| عزيزتـي الجزيرة
كان الطب البيطري الى وقت قريب من الأمور غير المألوفة لدى شريحة كبيرة من المجتمع ان لم يكن من الكل غير المنتسبين اليه، ولما كانت الدولة رعاها الله قد آلت على نفسها الرفع بمستوى القطاع الخدمي والذي يشمل جميع المؤسسات والادارات التي من شأنها خدمة المواطن والمقيم وتسهيل أموره في شتى مناحي الحياة، فقد حظي القطاع البيطري بنصيب كان في بدايته أكثر من رائع، وكان هذا متمثلا في قيام الدولة بانشاء أكبر مستشفى تعليمي بيطري على مستوى الشرق الأوسط تابع لكلية الطب البيطري بالاحساء جامعة الملك فيصل ، لقد قام هذا المستشفى بدور فاعل جدا في تخريج الكفاءات الوطنية من أطباء بيطريين تكاد لا تخلو من أحدهم منطقة من مناطق المملكة، كما أسهم مساهمة جليلة في تدريب العمالة الفنية مساعدين بيطريين وفنيين تابعين لدوائر حكومية ذات صلة بهذا القطاع الخدمي.
كان هؤلاء الأطباء البيطريون نواة صلبة لهذا القطاع الفتي الذي ما ان بدأ يبرز للعيان ويبزغ فجره، حتى تسلل الى جسده الغض سوس بدأ ينخر في جوفه، ويزلزل أركانه ولما يكتمل بعد.
تسلّم الأطباء البيطريون زمام المسؤولية في أعمالهم المناطة بهم وكانوا يحلمون بغد مشرق وآمال عظام، ولكن لما طالتهم قوانين الادارات وروتينها القاتل لكل مهارة وكفاءة أضحوا كأي موظف يراوح مكانه، ان هؤلاء الأطباء البيطريين ولما كانوا طلائع هذا القطاع في دولتنا الحبيبة، كان من المفترض أن تكون لهم برامج تأهيلية وتطويرية لا تقتصر على وقت من الأوقات شأنهم في هذا الأمر شأن اخوانهم الأطباء البشريين الذين لا يلبث أحدهم في عمله أكثر من بضعة أشهر حتى يرسل في دورة تطويرية لاطلاعه على آخر ما توصل اليه العلم الحديث في مجاله وقد تطول هذه الدورة الى ان تبلغ السنة ان لم يكن اكثر مما أدى الى أن يكون لدينا أسماء كبيرة برزت في سماء الطب البشري على مستوى العالم.
لقد قامت وزارة الزراعة بتنظيم دورات في مجال الطب البيطري ولكنها في حقيقة الأمر لم ولن تؤتي الثمار المرجوة وذلك لعدة أسباب من أهمها:
أولا: مدة هذه الدورات شهر أو شهران في أحسن الأحوال وهذا فقط في بعض الدورات الخارجية، وأغلب الدورات خصوصا الداخلية مدتها أسبوع أو أسبوعان في أحسن الظروف التي قد لا يتحصل عليها الطبيب الا بعد مرور سنتين أو أكثر هذا اذا كان حسن الحظ وفي بعض المناطق لا الكل.
ثانيا: هذه الدورات يشارك المساعدون البيطريون ممرضون اخوانهم الأطباء في حضورها ناهيك عن انه في بعض الأحيان تعطي هذه الدورات المتخصصة لمساعدين في حين يحرم منها أطباء هم بها أولى.
انه لا يخفي على ذي لب ان هذه الدورات المشتركة هي دورات فاشلة من أساسها، اذ كيف يمكن ان يتخيل مثلا في مجال الطب البشري ان يرسل ممرضين مع أطباء في ندوة عن آخر ما وصل اليه العلم في مرض جديد كالايدز ما الحكمة في حضور ممرضين لا يستطيع أحدهم أن يفرق بين البكتريا والفيروس .
انني ومن خلال دورة خارجية طويلة واحدة فقط آلمني جدا حال الكثير من الأطباء الذين استكانوا لهذا الوضع ولم يطوروا أنفسهم بالقراءة المتخصصة الجادة لكي يظفروا ولو بشيء يحفظ لهم الحدود الدنيا من المعلومات الضرورية في مجال تخصصهم وبالتالي يكون ذا اثر في مجال عملهم إن أريد التطوير.
انني ومن منطلق الحرص على هذا المجال الحيوي والتخصص الذي أحببته لأرفع الى مقام الوزارة ممثلة في صاحب المعالي الدكتور عبدالله بن معمر هذه المساهمة المتواضعة في طرح بعض الحلول والتي أراها من وجهة نظري ستكون نواة لرفعة المنتسبين لهذا المجال وبالتالي لوطنهم الحبيب:
1 أن يكون قطاع الطب البيطري بالوزارة والادارات الحكومية مستقلا بذاته؛ بمعنى ان يكون هناك وكيل وزارة لشؤون الطب البيطري، وأن يكون هذا الوكيل من الأطباء السعوديين الحاصلين على أعلى الشهادات العلمية والخبرة الحقلية والادارية، وبالمثل فان البيطريين في الدوائر الحكومية، يجب أن يكون لهم قسم مستقل يرأسه أحد الأطباء لا باحثا زراعيا أو فنيا أو حتى اداريا.
2 فتح مجالات فرص عمل للأطباء الجدد في كل مديرية زراعية بحيث يكون لدى الدائرة عدد من الأطباء يكفي لأن يتخصص كل واحد منهم فيما يرغبه ولادة، جراحة، أمراض عامة، وبائيات، أمراض خيول، أمراض المجترات، أمراض الحيوانات الأليفة، وهلم جرا .
3 تنظيم دورات طويلة متخصصة في كل مجال وان يرسل فيها الطبيب المختص بهذا المجال فقط كدورة في مجال الولادة والتناسليات، دورة في مجال أمراض الخيول، دورة في الجراحة العامة، وهكذا .
4 فتح المجال لمن يريد إكمال دراسته العليا سواء في الداخل أو الخارج.
5 لا تزال المختبرات البيطرية التابعة للوزارة ترنو الى كوادر سعودية تشغل أقسامها فما المانع من إرسال الأكفاء من الأطباء السعوديين في بعثات خارجية متخصصة بالمختبرات وبأقسامها المختلفة.
انني وفي ختام هذا الموضوع الحيوي لأهيب بجميع أخواني الأطباء أن يدلوا بدلوهم في هذا الأمر ان بتأييد وطرح حلول أو حتى نقد هادف يكون لبنة في علاج ناجع نأمل أن يكون سريعا.
د, إبراهيم عبدالرحمن الملحم ماجستير في قسم الفيروسات
|
|
|
|
|