| الاقتصادية
المال زينة الحياة الدنيا، والاقتصاد قوام المجتمعات البشرية من الناحية المادية إذ به يتحقق للناس ما يسعون إليه من الغذاء والمسكن والكساء، وسائر ما يحتاجون إليه من ضرورات العيش والبقاء، وبدونه تشقى الأمم وتعصف بها رياح الفقر والتخلف والضعف، وتصبح عرضة للامتهان والاستغلال.
ولذا أولى الإسلام المال والاقتصاد عناية بالغة، فهما عصب الحياة وعماد القوة المادية وهذه لا بد منها ليتوافر للمسلمين القوة الكاملة التي دعا القرآن الكريم الى إعدادها دفاعا عن الحق وتمكينا له وإرهابا للباطل وتنكيسا لأعلامه, والمال في الإسلام ليس مقصورا على الذهب والفضة وما يحلُّ محلهما من الأوراق النقدية ولكن مدلوله يشمل كل ما له منفعة مباحة شرعا من عقار وثمار وحيوان وآلات ومعادن.
وقد تحدث الكتاب العزيز عن المال والاقتصاد في آيات كثيرة إذ ورد المال بصريح اللفظ مفردا وجمعا ونكرة ومعرفة ومضافا وغير مضاف ستا وثمانين مرة، وجاء بطريق التضمن والإشارة في أكثر من هذا وذلك في آيات البيع والشراء والزراعة والصناعة وتحريم الاسراف والتقتير والكنز والربا وتطفيف الكيل والميزان وآيات الزواج والطلاق والمواريث والحدود والكفارات, وتحدثت السيرة النبوية عن المال والاقتصاد كما تحدث القرآن واوضح حديث القرآن والسنة جملة من الحقائق التي تلقي أضواء على نظرة الإسلام الى المال والدعائم التي يقوم عليها النظام الاقتصادي في الإسلام.
إن ملكية المال التي هي محور النشاط الاقتصادي في كل مجتمع هي في الأصل لله، فالمال مال الله والناس مستخلفون فيه.
وحقيقة أن المال مال الله يحول بين الناس والبطر بما في أيديهم من الأموال او التجاوز بها حدود ما فرض الله سواء في كسبها او الانفاق منها.
اما نسبة المال في بعض آيات القرآن الى الناس فإنها نسبة تبعية وليست حقيقية فهي تدل على ان الناس ملكوا الانتفاع به بكل ما يقتضيه هذا الحق من التصرف والاستهلاك والاستثمار.
هذه الحقيقة تنبه إليها بعض علما الاقتصاد، إذ قرروا ان الناس لا يوجدون الثروات وإنما يخلقها الله تعالى، وما عمل الإنسان فيها إلا عمل ظاهري شكلي يتناول معالجة الأشياء حتى تصير صالحة لنفع الناس.
إن ملكية الله للمال هي الملكية الأصلية، قال تعالى وآتوهم من مال الله الذي آتاكم,, النور/33,, وملكية البشر للمال هي الملكية التبعية,, قال عز وجل وفي أموالهم حق للسائق والمحروم,, الذاريات /11.
وما دام المال مال الله والخلق كلهم عيال الله، فهم جميعا سواء في فرص الحصول على هذا المال, والانتفاع به واستثماره.
ولذا، دعا الإسلام الناس لحيازة المال وتملكه عن طريق العمل المشروع والكسب الحلال، قال تعالى هو الذي جعل لكم الارض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور الملك/ 15.
وقال عز وجل هو أنشأكم من الارض واستعمركم فيها,, هود/61,, أي امركم بعمارتها بالزراعة والغراس والأبنية ودراسة التربة والمعادن وكل ما يهيىء للناس أقوم السبل لعمارة الارض.
إن المال في الإسلام لا يلد مالا، وإنما يحصل الإنسان على المال عن طريق الجهد البشري وهو العمل، او عن طريق توظيف المال في أي مشروع انتاجي على ان يتقاسم المال الربحي صاحب المال ومن عمل فيه، ربحا او خسارة وفق الشروط والقواعد الفقهية المقررة في ذلك شرعا للمتعاملين.
إن الإسلام يدعو الى ان يكون المال في ايدي الناس وسيلة للخير والتراحم والتعاون ومن هنا حرم كل معاملة تؤدي الى أكل المال بالباطل كالسرقة والغصب والربا الذي يمثل أبشع صور الكسب الخبيث والذي يمزق روابط الاخاء والمودة بين الناس وينتهي بالأمم والأفراد الى حياة الفاقة والحرمان والضياع.
ولأن المال في الإسلام وسيلة للحياة وليس غاية في ذاته، وجب ان يوضع في موضعه الصحيح فإذا وضع المال في غير ما خلق له وتجاوز الإنسان به حدود الانتفاع المشروع أدى ذلك الى الترف وانحلال الأخلاق.
ان الترف اشباع مفرط للحاجات والشهوات ولن يكون الافراط في استهلاك المال إلا على حساب الآخرين، فعلى قدر ما ينعم به المترفون يتضور سواهم جوعا ومسغبة، وقد ورد عن معاوية رضى الله عنه قوله: كل سرف فبإزائه حقٌ مضيّع وورد عن علي كرّم الله وجه قوله ما جاع فقير إلا بما مَتُع غني .
إن الترف يفسد الاخلاق ويضيع الأموال ويمزق الروابط الاجتماعية, قال تعالى: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا الاسراء/16.
إن الأمة إذا تعرضت لمشكلات اجتماعية لا سبيل الى علاجها بغير المال، فإن الملكية الفردية ملزمة بالبذل والاتفاق حتى تتغلب الأمة على تلك المشكلات وتضع لها الحل الأمثل حتى لا تتكرر.
ولذا فإن النهي الشديد عن الاسراف والتبذير الهدف الرئيسي منه حماية الاخلاق من الفساد، وحماية الثروة من الضياع وحماية النشاط الاقتصادي من الركود، وحماية الانتاج المادي من الضعف او التخلف.
يقول د, محمد الدسوقي في كتابه دعائم العقيدة في الإسلام والإسلام في تحريمه للإسراف والتقتير ذمَّ الشح والبخل وحذر من الاحتكار والكنز، ونهى عن تعطيل المال ووقف حركته ونموه, وذلك كله حماية للمال من إساءة التصرف فيه والانفاق منه او حبسه عن التداول في المجتمع.
إن التبذير والاسراف يبدد الثروة والكنز وما جرى مجراه يعطل المال عن التداول والحركة، وفي هذا وذاك ضرر بمصلحة المجتمع، وفي كلتا الحالتين تتعرض الحياة الاقتصادية لما يعوق نموها وتقدمها فتتعرض الأمة من ثم لمختلف الأضرار والأخطار ولذلك كان تحريم الاسراف والكنز وما إليهما حماية للمال ممن تملّكه وحازه، ودعامة للاقتصاد بحيث لا يضطرب فيحيد عن الاعتدال والقوام.
وهكذا يقف الإسلام بمبادئه وتعاليمه حارسا للمال، لأنه عصب الحياة، يدفع عنه المستهترين والغاصبين والذين لا يقدرنه قدره، ويضعونه في غير مواضعه، وكذلك الذين يستعبدهم المال فيطغيهم ويحملهم على انتهاك المحرمات واتيان المنكرات ليظل المال وسيلة للحياة، وسيلة لخير الانسان وسعادته في الدارين.
وبعد، فتلك أهم دعائم المال والاقتصاد في الإسلام، ويبدو منها ان النظام الاقتصادي في الإسلام نظام فريد في نوعه، عريق في تاريخه، اصيل في ذاته، مستقل في تعاليمه، نسيج وحده.
وختاما نؤكد ان الإسلام لا يحرم الطيبات ولا يبغض ما خلق الله من متاع ولكنه يحذر من تجاوز القصد والاعتدال، إذ ينهى عن التبذير والاسراف كما ينهى عن البخل والتقتير ليكون التوسط هو المنهج المتبع في حياة المسلم.
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود . و عضو الجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي . وعضو الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي و عضو جمعية الاقتصاد السعودية
|
|
|
|
|