| الاخيــرة
اعتادت الدول والأمم الحضارية التي تعتز بلغتها وثقافتها وتراثها ومكانتها في العالم ان ترفع من شأن لغتها عن طريق تعليمها للمقيمين والعاملين فيها,, حتى تكون معرفتهم للغة الأمة جسراً يعبرون منه إلى المعرفة التفصيلية نسبياً لثقافتها المبنية، أساساً على دينها وقوميتها، وقيمها التي اكتسبتها بالمزج بين عناصر وعوامل تكوينها النهضوي الحضاري، المادي منه والمعنوي.
وهذا ما هو مشاهد ومعروف في جميع الدول التي فرضت وجودها وهيبتها في العالم، بدءاً بجعل لغتها هي لغة التخاطب والكتابة بين أهل البلد والأجانب المقيمين فيها سواء كانت إقامة طويلة الأجل كعقد من السنين أو أكثر,, أو كانت قصيرة كالسنة والسنتين ونحوهما.
بعكس ما نعيشه نحن هنا في المملكة ودول الخليج,, حيث تكتظ بلادنا بملايين الأجانب من جميع بقاع الأرض الذي يعملون في كثير من مناشط الحياة, وهم قد قدموا إلى هذه البلاد طلباً للرزق برغبة عارمة، بل كثير منهم يبيع ما يملك في بلاده من أجل الحصول على عمل له في هذه الديار المقدسة، وهذا الواقع يزكّي المعاملة الحسنة التي يلقونها في هذه البلاد,, وهو بالتالي دحضٌ لما تقوله بعض المنظمات التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان باتهام المملكة بانتهاك هذه الحقوق,, اعتماداً على حالات شاذة لا تعطي الصورة الحقيقية الناصعة النظيفة عن المواطنين في هذه البلاد الذين هم مثال الكرم والتسامح وخوف الله في من تحت أيديهم، لأن الاحسان إلى الفقير والغريب من أخلاقيات الاسلام وقيمه المرعية.
ونحن في المملكة العربية السعودية أولى من يطبق أحكام الاسلام وأخلاقياته الكريمة، وإذا وجد من يشذ عن هذه الأخلاق فلا يصح أن يُحكم به على المجتمع السعودي بكامله، فلكل قاعدة شواذ.
***
المهم أن كثيراً من هؤلاء الأجانب الذين يقاربون سبعة ملايين في المملكة وحدها,, والمسلمون منهم بخاصة، يرغبون تعلم اللغة العربية تعلماً صحيحاً وسوياً يستطيعون من خلاله ادراك معاني القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بفهم صحيح لمعاني الكلمات والألفاظ,,، وبالتالي، معرفة العقيدة الاسلامية والشريعة من مصادرهما الأساسية لو أتيح لهم ذلك ولو بقوة النظام.
فنحن نشاهد الكثير من هؤلاء المسلمين يصلّون معنا,, وبعضهم يقرأ ولكن لمجرد التعبُّد به من غير فهم له,, ولا ادراك لجماله الأخاذ واعجازه أن يأتي البشر بمثله,.
والدليل على ذلك أن إمام المسجد اذا حدث، ولو لمدة 3 دقائق انصرفوا عنه جميعاً ويقولون إنهم لا يفهمون ما يتكلم به,, ولا يبقى منهم الا النادر جداً ممن له حظ جيد في اللغة العربية الفصحى.
دعوا عنكم ما يستطيعون التفاهم به مع مستخدموهم باللهجات المحلية التي حولوها هم ومستخدموهم إلى لهجات لا هي عربية ولا هي شرق آسيوية ولكنها رطانة ملفقة من عدة لهجات، لا تعرف لها مبتدأً ولا خبراً,, ولا تعرف الفاعل من المفعول,, ولا تفرق بين ضمير المتكلم والمخاطب,, من نحو بطنك يوجعني يخاطب بها الطبيب,, أو يخاطبه الطبيب بها,,!
إنني وأيم الله لأتألم ألماً شديداً نفسياً من هذا الوضع المزري الذي انحدر بلغتنا العظيمة التي كرّمها الله بأن أنزل بها كتابه الحكيم وقرآنه الكريم كآخر كتاب سماوي لهداية البشرية، على خاتم رسله وأنبيائه محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، وتصل الاستهانة بها لدى أهلها والمنتسبين إلى عقيدتها إلى هذا الابتذال, الذي يجعلهم يتخاطبون مع الأجانب عنها بلهجات مدمرة لها, وفوق ذلك فقد صدرت أوامر ملكية منذ سنوات بإلزام الشركات والمؤسسات وغيرها أن تكون عقودها وخطاباتها باللغة العربية، ولا مانع من إردافها باللغة الانجليزية,, وننتظر ان تطبق هذه الأوامر الملكية بأسرع وقت ممكن.
***
وهنا أحب أن أقدم اقتراحاً لعلّه يلقى قبولاً من المسؤولين وهو في تصوري أقرب الحلول لهذه المشكلة، وهو قمين اذا طُبّق أن يحمل الأجانب أو كثيراً منهم على تعلم اللغة العربية والاحترام لها واستعمالها في أعمالهم كتابة ومحادثة.
الاقتراح هو إعلامهم أو تنبيههم بأن تجديد الاقامات لهم مرتبط بمقدار ما يتعلمون من اللغة العربية الفصحى، كتابة ومحادثة، وان من لا يستعمل اللغة العربية في هذه الشركات والمؤسسات كتابة ومحادثة لن تُجدد اقامته.
إننا بذلك نكسبهم لغة دينهم من ناحية، ونُكسب العرب ملايين جديدين من الذين يتحدثون العربية ويكتبون بها، وهو كسب كذلك لغير المسلمين الذين ستكون لهم هذه اللغة الجديدة جواز سفر جديدا الى كل بلد عربي، من البلدان التي يكسبون منها معيشتهم وتحسين أحوالهم المادية, حبذا لو نجرب هذا الاقتراح ونرى نتائجه، لعله يسهم في انقاذ لغتنا من هذا الخلط العجيب الذي غيّرها إلى ما هو أسوأ من العامية السائدة.
|
|
|
|
|