| القوى العاملة
في عقلنا الاجتماعي أو الجمعي كأي تنشئة خاطئة نعد الرياضة نوعا من أنواع اللهو ومضيعة الوقت، وهذا لم يأت من فراغ فهو بسبب الطريقة الرسمية وغير الرسمية التي قدمت بها الرياضة الى مجتمعنا والمبالغات التي صاحبت طرح الرياضة كفكرة جديدة في المجتمع, حتى ان الناس انقسموا إما إلى مدمني متابعة رياضة وإما إلى كارهين للرياضة الى أبعد حد للكراهية, ومهما كان سبب هذه الثقافة الرياضية المجتمعية، فنحن مطالبون أن نتوقف طويلا أمام هذا المفهوم ونعيد بلورة مفهوم جديد للرياضة من منطلق اقتصادي وصحي للفرد وللمجتمع.
ان الرياضة ليست ان يفوز ناد على آخر ولا أن تعقد الدورة الكروية تلو الأخرى ولا هي أناس يلعبون وآخرون يتفرجون ولا هي منح المكافآت ولا هي الاجازات, لكن الرياضة أن يلعب الجميع وأن يفوز الجميع، أن تكون هي المكافأة ومصدر الانتاج والعطاء لا مصدر تعطيل وتسيب وتأخر وتغيب, فقد أضحى مجتمعنا الآن بحاجة الى طرح رياضة ذات منظور اقتصادي تستثمر فيه المؤسسات طاقات الفرد الجسمية والذهنية لمصلحته الشخصية ومصلحة عمله على حد سواء.
ان رياضة الفرد من أغنى الاستثمارات لأي مجتمع يعي هذا الاستثمار, ومثلما طرح المفهوم الخاطىء للرياضة رسميا، علينا أن نطرح المفهوم الصحيح للرياضة رسميا, علينا أن نقرر الرياضة رسميا ضمن ساعات الدوام الرسمي في الأجهزة الحكومية المركزية منها وغير المركزية، الرجالية منها والنسائية على حد سواء, فإذا كان يراد بموظفي الدولة أن يكونوا عناصر انتاج، فعلينا أن نتعامل معهم بهذا المستوى من الطموح والتطلع, يجب أن تحل النظرة الاقتصادية والصحية لدى القائمين على نظام الخدمة المدنية لكي ينشط هذا النظام, يجب أن يتجاوز العاملون في سلك الخدمة المدنية الاعتماد على دفتر الحضور والانصراف كمقياس للانتاج الى كيفية تحفيز الموظف ذهنيا وجسميا ليس فقط للبقاء في الدوام ولكن للعطاء بأقصى درجات العطاء خلال ساعات الدوام, وهذا لا يمكن ان يتحقق مع موظفين أنهكهم السهر وقوس ظهورهم الجلوس الطويل أمام أجهزة التكييف، هؤلاء عندما يمشون يعتمدون على الجدران بمشيهم واذا جلسوا، تسمع طقطقة ركبهم ومفاصلهم كأنها أصوات حطب تلتهمه النار, وعندما يحاولون النهوض من كراسيهم لا يستطيعون نصب جذوعهم واستقامة سيقانهم, ومع كل هذه الحالة، نطالبهم بمستوى من الانتاجية، والنتيجة بعد كل مطالباتنا لهم وبعد تطبيق كل أدوات المتابعة والرقابة المتوفرة هي أن كل ما نفوز به موظفون يملأون المكاتب والممرات وغرف الشاي، مستيقظين وما هم بمستيقظين.
ليس هناك ما يثبط ويقلق الانسان مثلما يثبطه ويقلقه الاحساس بأنه يعيش سن الشيخوخة شكلا ومضمونا وهو ما يزال في سن الشباب, كما أنه ليس هناك ما يبلد حس الموظفة والموظف تجاه العمل مثلما أنهما يجدان نفسيهما غير قادرين ذهنيا وجسميا على ممارسة العمل اليومي بتفاعل المتفاني ذي الولاء لعمله, هذا الاحساس أو الحالة، عندما تتمكن من الانسان تجعل حياته باهتة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، فتقضي على القدرات الذهنية والجسمية، ويتحول هذا الانسان الى رقم,, مجرد رقم,, لا طموح لديه ولا ابداع عندئذ يتوهم الانسان أنه يعيش فعلا مرحلة شيخوخة أكيدة بكل معنى الكلمة في عقله الباطن والنتيجة جيش من الموظفين بلا انتاج أو رغبة بالانتاج وأجهزة ضخمة مترهلة.
ان كل ما اشتمل عليه نظام الخدمة المدنية من محفزات مالية للموظف لا تعادل ممارسة الموظف الرياضة لمدة ساعة قبل أو خلال الدوام, صحيح أن المحفزات المالية مهمة للموظف وتعطي ثمارا، غير ان هناك شعورا لدى الموظف لا يمكن استدراره بالماديات, شعور لا يتحقق فيه انجاز العمل فقط ولكن تتحقق فيه ذاتية من يعمل بنفس القدرة والأهمية وبمنتهى الرضى ولا يهمهم بعد ذلك مكافأة حتى لو لم تتحقق.
لقد حان الوقت لأن تدخل الرياضة اليومية في قواميس الخدمة المدنية من حيث أحقية الموظف بممارستها ومن حيث اعتبارها عنصرا مهما من عناصر الانتاج والولاء للجهاز الذي يعمل به والمجتمع ككل.
الآن أشعر بأنني قدمت الفكرة، لكني لست متأكداً من اقناع من لا يمارس الرياضة بضرورتها, لست أعرف لغة تخترق قناعات من لم يمارس الرياضة في حياته بأن الرياضة هي التي تجعل الانسان يعيش عمره الحقيقي وذهنه الحقيقي وجسمه الحقيقي وتجعل الموظفة أو الموظف في أوج النشاط الذهني والجسمي أثناء ساعات الدوام اليومي وبالتالي في قمة مستويات الانتاجية الممكنة لأي منهما.
أخيرا، لقد قتلتنا الراحة حتى أصبحنا مرتعا للأمراض النفسية والاجتماعية, اذا بقينا ننشد الراحة في قراراتنا التي نتخذها على المستوى الشخصي والاجتماعي، والمهني، فلا تتعجبوا أن يكون لدينا اثنا عشر مليون مصاب بالسكر أو تصلب الشرايين، فأعطوا الموظف ساعة في اليوم يمارس من خلالها الرياضة، وقتها ستكتشفون ان لا فرق بين انتاجية القطاع العام وانتاجية القطاع الأهلي.
عبداللطيف الضويحي
|
|
|
|
|