذه القاعدة، وسيتم استهدافها.. مع بقية الأهداف بـ300 صاروخ كاتيوشا!
عدد الصواريخ الكبير يزعم فيه نصر الله أنه لإشغال القبة الحديدية واستنزافها لتمرّ المسيرات دون التصدي لها، ورغم الانفجارات الكبيرة التي طالت الجنوب اللبناني الأيام الماضية في مستودعات الأسلحة ومنصات إطلاق الصواريخ والمسيرات.. إلا أنّ نصر الله يؤكد ويشدد على أنّ جميع مرابض المسيرات لم تصب بأذى على الإطلاق، وهو الأمر الذي لا يصدّقه العقل ببساطة شديدة.
هذا التصريح.. حمل الجنوب اللبناني على الاحتفال بالانتصار الذي حققه الحزب، ليسجل نصرالله نقطة لصالحه باستخدام البارانويا العكسية حسبما وصفها كيسينجر، وهي إسعاد شخص ما عبر اعتقاد والتصديق بشيءٍ غير موجود!
بالعودة إلى قصة دون كيشوت.. نجدهُ أنه أكمل مسيرة مجده حين اعتقد بزحف جيش جرار يثير الغبار ويملأ الدنيا ضجيجًا، فاندفع بجواده لخوض المعركة التي يريد أن يثبت فيها شجاعته ويخلد اسمه، والحقيقة أنّ هذا الجيش كان قطيعًا من الأغنام، وأسفرت المعركة عن مقتل عدد من الأغنام وسقط دون كيشوت تحت وابل كبير من أحجار الرعاة مما أفقده بعض أسنانه!
وبالضبط هذا ما فعلته صواريخ الحزب حين سقطت في المجالات البحرية المفتوحة، وفي الطرقات الفارغة، وقرب الأبراج الحديدية التي تخلو من أي هدف عسكري أو استراتيجي على الإطلاق!