| الثقافية
فقدت الأمة بالأمس,, علماً من أعلامها الكبار,, ورائداً كبيراً من رواد الحركة الثقافية والفكرية والأدبية الحديثة في المملكة,, فقدت أستاذ الجيل الشيخ حمد بن محمد الجاسر بعد تسعة عقود من الزمن قضاها في العمل والعطاء الثقافي والعلمي المؤثر، فارتجفت القلوب، ودمعت العيون، وخزنت النفوس، وهبت الأقلام تؤبن الفقيد وتعزي فيه,, بكلمات حزينة مؤثرة,, تعبر بصدق عن قيمة الفقيد ومكانته العلمية المميزة,, في تاريخ الدولة السعودية الحديثة,, ولاعجب في ذلك,, فالشيخ حمد الجاسر غفر الله له يعتبر أباً روحياً للجيل الحاضر، ورائدا كبيراً من رواد الثقافة المعاصرة،، كما يعتبر مرجعاً في التاريخ والجغرافيا وأنساب القبائل العربية في جزيرة العرب,, كما هو قبل ذلك كله محارب قوي,, ومدافع متمكن,, عن اللغة العربية الأصيلة,, وله دور كبير وفاعل مؤثر في مسيرة التعليم والصحافة والطباعة,, والنشر في المملكة العربية السعودية وفي المنطقة الوسطى على وجه الخصوص.
فقد كان رحمه الله أول مدير للتعليم في نجد ثم اسس مع فضيلة الشيخ عبداللطيف بن ابراهيم عليهما جميعاً رحمة الله أول معهد علمي بالرياض عام 1370ه والذي بمعطياته وتخريجاته بفروعه المنتشرة في أنحاء المملكة,, وُلد هذا المشروع العملاق,, على طريق المطار الجديد جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ثم توالت مشاريعه الثقافية الطموحة في مجالات الصحافة والطباعة والنشر عن طريق إصدار مجلة اليمامة أولاً ثم تأسيس مطابع الرياض والمشاركة في تأسيس مؤسسة اليمامة الصحفية ثم وبمجهودات فردية,, أسس دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر التي أثرت الساحة الثقافية بالكثير والعديد من المطبوعات المهنية في مختلف التخصصات,, الى جانب إصدار مجلة العرب الشهيرة ببحوثها ودراساتها العلمية والتاريخية المتخصصة,, ومشاركاته المؤثرة في ميادين الثقافة والمعرفة على مختلف المستويات,, والتي على إثرها,, نال جائزة الدولة التقديرية للأدب عام 1404ه, كما كرمه قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إبان إنعقاد القمة العاشرة في سلطنة عمان عام 1410ه, وللفقيد رحمه الله مكانة علمية في نفوس علماء الأمة العربية بأكملها,, والمهتمون من علماء الشرق والغرب بتاريخ الجزيرة العربية وجغرافيتها,, كما هو عضو في المجامع العلمية والعربية في معظم العواصم العربية والعالمية,, فرحمه الله رحمة واسعة وغفر له، واسكنه فسيح جناته، والهم أهله وذويه وتلاميذه ومحبيه الصبر والسلوان, إنا لله وإنا إليه راجعون .
وأعتقد جازماً أن الحدث كان أليماً ولكنه كان منتظراً وكان محزناً ولكنه كان حقاً,, فتلك سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا,, وتلك الأيام نداولها بين الناس,, جيلاً بعد جيل,, ولكن الفارق الحقيقي هو في من يرحل ويموت؟! وفي من يرحل بجسده وروحه فقط ولايموت,, ويبقى حياً بآثاره وموروثاته، وأمجاده بعد الرحيل؟! والتاريخ يعلمنا بأن العظماء لا يموتون,, وإنما يرحلون فقط,, وتبقى آثارهم العلمية والأدبية وانجازاتهم الحضارية حية عبر طول السنين,, تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل,, فرموز التاريخ الإسلامي والحضارة العربية,, ما زالوا أحياء بيننا بعطاءاتهم وآثارهم نفقد منهم غير الاجساد والارواح، اما علومهم وانجازاتهم في مختلف التخصصات فهي باقية حية بيننا ما بقيت الايام في التداول والتعاقب, وباستثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم وباستثناء صحابته رضوان الله عليهم جميعاً من التشبيه والمقارنة,, نجد ان رواة الحديث من السلف الصالح كالبخاري ومسلم ثم الائمة الاربعة الى الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب غفر الله لهم جميعاً وجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء نجد ونحس انهم ايحاء بيننا احياء بعلومهم احياء بآثارهم أحياء بدعواتهم وأعمالهم الخالدة، أحياء بعقائدهم ومبادئهم الراسخة والثابتة بين المسلمين رغم تعاقب الأيام وتقادم السنين.
وفقيدنا الغالي الشيخ حمد الجاسر عليه رحمة الله ومغفرته هو من تلك الشخصيات البارزة والمؤثرة ومن تلك القيادات التي ساهمت مساهمة كبيرة في الحركة العلمية، والأدبية والثقافية، مع بداية الدولة السعودية الحديثة, ولن تنطوي صفحات أمجاده وتندثر آثاره برحيل جسده وانتقال روحه الى بارئها عز وجل.
فنحن من المؤمنين حقاً بقضاء الله وقدره ومن المؤمنين صدقاً بأن الموت حق,, وأنه آت لاريب فيه,, ولهذا يجب علينا في مثل تلك الظروف الصعبة والآلام القاسية,, ان نكفكف الدموع ونلملم الأحزان ونتجه الى الله سبحانه وتعالى بأن يغفر له,, وان يجزل له العطاء ويجعله برحمته وفضله مع النبيين والصديقين والشهداء في جنات النعيم,, جزاء ماقدم لأمته ووطنه من خدمات علمية وانسانية حققت أهدافها في التنمية العلمية والثقافية والفكرية في هذا الوطن العزيز بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل الدعم والعطاءات السخية من قيادات هذا البلد الأمين من آل سعود الأكرمين.
والدور الذي يجب أن نقوم به والأفكار التي يجب ان نطرحها حتى اليوم هي ماذا سنعمل من أجل هذا التراث الذي خلفه لنا، وحملنا مسؤوليته؟! وكيف نتجاوز خيمة الحزن في واقعة الرحيل,, ومجاملات التأبين في مقالات العزاء والرثاء,, الى ساحة العمل,, وبلورة تلك المشاعر والأحاسيس الجماعية على المستوى الرسمي والشعبي من برقيات وزيارات لعزاء وقصائد ومقالات الرثاء الى برنامج عمل بناء مثمر يخدم أهداف الفقيد ويتواصل مع عطاءاته الفكرية في البرامج التي كان يعمل من اجل تحقيقها لخير أمته ووطنه وحكومته التي كانت ومازالت تقدره حق قدره,, وتنزله في المكانة التي يستحقها وتقدم له كل العون والمساعدة فيما يطلبه ويرجوه وخير شاهد على ذلك ,, مبادرة خادم الحرمين الشريفين متعه الله بالصحة والعافية بتوجيه امره الكريم بنقل جثمان الفقيد بطائرة خاصة من الولايات المتحدة الامريكية الى المملكة العربية السعودية أرض الوطن لمواراة جثمانه تحت التراب الذي احبه واخلص له، وأفنى حياته من اجل خدمته وخدمة شبابه,.
ولهذا فإنني ادعو اصدقاء، ومحبي، وتلاميذ الفقيد الغالي وهم ولله الحمد كثيرون ويحتلون المراكز القيادية الرسمية او الاجتماعية المرموقة في المجتمع، أدعوهم وعلى رأسهم رجل العلم والإعلام الأول ورجل الدين والدولة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود,, أمير منطقة الرياض,, الذي أعرف انه كان يهتم بالفقيد اهتماماً كبيراً ويسأل عنه كثيراً، ويتابع أعماله ونشاطاته الفكرية وحالته الصحية دقيقة بعد دقيقة ولن يتأخر في السؤال عنه حينما يتشرف بالسلام على سموه من يعرف ان له علاقة بالفقيد حتى ولو تكرر ذلك في اليوم الواحد عشر مرات، أدعو هؤلاء جميعاً الى المبادرة السريعة بطرح فكرة الدعوة لإنشاء مكتبة عامة تحمل اسم الفقيد وتجمع موروثاته وتتواصل مع ما كان يخطط للعمل على تنفيذه من مشروعات ثقافية وتاريخية وأدبية، وأتمنى من سمو سيدي الأمير الكريم سلمان بن عبدالعزيز بعد الاقتناع بالفكرة,, التوجيه بما يلزم للتنفيذ مع العمل على دعم المشروع بتخصيص مساحة مناسبة في حديقة الملز على شارع الستين بالرياض لإقامة المكتبة عليها,, نظراً لتوسطها من المدينة وقربها من الجميع لتتولى هذه المكتبة الحفاظ على موروثات الفقيد خاصة,, وتنفيذ مخططاته الثقافية والفكرية,, تواصلا مع اهداف دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر ورسالة مجلة العرب التي كان يصدرها الفقيد, وأعتقد جازما ان هذا المشروع,, هو أقل ما يمكن ان نقدمه لفقيدنا بعد رحيله وهو في مجمله يعبر عن مشاركة وطنية إيجابية تقدم معلما حضارياً وثقافياً جديداً لعاصمة الثقافية عام الألفين وسيكون لهذا المشروع دور فاعل ومؤثر في الحركة الثقافة في عاصمتنا الحبيبة والغالية الرياض , ومتى ما تحققت هذه الفكرة,, وهي إن شاء الله غير مستحيلة,, وقريبة التحقيق,, ستكون مكتبتي المتواضعة والمتواضعة جداً,, اول الواصلين الى مكتبة الشيخ حمد الجاسر العامة راجياً ان تبدد هذه الفكرة ظلام الأحزان والآلام,, بشموع الثقافة والمعرفة لشباب الوطن,, الهدف,, والغاية,, والله ولي التوفيق
كاتب صحفي ورئيس تحرير سابق
|
|
|
|
|