| الثقافية
مع ايماننا العميق بان البقاء لله وحده، وان الموت نهاية كل حي مهما طال عمره الا اننا بطبيعتنا لا يمكن ان نتخلص من الحزن الذي يخلفه فقد العزيز علينا، فللموت رهبة، وللفراق وحشة وخاصة الفراق الأبدي الذي لاعودة بعده.
وكم يكون مؤلما ان تفقد الأمة رمزا من الرموز الحية التي تعيش ملء السمع والبصر من أولئك الذين يثرون حياتها ويؤثرون فيها.
كنت أسمع في صغري من ضمن دعوات أمهاتنا وجداتنا الله يجعلك عين جارية ولا أدرك معناها ولكنها ترتبط بالحديث الشريف الذي يقول: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ومن هنا أدركت الايمان المتأصل في قلوب أمهاتنا وجداتنا.
ولقد فجعت بلادنا بفقد أحد أعز أبنائها ذلك العالم الجليل الذي وقف حياته لخدمة العلم والمعرفة وتحقيق تراث وطنه.
فحمد الجاسر عين جارية فاضت فسالت بعينها جداول وأنهارا أروت حقول المعرفة فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج.
وحمد الجاسر عين ثاقبة تقرأ ما في السطور وما بين السطور.
وحمد الجاسر أذن صاغية حريصة على سماع كل نافع ومفيد الى درجة انه لم يسمح لشماغه أو غترته ان تغطي أذنيه مخافة أن يمنع أي موجة تحمل معلومة أو كلمة نافعة.
وحمد الجاسر يد قوية في حركة دانية تفري بطون الكتب وتنكش في المكتبات والمتاحف والصناديق والأكياس لتفرج عن المخطوطات والوثائق التي لا ترى النور لدى هواة الاحتفاظ بها.
وحمد الجاسر قدم لا يحفى يجوب المرابع والمواقع سعيا وراء معرفة مواطن التراث.
وحمد الجاسر لسان فصيح ذلق لا يعرف التلجلج لأنه لا يقول الا الصدق ولا يتكلم الا بالحق.
وحمد الجاسر قلم سيال لم يهدأ ولا يكل ولا يمل، يكتب، ويؤلف، ويحقق، ويصحح، ويدقق.
انه بحق عين جارية ونموذج حي للكفاح والعصامية والأخلاق والتواضع، ترك علما نافعا وأولادا له في كل مكان يدعون له ويترسمون خطاه.
فرحمه الله رحمة واسعة وجزاه الله عن أمته وبلاده خير الجزاء.
وانني أدعو لتكريمه بإنشاء أكاديمية للتاريخ والتراث تحمل اسمه تقديرا لجهوده وتخليدا لذكراه ولا أشك ان قادة البلاد أعزهم الله وأبناء الوطن لن يتأخروا في الوفاء لمثل هذا الرائد الفذ وهم أهل الوفاء.
|
|
|
|
|