| مقـالات
إذا كان بعض المجتمعات يتعرض وبشكل دوري لأعاصير طبيعية، فإن المجتمعات كلها بلا استثناء تتعرض لأعاصير من التغير الاجتماعي المدعمة بالتحديات الثقافية والتربوية والاقتصادية للعولمة، التي تستهدف كل ثقافة وشخصية غافلة عن أمنها التربوي، أو إذا لم تكن لديها التنمية التربوية في صلب التنمية الاقتصادية.
لكي نتجنب متاهات هذه العولمة ونساهم في صياغتها، لأننا لا يمكن لنا أن نقف منها موقف المحايد فإما نتفاعل معها بشكل سلبي خضوعي استسلامي، أو نساهم فيها بشكل فعّال وبما يتفق وخصائصنا وطموحاتنا.
يجب ان نبدأ، وانطلاقا من الطفولة، باعتبارها أنفس كنوز المجتمع، وباعتبارها رهاننا الحقيقي على المستقبل, على ان تكون هذه الانطلاقة ضمن مؤسسات متخصصة في المجتمع، اذ لا يجوز، بأي شكل من الأشكال، أن تترك هذه المسؤولية الاجتماعية على الأسرة، حتى ولو توفرت لها الامكانيات لكل الاتجاهات، فما بالك بغالبية الأسر التي تشعر بعجزها عن تلبية كل ما يحتاجه أطفالها؟!.
هل يمكن للمربية التي تفتقر للكفاءة التربوية والعلمية والصحة النفسية، والغريبة في معظم الحالات عن شخصيتنا الإسلامية، هل يمكن لمثل هذه المربية ان تقوم بهذه المهمة الاجتماعية؟,, إن قيما اجتماعية مهمة، لا يمكن للطفل ان يكتسبها إلا ضمن مؤسسات اجتماعية مثل قيم الصداقة، التعاون، احترام الآخرين من خلال احترام خصوصياتهم وممتلكاتهم الشخصية، التنافس الإيجابي، اللعب الجماعي، الجرأة، الصراحة، احترام السلطات الاجتماعية، الشعور بالمسؤولية، أولوية الولاء للوطن على ولاءات اجتماعية قبلية أوطبقية أو جغرافية,, والاطلاع على كل ألوان الطيف الاجتماعي.
مثل هذه القيم المشار إليها أعلاه على سبيل المثال لا الحصر لا يمكن ان يتعلمها الطفل لا من أمه، ولا من مربيته، وانما فقط في دور حضانة.
غالبا، ما تكون عواطف الام انفعالية، وليست أبداً تجري بشكل مستقر، وغالبا ما تفقد المرأة الأم (لاسيما إذا كانت لديها بعض المتاعب مع زوجها أو أهل زوجها) القدرة على استيعاب وتفهم الطفل واحتياجاته, ولتلافي هذه المشكلة لابد من إرسال كل طفل إلى دور الحضانة لتغذية وجدانه بجرعات عاطفية موضوعية متزنة من قبل مشرفات متخصصات، وضمن خطة منهجية موحدة لكل أطفال المجتمع مع مراعاة الفروق الفردية العقلية والنفسية بما يكفل نمو الطفل النفسي والعقلي والاجتماعي والروحي بلا أي رضوض أو انكسارات.
لقد باتت المعلوماتية معرفة ضرورية، وكلما أعطيت هذه المعرفة في مرحلة مبكرة أعطت نتائج إيجابية، وبما ان غالبية الأسر لا تهتم في توفير هذه المعرفة لأطفالها لضيق في ذات اليد أو لضيق في الأفق, لذا يمكن ان يتوفر كل طفل على هذه المعرفة وبشكل منهجي في دور الحضانة.
نعم، في دور الحضانة أيضا، يمكن لكل طفل من أسرة مفككة أو معدمة أو مغيّبة جزئيا أو كليا (بسبب وفاة أو هجرة أو طلاق أو مرض مزمن لأحد الأبوين أو لكليهما معا) ان ينتسب إلى القسم الداخلي في هذه الدور، حيث تتوفر كل احتياجات الطفولة الصحية والتربوية والعلمية والروحية,,
هل هذا كل شيء عن إيجابيات ومنافع دور الحضانة؟,, لا ,, ولا أبداً سواء منافعها باتجاه الطفل كفرد ,, أو المجتمع باتجاه الضبط الاجتماعي والتنمية الاجتماعية، ان منافعها لا حصر لها, لنأخذ حالة الطفل الاستثنائي، سواء كانت هذه الاستثنائية إيجابية كحالة الطفل العبقرية، أو سلبية كحالة الطفل المتخلف عقليا,, أو حالة الطفل المعاق نفسيا أو بدنيا (جزئياً أو كلياً، بشكل مؤقت أو بشكل دائم),, أو، حتى حالة الطفل الاشكالي,.
أين الأسرة أوالمربية القادرة على رعاية هذا الطفل وتوجيهه وإعادة صياغة شخصيته بما يتفق مع خصوصية هذا المجتمع ومساره التنموي؟!.
ثم، عندما لا يكون الطفل في دور حضانة، كيف لنا أن نتأكد من أنه أخذ كل اللقاحات الخاصة بهذه المرحلة؟! ومن يضمن لنا بأنه يأخذ كفايته من الطعام (مقادير ونوعيات) وبأوقات منتظمة، وكذلك كفايته من الاحتياجات الأخرى التي تتزايد بشكل يوازي التغير الاجتماعي,, نعم، وألف نعم لدار حضانة، لصرح حضاري واجتماعي وتربوي يضاف إضافة ضرورية إلى معالم الرياض وإلى معالم كل مدينة من مدن المملكة، وبطراز معماري يضاهي بجماله وحجمه ومساحته ومضامينه وامكانياته المادية والعلمية الصروح الحضارية التي تزدان بها الرياض, ويمكن لهذا المشروع الوطني الرائد ان يكون الزاميا ومجانيا لكل طفل، فلا يمكن لإلزامية ومجانية التعليم الابتدائي وغيرها من أنواع التعليم ان تكلل بالنجاح المرجو إذا لم تكن مسبوقة بالزامية ومجانية التربية الحضانية,.
د, برهان مهلوبي أستاذ مساعد علم الاجتماع جامعة الملك سعود
|
|
|
|
|