| الاقتصادية
* الرياض فهد الشملاني
بدأت في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات بفندق الرياض الانتركونتيننتال صباح أمس الأحد أولى جلسات العمل لاجتماعات الدورة الثانية عشرة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي.
وكان الموضوع الرئيسي لهذه الجلسة عقود التوريد والمناقصات ، وناقشت بحوثاً مقدمة من فضيلة القاضي محمد تقي العثماني، وفضيلة الدكتور عبدالوهاب إبراهيم أبو سليمان، وفضيلة الدكتور رفيق يونس المصري، وفضيلة الشيخ حسن الجوهري.
وقرر لهذه الجلسة الدكتور رفيق يونس المصري الباحث في مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة الذي تقدم ببحث عن التوريد والمناقصات بينما عرض لها فضيلة الدكتور عبدالوهاب ابراهيم ابو سليمان، وفضيلة الدكتور محمد تقي العثماني.
وكان أول البحوث التي ناقشتها الجلسة البحث الذي تقدم به فضيلة القاضي محمد تقي العثماني عرف في مستهله عقد التوريد بأنه عبارة عن اتفاقية بيد الجهة المشترية والجهة البائعة على أن تورد الجهة البائعة الى الجهة المشترية سلعاً أو مواد محددة الأوصاف في تواريخ مستقبلية معينة لقاء ثمن معلوم متفق عليه بين الفريقين.
ورأى الباحث ان اتفاقية التوريد لا تعدو من الناحية الشرعية ان تكون تفاهماً ومواعيدها من الطرفين، اما البيع الفعلي فلا ينعقد إلا عند تسليم المبيعات.
وأورد عدداً من الآراء الفقهية حول عقود التوريد وبعضاً من أنواع البيوع، مستعرضاً العديد من الفروق بين عقد التوريد والمواعدة في البيع.
بعد ذلك تحدث فضيلة القاضي عن عقود المناقصة، موضحاً انها طريقة تبيعها جهات تريد شراء سلع أو خدمات يأمل ما يعرض عليهم من سعر وهو في حقيقته ضد المزايدة أو بيع من يزيد.
وقال: إن المناقصة يجريها المشترون، ويطلبون العروض من البائعين، أما المزايدة فيجريها البائعون قسراً، أي ان المناقصات تجري في عصرنا، أما في عقود المقاولات او في عقود التوريد.
وركز الباحث في بحثه على ايضاح النقاط التالية: تكييف عقود المناقصة من الناحية الفقهية، وإذا كانت المناقصة عقداً فمتى يتم الإيجاب والقبول؟، وهل يختلف باختلاف انواع المناقصة؟، وحكم اخذ عوض على دفتر الشروط، وحكم المطالبة بالضمان الابتدائي وحكم تقديم نسبة من الثمن من قبل الجهة الطالبة للمناقصة، وهل يجب على الجهة الطالبة للعروض ان تقبل عرض مَن تقدم إليها بالسعر الأقل؟.
وكان البحث الثاني المقدم في هذه الجلسة بعنوان عقود التوريد دراسة فقهية تحليلية اعده الدكتور عبدالوهاب ابراهيم ابو سليمان، واشتمل على ثلاثة اقسام، القسم الأول بعنوان عقد التوريد التوصيف والتعريف ، وقسمه الى مبحثين، حيث تناول في المبحث الأول التوصيف من حيث الطريقة التي يتم بها عقد التوريد، وصورة عقد التوريد والغرض من إبرامه، والتكييف الفقهي له، كما تناول في المبحث الثاني التعريف اللغوي والفقهي وإشكالية البحث.
واشتمل القسم الثاني من البحث والذي كان بعنوان الدراسة الفقهية والتحليلية على ثلاثة مباحث، حيث خصص المبحث الأول للعقد على المبيع الغائب على الصفة في المذهب الحنيفي شروطه الاستدلال والآثار الشرعية التي تترتب على صحته، ومنها عدم لزوم البيع وخيار الرؤية وتأجيل الثمن.
أما المبحث الثاني، فقد خصص للعقد على البيع الغائب على الصفة في المذهب المالكي وأقسام المبيع والاستدلال على صحة العقد على المبيع الغائب بالصفة، ومنها لزوم البيع، وعدم لزومه وخيار النقصية، وتأجيل الثمن والضمان، وكان المذهب الثالث عن العقد على المبيع الغائب على الصفة في المذهب الحنبلي وأنواعه والآثار الشرعية المترتبة على صحة العقد على المبيع الغائب الموصوف، وآخر المباحث في القسم الثاني خصص للعقد على المبيع الغائب على الصفة في المذهب الشافعي، مورداً قول الإمام الشافعي في كتاب الأم موافقاً للمذاهب الثلاثة القول المعتمد في المذهب على خلافه.
وجاء القسم الثالث من البحث تحت عنوان المقتضي والمانع في عقد التوريد مشتملاً على ثلاثة مباحث، الأول منها عن المقتضى في عقد التوريد، والثاني عن المانع في عقد التوريد، والثالث عن تمام الاستدلال.
وخلص الباحث الى مشروعية عقد التوريد بمعناه الفقهي وصوره التي جاءت في البحث وما جرى مجراها استناداً على النصوص الفقهية المعتمدة والقواعد الأصولية الاجمالية بشرط خلوه من المحظورات الشرعية فيما يتعلق بالعاقدين، والعوضين، وصفة العقد خاضعاً في جميع مراحله للمبادئ والقوانين الشرعية، وعدم المعارضة لقاعدة، او ضابط شرعي فضلاً عن نص صريح من الكتاب والسنة.
كما رأى الباحث ان عقد التوريد في تفاصيله وخصوصياته هو البديل السليم المناسب للبنوك الإسلامية عن بيع المرابحة للآمر بالشراء الذي طال فيه الخلاف بين الفقهاء المعاصرين بسبب الوعد للآمر بالشراء ومدى لزومه شرعاً للمشتري.
أما البحث الثالث فقد تقدم به الدكتور رفيق يونس المصري عرف في بدايته عقد التوريد وقال: إنه اتفاق يتعهد فيه أحد الطرفين بأن يورد للآخر سلعاً موصوفة على دفعة واحدة أو عدة دفعات في مقابل ثمن محدد غالباً ما يكون مقسطاً على أقساط.
وأبان أن هناك عقودا لتوريد السلع مثل توريد الأغذية، والأدوية، والملابس، والعقود للمستشفيات، والمدارس، والمطارات، والوحدات العسكرية، وعقود توريد الخدمات، مثل توريد الكهرباء والغاز والمياه ، ثم تناول الباحث أغراض عقد التوريد من جهة المشتري ومن جهة البائع، وقارن بين عقد التوريد وعقود أخرى قريبة منه كعقود السلم والاستصناع.
وبعد ذلك تحدث الدكتور رفيق يونس المصري في بحثه عن عقد التوريد وبيع الغائب على الصفة، وعقد التوريد وبيع ما ليس عنده، وعقد التوريد وبيع الكالئ بالكالئ تأجيل البدلين .
وفي هذا السياق أجاب الباحث على اسئلة أولها هل تأجيل التدليس فيه غرر؟ أو يتعاظم فيه الغرر؟ وهل يجوز في عقد التوريد ان يتفق على سعر الوحدة دون الكمية؟، وهل يجوز في عقد التوريد ان يترك السعر لسعر السوق، وهل تشترط في عقد التوريد ان يكون المبيع عام الوجود، كما في السلم ,ثم تحدث عن ضمان المبيع بالتوريد، واشار الباحث الى مباحث أخرى ذات علاقة بعقد التوريد وهي: صوره وحكمه التكليفي، وأركانه، وشروطه، ولزومه، أو جوازه، وخيار العيب، وخيار فوات الوصف.
وعرض الدكتور رفيق المصري الباحث في مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي التابع لجامعة الملك عبدالعزيز بجدة بعضاً من آراء الفقهاء في عقد التوريد.
وفيما يتعلق بالمناقصات، فقد تناول الدكتور رفيق المصري في هذا الجانب عدداً من العناصر وهي الفرق بين المناقصة وطرق الشراء الأخرى، وحكم قصر الدخول في المناقصة على المرخص لهم حكومياً لذلك، وهل يلزم إخبار المشتري بأن البضاعة تملكها البائع بالأجل ومماطلة المشتري في تسديد ثمن البضاعة، وزيادة ايضاح مسألة بيع دفتر الشروط، ومناقشة آراء العلماء فيها.
وبعد أن شرح الباحث كل عنصر من هذه العناصر على حدة ختم بحثه بالقول: إن عقد التوريد عقد يتعهد فيه احد الطرفين المورّد بأن يورد الى الطرف الآخر المورَّد له سلعاً أو خدمات موصوفة، على دفعة واحدة، أو عدة دفعات معلومة، في مقابل ثمن أو أجر محدد، بحيث يدفع قسطاً منه كلما تم قبض قسط المبيع.
وأضاف أنه يجب أن يكون المبيع عام الوجود وقت التسليم، او تنتجه مصانع ذات إنتاج كبير، ومعروفة بقدرتها العالية على التسليم، مشيراً الى ان عقد التوريد عقد جائز شرعاً، وإن تأجل فيه البدلان، بالنظر لحاجة الناس إليه، وعموم البلوى به، وانتشاره في القوانين والأعراف الحديثة، وخلوه من الموانع الشرعية.
وقال الدكتور رفيق يونس المصري انه يجوز في عقد التوريد الاتفاق على سعر الوحدة، دون الكمية، كما يجوز فيه ترك السعر لسعر السوق, ويجوز ضمان المبيع لمدة معلومة، لإزالة جهالة المشتري، وزيادة رضاه.
أما فيما يتعلق بالمناقصة فقد خلص الباحث الى انها طريقة في الشراء او الاستئجار او الاستصناع، تخضع لنظام محدد، وتلتزم فيه الجهة صاحبة المناقصة بدعوة المناقصين الى تقديم عطاءاتهم عروضهم وفق شروط ومواصفات محددة، من أجل الوصول الى التعاقد مع صاحب أرخص عطاء، واصفا المناقصة بأنها كالمزايدة جائزة شرعاً، سواء أكانت عامة ام محدودة، داخلية أم خارجية، علنية أم سرية، وقال: إنه يجوز قصر الاشتراك فيها على المصنفين رسمياً، او المرخص لهم حكومياً، شريطة ان يكون هذا التصنيف او الترخيص قائماً على أسس موضوعية عادلة، كما يجوز للجهة صاحبة المناقصة فرض غرامات تخلف على الموردين، الذين يتخلفون عن تنفيذ التزاماتهم بدون عذر مقبول.
وأوضح الدكتور رفيق المصري أنه لا يجوز لها فرض غرامات تأخير لأنها تضارع فوائد التأخير في القروض الربوية، وفي الورقة بيان للعقوبات الجائزة وغير الجائزة، وفي حال مماطلة المدين في التسديد بينما يجوز لها تقديم دفتر الشروط الى المناقصين، مقابل تأمين يرد إليهم، عند إعادة الدفتر، ولكن لايجوز ان تفرض عليهم تكلفته أو ثمنه، لأن منفعته عائدة لها، لا لهم.
وكان آخر هذه البحوث التي نوقشت في الجلسة الأولى هو البحث المقدم من الشيخ حسن الجواهري، حيث استهله بمقدمة بيّن فيها ان العقود المعاملية التي أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى:
أوفوا بالعقود هي كل عقد عرفي ثبتت عقديته عرفا بالارتكاز العقلاني إذا كان مشتملاً على شروط صحة العقد الشرعية وخالياً من موانع العقد يجب الوفاء به.
كما عرّف الباحث عقود التوريد بأنها عقد بين طرفين على توريد سلعة ان مواد محددة الاوصاف في تواريخ معينة لقاء ثمن معين يدفع على اقساط، مشيراً الى انه اصبح ضرورة من ضرورات المعاملات.
وأورد الشيخ الجواهري امثلة على هذه الضرورة، منها ان الدولة المحتاجة الى كمية من النفط لفصل الشتاء، وتشتري هذه الكمية لاتكون مستعدة لقبولها مرة واحدة، حيث لا توجد عندها المخازن الكافية لحفظها، كما ان الدولة نفسها لا تملك الكمية الهائلة من الثمن لتقدمه الى الدولة المصدرة.
وتطرق الباحث الى أركان عقد التوريد وشروطه، وهل عقد التوريد لازم او ليس بلازم؟ وهل يثبت خيار العيب وخيار فوات الوصف ونحوهما في عقد التوريد شارحاً خيارات المجلس والشرط والغبن والرؤية والعيب، وخلص الى القول: ان خيار الرؤية وخيار العيب لا يأتيان في عقود التوريد، إذا كان عقد التوريد على كلي موصوف في الذمة، اما إذا كان عقد التوريد على عين شخصية خارجية فيثبتان، كما شرح صور الضمان في البيع بالتوريد، وانتهى الى ان الشرط الجزائي او التعويض عن حصول الضرر في العقود جائز ما لم يصطدم بنهي شرعي عنه.
أما عقود المناقصات، فقد عرفها الباحث بأنها إرساء العقد على أفضل العروض عند وجود العروض المتعددة في وقت واحد، مشيراً الى ان عقد المناقصة عقد جديد لم يرد له ذكر في القرآن والسنة والفقه بخلاف عقد المزايدة الوارد في السنة والفقه، ثم استعرض الباحث سير عملية المناقصة من الدعوة الى المشاركة حتى نهاية العقد، موضحاً ان الإيجاب ملزم في عقد المناقصة.
عقب ذلك بيّن الشيخ الجواهري الفرق بين المناقصة والبيع العادي، مبيناً اركان المناقصة واوجه تمامية العقد وعلاقة المناقصة بالمزايدة، والتكييف الشرعي لعقد المناقصات وعلاقة المناقصة ببيع ما ليس عند البائع، موضحاً أنواع المناقصات، وحكم دفتر الشروط، وحكم تقديم نسبة من الثمن ضماناً من المتقدم الى المناقصة، حكم الدخول الى المناقصة على المرخص لهم، وحكم التأمينات إذا تأخر المقاول او البائع عن تسليم ما يجب عليه عن الموعد المقرر.
وختم الباحث الشيخ حسن الجواهري بحثه بخلاصة جاء فيها ان كل عقد ولو كان جديداً يجب الوفاء به، إذا كان مشتملاً على الشروط التي اشترطها الشارع، ولم يكن هناك ما يمنع منه شرعاً استناداً إلى قوله تعالى: أوفوا بالعقود .
|
|
|
|
|