| متابعة
تعتبر منطقة أمريكا اللاتينية من المناطق المهملة على خريطة اهتمامات السياسة العربية الخارجية، ورغم ارتباط دول هذه المنطقة بعلاقات تعاون وثيقة مع مختلف دول العالم في عدد كبير من المجالات، بل وتسعى دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وتكتلات مثل الاتحاد الأوروبي إلى خلق مجالات مختلفة من أجل توثيق التعاون مع دول أمريكا اللاتينية، وهناك اتفاق بين دول الاتحاد الأوروبي مع دول أمريكا اللاتينية على إقامة منطقة تجارة حرة بين الطرفين بحلول عام 2005 فيما يؤكد بشكل عملي حقيقة التزايد الهائل في قوة التكتلات الاقتصادية والتجارية العالمية ، ويؤكد أيضا أن الدول المنفرطة خارج مثل هذه التكتلات سوف تتعرض لظروف غير جيدة في علاقاتها الاقتصادية وأنه من الضروري لدول كل منطقة أو حتى دول متباعدة تجمعها مصالح مشتركة أن تبحث بجدية في تكوين تكتل اقتصادي وتجاري حقيقي لإيجاد فضاء رحب يضم اقتصادات دول هذا التكتل.
وتماشيا مع توجهات قادة المملكة العربية السعودية نحو خلق فضاءات رحبة للتعاون السعودي خاصة والعرب بشكل عام مع مختلف دول العالم وتكتلاته الاقتصادية والسياسية تأتي زيارة سمو ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الأمير عبدالله بن عبد العزيز لعدد من دول أمريكا اللاتينية في نهاية الشهر الجاري تأكيدا لهذا التوجه وتوسعا فيه.
ويرى المراقبون من هذه الزيارة فرصة تاريخية لتوثيق علاقة المنطقة العربية بدول امريكا اللاتينية الغائبة جميعها تقريبا عن قضايا المنطقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وحيث تحرص المملكة على حشد اكبر قدر ممكن من الرأي العام العالمي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني في السيادة على أرضه ومقدساته.
وتحمل اراضي دول أمريكا اللاتينية عدداً كبيرا من الجاليات العربية والإسلامية يتعدى في البرازيل وحدها العشرة ملايين عربي وهذا أمر يحتاج في رأي المراقبين إلى اتصال عربي بأعضاء هذه الجاليات لتوثيق صلتهم بأوطانهم وخلق رأي عام داعم للقضايا العربية في هذه الدول.
الكاتب الصحفي محمد الحيوان يرى أن أي تحرك سعودي في الخارج لا يقتصر في الحقيقة على خدمة الأهداف السعودية وحدها لكنه يمتد ويتسع ليشمل خدمة الأهداف العربية جميعها ويشير الى أنه رغم أن جولة الأمير عبدالله تستهدف أساسا نوعا من تأكيد العلاقات بين دول الأوبك التي تمثل السعودية دورا رياديا فيها ، إلا أن هذه الجولة تعتبر فتحا لمجالات واسعة من التعاون بين المنطقة العربية جميعها وليس السعودية وحدها مع دول هذه المنطقة.
ويرى الحيوان أن هناك مجالات كثيرة جدا للتعاون مع دول المنطقة اللاتينية مثل مجال المفاعلات النووية الذي تشتهر به الأرجنتين والبرازيل.
ويقول انه رغم اتساع مجالات التعاون إلا أن الدول العربية لا تسعى لاستغلال هذا الأمر إذ تتركز العلاقة على استيراد اللحوم، مؤكداً أن زيارة الأمير عبدالله لهذه الدول ستكون بمثابة دق أجراس التنبيه للدول العربية لوضع دول أمريكا اللاتينية في مكان بارز على قائمة اهتماماتها الخارجية.
ويضيف أن زيارة الأمير عبدالله ولقاءاته بكبار المسئولين في دول أمريكا اللاتينية سوف تساعد كثيرا في توضيح الصورة وتقديم المعلومات الغائبة عن قيادات هذه الدول بالنسبة للقضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية,ويوضح أن الجاليات العربية بدول أمريكا اللاتينية تفقد اتصالها شيئا فشيئاً بأوطانها العربية وأن كثيرا من أفرادها غيروا أسماءهم ودياناتهم وعاداتهم وانخرطوا في مجتمعات هذه الدول وهناك حاجة لإحياء العلاقات بين هذه الجاليات الضخمة الأعداد وأوطانها العربية ويؤكد أن للمملكة العربية السعودية دورا كبيرا في استمرار الصلة بين هؤلاء وأوطانهم حيث تقوم بإنشاء المؤسسات الاسلامية والمدارس والمساجد في هذه المنطقة للحفاظ على علاقة هؤلاء المغتربين بأوطانهم ودينهم الإسلامي.
الدم العربي في أمريكا اللاتينية
الدكتورة عائشة راتب استاذ السياسة الدولية بالجامعات المصرية ووزيرة التأمينات الاجتماعية السابقة تؤكد على أهمية زيارة الأمير عبدالله لدول أمريكا اللاتينية وتقول ان هذه الزيارة تزيد توثيق العلاقات العربية مع هذه الدول وتشير الدكتورة عائشة الى ان غالبية سكان أمريكا اللاتينية من أصل اسباني وبرتغالي ويجري الدم العربي فيهم وفي لغتهم كثير من الألفاظ العربية منذ الفتح الإسلامي لبلاد الأندلس، وتقول ان زيارة كبار المسؤولين السعوديين والعرب لهذه المنطقة أمر مهم من أجل أحياء علاقة هؤلاء بالدم العربي والمنطقة العربية.
وترى أن الواجب على الدول العربية في المرحلة القادمة ان تقلل من الاعتماد على مجلس الأمن وتتجه الى خلق رأي عام بين دول الجمعية العامة للأمم المتحدة لمساعدة القضايا العربية وأن السعودية تمثل دوراً رائداً في قيادة هذا الاتجاه ومعها عدد من الدول مثل مصر وتؤكد أن زيارة الأمير عبدالله لأمريكا اللاتينية تؤدي ايضاً الى دعم خلق رأي عام بين الجاليات العربية المقيمة هناك من أجل دعم القضايا العربية واثارتها في مثل هذه المجتمعات.
العرب ومجموعة الكونتادورا
اللواء وجيه عفيفي رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية العربية يشير الى أن هناك تكتلات اقتصادية وتجارية عديدة في منطقة أمريكا اللاتينية تحتاج الى اتصال عربي بها موضحاً ان من هذه التكتلات تكتل ميركوسور التجاري الذي يضم الارجنتين والبرازيل وشيلي واوروجواي وباراجواي وهناك تعاون وثيق بينه وبين الاتحاد الأوروبي.
وهناك ايضاً مجموعة الكونتادورا التي تم تشكيلها في عام 1983 وكانت تضم في عضويتها كلا من المكسيك وبنما وكولمبيا وفنزويلا وفي عام 1985 تم توسيع هذه المجموعة لتشمل الارجنتين والبرازيل وبيرو وأروجواي وفي عام 1987 تشكلت من هذه المجموعة مجموعة الريو والتي فتحت على الفور حوارا مع المجموعة الاقتصادية الاوروبية وهو الحوار الذي اكتسب صيغة رسمية في روما عام 1990 لينضم الى اشكال التعاون المختلفة بين دول أمريكا اللاتينية ودول الاتحاد الأوروبي.
ويؤكد عفيفي ان زيارة الأمير عبدالله ستكون نواة لتعاون عربي واسع مع هذه التكتلات وتوضيح ما هو غائب من القضايا العربية لقادة هذه الدول والتكتلات.
ويشير الى أنه من الضروري ايضاً خلق مجالات للحوار والتعاون مع الجاليات العربية في هذه الدول والتي تبلغ الملايين وعددها في البرازيل وحدها عشرة ملايين شخص وصل بعضهم إلى مناصب عليا في عدد من هذه الدول ومنهم كارلوس منعم الذي وصل الى رئاسة الارجنتين وهو من اصل عربي والدبلوماسي المصري أمين يسري رئيس جمعية اصدقاء جامعة الدول العربية يصف زيارة ولي العهد لدول أمريكا اللاتينية بأنها خطوة تخطوها المملكة باسم العرب ولصالح العرب ولصالح قضيتهم الكبرى وهي القضية الفلسطينية.
ويقول بأنه مما لاشك فيه ان هذه الخطوة، وهي ليست بجديدة على قادة المملكة العربية السعودية، تحمل أهمية كبرى ليس لخدمة مصالح المملكة وحدها ولكن لخدمة كل العرب، ويضيف يسري: لقد قدمت من العاصمة الفرنسية باريس منذ أيام قليلة وتابعت هناك اهتماماً كبيراً بهذه الزيارة في الصحف الغربية والعربية الصادرة هناك ايضاً.
ويشدد على ان هذه الزيارة سوف تؤدي بالتأكيد الى كسر العزلة المفروضة على العلاقات العربية بهذه المنطقة المهمة من العالم، مشيراً الى أهمية ان تغتنم الحكومات العربية فرصة هذه الزيارة لتوثيق العلاقات بهذه المنطقة خاصة وان مثل هذه الامور تحتاج الى متابعة واستمرارية.
وينهي السفير امين يسري بالتأكيد على ان زيارة الامير عبدالله ستكون فاتحة عهد جديد في العلاقات العربية بدول العالم والعمل على اجتذاب هذه الدول لصالح القضايا العربية لمواجهة محاولات التدخل الاسرائيلي الامريكي في مثل هذه المناطق من العالم.
الكاتب الصحفي زكريا نيل يرى ان زيارة ولي عهد المملكة العربية السعودية لدول امريكا اللاتينية هي استمرار للقواعد التي وضعها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز للانفتاح على دول العالم وتكتلاته المختلفة وفتح منافذ متعددة للعلاقات التجارية والاقتصادية مع هذه الدول واتاحة الفرصة لهذه الدول للاستثمار في المملكة,ويرى نيل ان زيارة ولي العهد سوف تساهم بشكل كبير في الحد من شوكة النفوذ اليهودي في مثل هذه المناطق والذي وصل حدا كبيرا في ظل تأييد من الولايات المتحدة التي تنحاز بشكل كبير ضد القضايا العربية.
ويؤكد على ضرورة ان تحذو بقية الدول العربية حذو المملكة وتتساند من اجل اقامة علاقات اقتصادية وسياسية قوية بهذه المنطقة الهامة من العالم.
|
|
|
|
|