بعيداً عن تفسيرات النفسانيين، وتنظيراتهم حول الضمير,,، بل حتى بعيداً عن تعريفاتهم له,.
سأحتفي بالضمير بطريقتي الخاصة,.
فكل إنسان لديه عالم داخلي بين ضلوعه، جوانيٍّ عميق، أتخيل أنه قصر منيف واسع متعدد الحجرات، بل الأجنحة، والأقبية، والسطوح، والدهاليز، والممرات، والمرتفعات، والحدائق، بل والمطابخ، والمغاسل,,, وكل ما يمكن أن يكون لعالَم يعيش فيه الناس,,,، فقط هذا العالَم يخصُّ شخصاً واحداً هو هذا الذي تتحرك قدماه بهذا الهيكل الذي في جوفه هذا القصر الفاره المنيف والذي يتسيَّد داخل هذا القصر القلب والضمير,,، أحدهما يفعل، والآخر يضبط,,,، فالضمير هو الحارس المتسيِّد لكل ما يهمس به أو يتحدث عنه، أو يوجه بفعله، أو يبنيه أو يهدمه القلب، والحارس الأمين هو الذي يؤيد أو يعارض، يوافق أو يرفض,,,: من وماذا وكيف ولماذا ومتى وأين,, وكل علامات وأدوات الاستفهام هي أدواته,, حتى كيف تشغر منافذ وأقبية وردهات وصوالين وكافة أماكن هذا القصر الجوفي وحده هذا الحارس من يملك أحقية الموافقة عنها أو رفضها,,.
الإنسان الذي يجلس لساعات طالت أم قصرت، نَدُرت أم كانت متوالية، عشوائية أم منظمة إلى نفسه يتحدث إليها عن أمور هذا العالم الداخلي بقصره المنيف وبكل ما فيه وبكل من فيه وبكل كيفية هو فيها، أو ماهية هو عليها غالباً لا يدفعُه إلى فعل هذا الجلوس، والتساؤل إلا هذا الحارس الخفي,,,.
هو في الواقع ليس من الضرورة ولا بها لابد أن يتفق مع السيد الآخر (القلب),,, بكل معاونيه من الإحساس، والمشاعر، وبكل ما هي عليه السيدة الحاكمة النفس في أموره، أو هو الحاكم في أمورها,,, وإنما قد يختلف هذا الحارس الخفي مع السيد القلب اختلافاً شاسعاً فيقلقه,, ويقضُّ مضجعه,,, وإذا ما كانا على خلاف، فإن السيدة النفس تكون في اضطراب وعذاب وقلق وعدم راحة,,.
أما إن هما اتفقا,,, فهي تطمئن,,, وتسعد,, وترتاح,,.
لو سأل كلُّ إنسان عن دور قلبه في جوفه؟
وعن دور حارسه الخفي (ضميره) في هذا الجوف؟
ترى كيف سيصف نفسه؟!
هناك من يكون حارسه على درجة بعيدة عن الانضباط,, وهو بذلك يقظ لا ينام,,, والحراس الذين لا ينامون هم الأمناء,, فكم الأمناء في الصدور؟ هل يعقل أن يكون كل إنسان على وجه الأرض صاحب حارس أمين في جوفه؟!,,, إذن لقلَّت الجريمة، والجشع، والأمراض الباطنية المنعكسة نتائج أفعال أصحابها المرتبطة بالآخر,,,، المتحكمة في العلاقات مع الخارج عن هيكل هذا الإنسان الحامل لهذا القصر بحارسه وبسيِّده وبسيِّدته,,,، إذن لهدأت موجات الفشل، والتدني والتردي,,, والخوف، والهدر، والفناء,,, على الأرض التي يدبُّ فوقها الإنسان,,.
ولأنه لا يمكن أن يعقل وجود نصف سكان الأرض وفي صدورهم حراس أمناء، فإن السؤال لماذا؟!
هل مردُّ ذلك إلى ما يوعزون دوماً إليه من طبيعة البشر ؟ وهل جُبِلَ البشر على طبيعة نوم حراسهم داخل قصورهم الخفية في جوَّانياتهم؟! أم أن البشر جُبِلوا على وجود بذور وضيئة للنور، وبذور داكنة للظلام فيهم، إن التقط حرّاسهم أياً من هذه البذور وجعلوها غذاءهم اتجهت دفَّاتهم، وتحددت وجهاتهم، وعُرفت أنماطهم,,,، فيوسم النائم منهم بالسالب، ويوسم اليقظ منهم بالإيجاب,,,،
والسالب إلى الشر والظلام، والموجب إلى الخير والنور,,
لكن هناك حقيقة تقول: إن الذي خلق الخلق لم يدعهم يسدرون دون أن يخضعهم للتنوير,,, فأرسل الرسل وأنزل الكتب وعلَّمَ الإنسان.
من هنا كان ضابط الحراس في الصدور ضابطاً إيمانياً مناطه الحق ، والحق خير ونور ويقظة وهو الغذاء الأساس للحراس في الصدور,, ما عرفه ولا وعاه حارس خفي في جوف إنسان إلاقاده إلى يقظة لا نوم فيها، إلى نور لا ظلام بعده.
فكيف يكون إيمانكم؟!
تعرفون نمطية حراسكم!!.
تعرفون أنفسكم,.
وتتعرفون على عالمكم الخفي في دواخلكم.
|