وكنت أذم إليك الزمان فأصبحت فيك أذم الزمانا وكنت أعدُّك للنائبات فها أنا أطلب منك الأمانا |
في الحقيقة، لا اعرف اسم قائل هذين البيتين,, لا أعرف أي شيء يخص الظروف التي دعته إلى قولهما,, لا أعرف كذلك من هو الشخص المخاطب هنا,, ولكن لدي كأي إنسان حواس، وغرائز، ومشاعر تعينني على استشفاف الأشياء واستشعارها عن بعد ، أو على الأقل تمدني بالقدرة على التقمص والتخيل مما، بالتالي، يجعلني قادراً على تجميع خيوط فكرة عامة متناثرة ممزقة قديمة نادرة غريبة غامضة,, ومن ثم عرضها على ما أنتجته مشاعري وحواسي وغرائزي من مواقف تقبع في صندوق تجاربي الحياتية أو تقمص وتخيل تلك المواقف لأجد في الغالب قواسم مشتركة بين الموقف الذي أنا بصدد تفسيره وموقف من مواقفي الحياتية السابقة, هنا ومن خلال المقارنة أستطيع فهم بعض أبعاد ما أنا بصدد تفسيره وبالتالي إشباع فضولي الانساني,, استميحك العذر اذن بالتحدث اليك بميانة بالقول: انني في الحقيقة اعرف بالضبط ماهو تفسيرك للبيتين السابقي الذكر!,, نعم! وبغض النظر عن حقيقة عدم معرفتي لك البتة,, حيث انني، كما تعلم، أجهل سنك,, تجاربك,,ظروفك,, شخصيتك,, تماما كما أنك تجهل كل هذه الجوانب عني، ومع ذلك مرة أخرى استطيع الجزم واكرر الجزم بأنني قادر كقدرتك تماما على التنبؤ بالفكرة الأولية لقراءتك للبيتين السابقين واللذين وكما قلت سابقا لا أعرف أي شىء يخص ظروف قائلهما,, مالذي أمدني بالثقة لأدعي معرفتي لتأويلك لما عناه الشاعر,, بل مالذي جعلني أقول ان تفسيري لحيثيات بيتي الشعر الآنفي الذكر سوف يكون مشابها لتفسيرك أنت,, هذا إن لم يكن متطابقا مع تفسيرك؟,, حسنا، انها عملية بدهية باعثها أن لدي ولديك نفس قطع الغيار من مشاعر، وغرائز، وحواس والتي تعمل بنفس الطريقة، وهكذا فكما أن ما لدي من مشاعر وحواس وغرائز قد وضعتني وجها لوجه مع مواقف حياتية عدة فما لديك من مشاعر وغرائز وحواس دفعتك، كذلك، الى نفس المواقف او فلنقل الى مواقف شبيهة مما جعل من العملية اشبه ما تكون بعملية تطابق مشاعر وحواس وغرائز قادت الى تذكر او تقمص وتخيل ادوار وتجارب سابقة مما خلق توارد تجارب الامر الذي قاد اخيرا الى عملية توارد خواطر وذلك كما هو متمثل بتأويلينا المتشابهين لبيتي الشعر الآنف ذكرهما، وكما سوف يتضح لاحقا, ولم لا؟! الا نمتلك انا وانت كما ذكرت مقدما قطع غيار لآلات عضوية و نفسية من نفس النمونة؟! ,, او ليست تلك القطع العضوية والنفسية هي ما قادتنا الى التجارب,, او ليست التجارب هي ما يثري ويؤثر على الخواطر؟! , بصيغة اخرى: او ليس في تطابق الآلات ، تطابق في الأداء والانتاجية,, بل هل انا وانت الا قطعتي غيار ضئيلتان في جسم مكينة تدوير عملاقة للتجارب والدروس والوقائع,, الا وهي تلك التي نطلق عليها الحياة والتي ينطبق عليها قول الشاعر:
ما أرانا نقول إلا معارا أو معادا من لفظنا مكرورا |
وعليه، أليس في استعار واعادة وتكرار الالفاظ دليل على استعارة واعادة وتكرار ما تشير وترمز اليه تلك الالفاظ من تجارب ومواقف حياتية معارة ومعادة ومكرورة,,!؟
ختاما: نعود الى تأويلك لما عناه الشاعر، والذي ادعيت انا معرفتي به مسبقا: الم يراودك شعور أن الشاعر كان يتشره! على انسان قد وثق به ثقة عمياء فقط ليجد منه الجحود والنكران والخيانة ,, صح؟! ,, حسنا:
ألم يخدعك شخص كنت تحسبه صديقا,, مما بالتالي سهل عليك عملية فهم موقف شاعرنا هذا، بل وسهل علي، كذلك، عملية التنبؤ بتفسيرك هذا؟!
حبذا لو تحلينا بفضيلة تقمص أدوار ومواقف الآخرين في جوانب أهم من البيتين المذكورين ,, ظروفهم,, مآسيهم,, احزانهم,,، حينها لاشك أن الحياة سوف تكون أقل إيلاما,.
* للتواصل: ص,ب 4206 رمز 11491 الرياض
|