| مقـالات
تحدث خطيب الجمعة في مسجد صليت فيه مرة عن قضية تهم الجميع: العمالة المستقدمة في بيوتنا ومعاناتنا منهم وأخطارهم علينا وكذا معاناتهم منا وظلم بعضنا لهم وتعديهم عليهم, لقد شعرت ذلك اليوم بأن كل من حولي كان ينصت باهتمام شديد لموضوع حيوي يهم كل رب بيت وكل صاحب أسرة، بل وكل مسلم غيور على عرضه وعلى حقوق الأجراء وكرامتهم ومشاعرهم, وخطيبنا في ذلك اليوم أحسن فعلا عندما وضع يده على جرح اجتماعي غائر ومؤلم, فمن ناحية تأثرت كثيراً من أخلاقياتنا وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا بهذا الاختلاط والتمازج مع الثقافات المخالفة والمختلفة، وبدا اننا جميعا رجالا ونساء، كبارا وصغارا ملنا الى التواكل على الخدم والحشم والاعتماد عليهم في كل ما يفترض بنا القيام به بأنفسنا من توصيل أبنائنا ومصاحبة محارمنا وطبخ طعامنا وتنظيف بيوتنا، بل وصل الأمر الى ان أبناءنا اعتمدوا على الخدم حتى في الحصول على كأس الماء ومشط الشعر وحل الواجبات المدرسية, ومن ناحية أخرى يعاني كثير من هؤلاء الأجراء من الظلم الشديد والعمل المتواصل ليلا ونهارا بلا رحمة ولا شفقة، والنوم على بلاط الأرض، والحبس في البيت عندما تخرج الأسرة للتنزه او حتى للسفر، وعدم اعطائهم أجورهم في مواعيدها وانقاصها أو عدم تسليمها على الاطلاق, ويضيف البعض على الظلم ظلمات فيحرمهم من السفر في الاجازات المستحقة الى بلادهم والتي لا تأتي إلا مرة كل عامين، الى غير ذلك من الممارسات التي لا يقبلها قلب انسان ولا ضمير مسلم ولا خلق مؤمن, فالرسول صلى الله عليه وسلم عامل عبدا له زيد بن ثابت معاملة الابن حتى عندما جاء أهله من اليمن ليفتدوه أبى واختار العبودية عند المصطفى صلوات الله وسلامه عليه على الحرية عندهم فأعتقه وضمه الى أهل بيته, كما أمرنا صاحب الخلق العظيم ان نعطي الأجير حقه قبل ان يجف عرقه, فأين هذا الخلق العظيم والمعاملة الكريمة النبيلة من تصرفات بعضنا تجاه هؤلاء المساكين الذين تغربوا عن بلادهم وأهليهم وأحبائهم ليطلبوا لقمة العيش في بلد لا يتحدثون لغته ولا يعرفون فيه أحدا.
أما خطيب الجمعة الذي قدم هذا الطرح الحيوي بمنطق سهل، مؤثر وجميل فجزاه الله عن المسلمين خير الجزاء وأكثر من أمثاله، فما أحوجنا في خطبنا ودروسنا الى مثل هذا الملامسة لواقعنا والمعالجة لمشاكلنا والمناقشة لهمومنا اليومية توضيحا، وتعليما وتوجيها بنور القرآن الكريم والسنة المطهرة, وهي حاجة لا تتوقف عند خطباء وأئمة المساجد، بل تمتد لتشمل الأساتذة والمربين في المدارس والأندية الرياضية، والآباء والأمهات في البيوت، والاعلاميين على منابرهم المطبوعة والمسموعة والمرئية, وحتى يأتي ذلك اليوم الذي ترتب فيه أولوياتنا التنموية والحضارية والثقافية بما يضمن البدء بما يجب البدء به، وتأجيل القضايا الترفيهية والكمالية الى غير وقت، سنبقى نبحث على كل المنابر عن مثل هذا الخطيب ومثل هذا الطرح المفيد الجميل.
|
|
|
|
|