| الثقافية
لم أكن أدخل الحديث عن أدوات الكاتب المسرحي في جريدة يومية لولا بعض الأمور التي تثير جدلا فكريا من أيام أرسطو حول ركني الشخصية والصراع ثم اختلاف كثير من الزملاء المسرحيين حول بعض قواعد النظرية وأدوات الصنعة في مجال الكتابة المسرحية لذلك فقد كتبت أحاديث عن الشخصية والفكرة وأقدم هذا اليوم بعض النقاط في مفاهيم كتابة الصراع من معرفة ماهيته.
وقد عرف الصراع بأنه تقابل بين قوتين تنمو منه بعض الفكر التي تجعل الحدث في تصاعد,, وللأكاديميين والمنظرين تعاريف مشابهة ويعزى الى المنظرين الغربيين ما يدعم تعريفنا المصطلحي ابراهيم حمادة وهو ان الصراع لب الحدث الدرامي لكن واقع الحال يقول ان المنظرين الغربيين انفسهم في اختلاف كبير حول ثلاثة معطيات ايها يكون لب الحدث الدرامي، لأن منهم من يرى ان الشخصية هي لب النص المسرحي بصفتها فكرة وهي محرك الصراع وآخرون يرون عكس أرسطو ان الفكرة هي بؤرة المسرحية والشخصية خادم للفكرة,, ويبقى من يقول وجوب الارادة عزوا الى فلاسفة القرن الماضي أن الارادة هي محرك الصراع من باب ترتيب القيم.
من جانب آخر هناك من يدعم فكرة ان الصراع في اجلى صوره هو في الحقيقة صراع داخلي تمليه ارادات لشخص واحد في نفسه قبل خروج هذا الصراع الذاتي الى صراع خارجي.
والرأي الأخير يدعمه كاتب هذه السطور في سبيل ان يكون هذا الموقف احتواء للشخصية بصفتها محرك الصراع والفكرة والحدث في واحد يقوم بالفعل ويخلق لنفسه قيمة خارجية تدعم قيمة داخلية يصارع من اجلها.
وسأقف عند هذا الحد في مسألة التعريف وسأعود له مرة اخرى,, ووجوب الدخول في تفريع الصراع بشكله الشجري عندما يتشعب في داخل الشخصية وينطلق من هذه الذات الى خارجها مجريا ديناميكية الفعل,, بعد ذلك قد نعرج على تشعبات الصراع والشخصية والصراع والفكرة من خلال مراجع النقد المسرحي لتحديد الرأي الذي يدعم المقال بما هو مفيد للكاتب المسرحي.
احد الجوانب الكثيرة للتعامل مع الصراع للفنان الكاتب هي تلمس الصراع في ذهن الشخصية حول فكرتين,, وتصعيده الى خارج الشخصية ليصبح هناك أربعة متقابلات من الصراع في الميل الى التعصب لفكرة في الذهن مثلا وبروزها الى الخارج تقابلا مع شخصية تحمل نفس الازدواجية لكنها تبرز الوجه المقابل ومن باب التقاء متعصبين مثلا وكل واحد منهما في جانب مختلف فان الخصمين في الغالب يرجعان الى صراع داخلي أحدهما معراض متوارٍ والآخر بارز من الشخصية ليواجه صورة مقابله الباطني.
هذا التصور للبعض قد نجعل الصراع في طريق مغلق لا يسهل التحرك منه، لكن الكتاب يعرفون في مثل هذه الحال مخارج جاهزة تحيد الصراع وتجعله اما ينطفئ أو يصاب ببرود تدريجي لحين الرغبة في تصعيده او ينقلب لوجود متقابلين باطنيين.
أحيانا تكون واحدة من أدوات تأجيج الصراع التعصب لفكرة أو شخصية أو معنى من طرف أو آخر لنكون غالبا في حياد او مع الحق على أساس ان من ننتخبه للحق هو انسان قابل للحوار متعدد النظر اما الآخر فهو متصلب وعنيد وغير مستعد للفهم.
هنا لا نهتم بالقول ان هذا هو المحق او غير المحق لأننا نؤلف الطرفين في أذهاننا فنحن لسنا في الغالب في محكمة يترافع فيها الناس ولكننا في مجال الفن في منطقة تترافع فيها الحياة بين الجميل والقبيح من خلال الفعل المؤكد او كما يقول المنظرون نحن في حال رفع المرآة للسيدة الحياة لتطالع وجهها .
وعليه نقول ان فهم أي طرح فني يستلزم نفي الحدث والزمان والمكان والشخصية,, ولكن هذا لا يعني نفي المعنى ثم ننساق الى نهاية عالمنا محدد الزمن.
والمعنى الذي نقدمه في لفافة صورة الحياة او جسدها لكنه ليس الحياة بل هو من روحها ولا في حقيقته وجهها وهو الفارق بين جوهر الفن وعرضه او كما يقولون جسد الفن وروحه والفن في سرده لصور الحياة قولا وفعلا يعيد ترتيب الانسان لأن الفطرة تأبى ان ينساق الانسان خارجها الى الميل الذي عرفه أوائلنا بالهوى وعرفناه بالاتجاه العاطفي المؤدي في تسلسل مضطرد الى تماسك وتسلسل معطيات تبني في روح الانسان أيديلوجي متعصب لا يقوم على بناء خارج ذهن صاحبه الذي يقيمه جدارا يحتمي به وفي الحياة نفسها يحدث ان شديد التعصب لفكرة ما قد ينقلب الى الضد في حال انتصار الصراع الداخلي او ما يعرف بالتمايز .
ومن المنطلق التحليلي نفسه يجد الكاتب نفسه يدعم فكرة وضدها في سبيل خلق السؤال لأن السؤال الافتراضي لا يطرح في كثير من الطقوس المسرحية بحثا له عن جواب ولكنه يطرح لخلق ثقافة السؤال نفسها بمعنى ان السؤال حول الشيء وهو في حقيقته وروحه معنى يخلق الفراغ,, او الازاحة النظرية التي يفترض ملؤها لخلق التوازن.
قد يكون الاتفاق على مفهوم الصراع المتضاد بأربعة ابعاد صعب التصور على كثير من المسرحيين وبالذات الكتاب وبالذات الكاتب الواقعي وكاتب المناسبة الناقل المنغلق على نفسه لغة وفكرا.
المنتج الثقافي والابداعي في مفاهيم متقابلة يبدع افهومه الأساسي للمستهلك ويزركش لغته.
واستعمال المثقف للغة السياسة في الوجهين المتقابلين يرسم اتجاه الاسهم الدالة الى اتجاه قد لا يكون خيارا استراتيجيا يبنى على الواقع في زمنه الصراعي على الأقل وربما حث الاتجاه المأمون الذي يرسخ واقع العالم المعاش على انه ابدي ونهائي وغير قابل للتعدد او التصارع والتجادل او التحاور من وجهة نظر واحدة لأن ذلك كما نعرف جميعا فتح الأبواب المغلقة للمثقف الرسمي الذي لا يريده.
وتوجهات الفطري أو العنصر البكر للحياة هو المشكلة لأن الوضع الصحيح هو التفاهم من كل اتجاه حول الانسان على الفطرة وعلى انه مصدر قلق الأطراف المتقابلة في سبيل الأصلح ولا اقول ثنائية الحوار,, لان المؤدلج المتعصب يفترض في المقابل سوء النية دون تفكير او تمحيص لأنه في نظر نفسه يملك الحل النهائي بيديه وهو يعرف الأصلح لنفسه ولغيره وهو في كثير من الأحيان يركب مركب المتسلط وسيلة ما تلبث ان تتحول الى غاية فيقوم الجدل على تعصب أعمى للتعصب نفسه.
هذا يعزز تصاعد الصراع المسرحي.
|
|
|
|
|