| الثقافية
أوجد لنفسه حيزا على الساحة الثقافية والعلمية بوجه خاص فهو فلكي عشق الشمس والقمر والنجوم وترقب طلوعها بلهفة وشوق بين كل حين وآخر وشاعر تغنى بها وتوهج قلبه بحبها كتوهجها الجميل في الآفاق البعيدة.
في منزله بمدينة الخبر بالمنطقة الشرقية كان هذا الحوار مع الفلكي جبر صالح الدوسري.
حدثنا بشيء من الإيجاز عن علاقتك بعلم الفلك وعن مؤهلاتك العلمية في هذا المجال وعن حياتك بشكل عام.
أنا من مواليد مدينة الخبر بالمنطقة الشرقية وفيها نشأت ودرست, وقد حصلت على بكالوريوس علوم إدارة الأعمال من جامعة ينغستاون بولاية أوهايو ومن ثم حصلت على درجة الماجستير في إدارة الأعمال أيضاً من جامعة واشنطن بمدينة سياتل,
هذا وقد أحببت الفلك منذ سن مبكرة، وعشقت القمر، وكان لوالدتي الفضل الأكبر بعد الله في ترسيخ هذه الهواية لدي.
ولذلك فقد درست كتب الفلك المتخصصة بصورة مركزة واهتممت بصورة خاصة بالجانب الرياضي والتحليلي.
كما ان لي اهتمامات أدبية أخرى فأنا أجيد اللغتين الانجليزية والفارسية على المستوى الأدبي بالاضافة الى إجادتي للغتين الاندونيسية والفلبينية .
قبل ان يتطور علم الفلك في العصر الحديث كان هناك شعراء عرب فلكيون نبغوا في علم الفلك، ونظموا فيه قصائد مطولة قد يتجاوز بعضها ألف بيت من أمثال البحار العربي الكبير احمد بن ماجد والشاعر النجدي الكبير راشد الخلاوي الذي عاش في أوائل القرن الحادي عشر الهجري والشاعر النجدي الكبير محمد بن عبدالله القاضي الذي ظهر في القرن الثالث عشر الهجري وغيرهم, فهل استطاع الدوسري الاستفادة من هؤلاء الشعراء في دراساته الفلكية؟
لا استطيع القول ان هناك استفادة من هؤلاء في هذا المجال، ولكني كما قلت قد اهتممت بعلم الفلك في سن مبكرة من حياتي، ومن الظواهر الفلكية التي اهتممت بها أكثر من غيرها هي منازل القمر، ومواقع النجوم، وأبعادها والغروب والشروق، والخسوف والكسوف,, إلخ, واستخدمت عمليات حسابية خاصة بذلك بالإضافة الى استخدام آلة قابلة للبرمجة.
فأنا أحب علم الرياضيات منذ الصغر ومعروف ان الجانب الحسابي لا غنى عنه للفلكيين ومن يبحثون في هذا المجال.
كما لاحظت منذ طفولتي أن والدتي وهي من أهل الخبر كانت كثيرا ما تهتم بمراقبة السماء وتحري رؤية الهلال في أول كل شهر الى جانب مراقبتها للغيوم والسحب والنجوم في السماء وملاحظتها للجهات التي تهب منها الرياح وتوقعها مسبقا بهطول الأمطار بمجرد أن ترى السحب في الجو.
فالأوائل من الناس كانت لديهم ثقافة فلكية أكبر بكثير مما هو موجود من أمثالهم من الناس الحاليين.
كما ان من اهتماماتي المبكرة في علم الفلك استماعي لبرنامج خاص بالفلك كانت تبثه إذاعة البحرين منذ ما يقارب ثلاثين عاما وكان يقدمه رجل فارس سباق جوكي اسمه حسن الرويعي وهو شاعر حسن الصوت جيد الإلقاء وكان يلقي من خلاله هذا الرجل أشعارا في الفلك لراشد الخلاوي ولغيره من الشعراء الذين تحدثوا بأشعارهم عن الفلك.
زاويتك اليومية مشارق التي تكتبها بشكل يومي في جريدة اليوم زاوية عكفت على كتابتها سنين طويلة، فما مدى تفاعل القراء عموما مع هذه الزاوية؟
هناك تفاعل ملحوظ من قبل القراء المتابعين لمشارق من كلا الجنسين خاصة عندما يكون هناك ظواهر فلكية كظهور المذنبات.
ما دمنا بصدد الحديث عن المذنبات يحضرني هنا بالمناسبة بيت شعر من قصيدة طويلة للشاعر العربي أبي تمام كان قد قالها منذ ما يزيد على ألف عام ألا وهو:
وخوّفوا الناس من دهياء مظلمةٍ إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنبِ |
وأبو تمام في هذا البيت يقصد مذنب هالي الذي كان آخر ظهور له في عام 1986م, فلماذا يقال ان هالي هو مكتشف هذا المذنب على الرغم من أن العرب قد سبقته الى هذا الاكتشاف بدليل بيت أبي تمام سالف الذكر؟
الحقيقة أن العرب قد سبقوا كثيرا من الأمم في علم الفلك وبيت أبي تمام دليل واحد ضمن أدلة كثيرة معروفة لدى كثير من الناس.
اما العالم الأوروبي هالي فقد حسب دورة هذا المذنب لحوالي 76 سنة.
وبالنسبة لبيت ابي تمام سالف الذكر فإنه قد قاله ضمن قصيدة طويلة يمدح بها الخليفة المعتصم عندما فتح عمورية وقد وافق وقت هذا الفتح ظهور مذنب هالي في تلك الفترة من الزمن وكانت الأمم غير العرب يتشاءمون كثيرا بظهور المذنبات لاعتقادهم بأنه يعقب ظهورها حدوث كوارث وأوبئة او ما شابه ذلك على العكس من العرب الذين وإن كانت لديهم نزعة تشاؤمية إلا انهم أقل من غيرهم في ذلك.
والغريب ان هذه النزعة التشاؤمية مازالت موجودة حتى الآن في المجتمعات المتقدمة وكان آخرها قبل سنتين تقريبا حين ظهر المذنب المعروف باسم هيل بوب حيث ربطوا ظهوره بحدوث كوارث كونية مما أدى ببعضهم الى الانتحار.
البعض يتهم الفلكيين بالتنجيم خاصة من قبل أولئك الناس الذين تستهويهم فكرة قراءة الأبراج أو الحظ وما يتعلق بذلك من السعد والنحس وغيرهما, فبم ترد على ذلك؟
علم الفلك ياعزيزي لا علاقة له بالتنجيم,, علم الفلك هو رصد ومراقبة وحساب وتفكر في خلق الله وفي هذا الكون الفسيح الذي خلقه الله.
وليس هناك فلكي واحد يعتقد بممارسات المنجمين الذين تقتصر صلتهم بعلم الفلك بمجموعات البروج التي تنزلها الشمس، وهي البروج الاثنا عشر المعروفة، وهذه البروج هي تشكيلات من النجوم تخيلها القدامى من الناس في أشكال وهيئات الحيوانات او الأشجار نظرا لأن البيئة التي كانوا يعيشون فيها بيئة زراعية خاصة في حضارة بلاد ما بين النهرين ولذلك فقد سموا البروج تبعا لذلك من واقع بيئتهم التي كانوا يعيشون فيها مثل (العقرب، الدلو، الأسد، الثور، الجدي,,, إلخ).
إذن البرج بالنسبة للفلكي هو مكان لنجمة معينة فالدبران مثلا في برج الثور اما بالنسبة للمنجم فهو تكهنات وخرافات باطلة تتكهن بمصائر الناس عن طريق الظواهر الفلكية كأن يقول أحدهم لمن هو من مواليد برج العقرب إذا نزل فيه القمر لا تسافر يافلان فإنك إذا سافرت سيحدث كذا وكذا مما لا تحمد عقباه.
هذا مع العلم أن الشمس قد تراجعت خلال الألفي سنة الماضية الى الوراء برجا واحدا نتيجة لتغير موقعها 50 ثانية من الدرجة في كل عام وتبعا لذلك وعلى المدى البعيد يتراكم هذا القدر الضئيل من الدرجات ليصبح درجة واحدة كل 76 سنة, ولذلك فإنه قبل ألفي سنة كانت بداية فصل الربيع تتفق مع وجود الشمس في برج الحمل اما الآن فيبدأ فصل الربيع والشمس في برج الحوت.
وبناء على كل ما تقدم ذكره فإن المنجمين قد لا يعرفون بتاتا عن هذه الظاهرة شيئا لكون مواقع الشمس من البروج واحدة عندهم لا تتغير أبدا منذ ان عرف التنجيم لدى الأمم السابقة لآلاف السنين وهم العكس من الفلكيين الذين يعرفون هذه الحقيقة إذ ان مواقع الشمس في البروج تتغير على المدى البعيد وليست ثابتة.
لماذا اختفى الحديث عن الظواهر الفلكية والسماء والنجوم في كتابات الشعراء لدينا في العصر الحديث على عكس ما كان عند الشعراء القدامى؟
علم الفلك سابقا علم شامل لدى العرب كلهم يعرفونه ويهتمون به ربما لكون بيئتهم صحراوية او ريفية او زراعية فهم يراقبون طلوع النجوم لمواسم البذر او الحصاد او سقيا المزروعات وغيرها.
ولذلك فقد ظهرت أسماء الكثير من النجوم في اشعارهم, أما الآن فاعتقد ان البيئة الحضارية والتطور التكنولوجي في العصر الحديث قد افقد علم الفلك بعضا من أهميته بطبيعة ما وصلت اليه المجتمعات من رقي في مستوى معيشتها واستغناء الكثير منا عن حياة الريف او الصحراء ولذلك نجد قلة ظهور اسماء النجوم او الحديث عن الظواهر الفلكية في كتابات شعراء العصر الحديث.
تفاجأ الكثيرون وأنا واحد منهم بموهبتك الشعرية القديرة وذلك من خلال الأمسية الشعرية التي استضافك بها نادي الدمام الأدبي العام الماضي, فهل وجدت هذه الموهبة لديك مبكرا أم أنها محاولة طارئة حاولت من خلالها التنفس خارج روتين علم الفلك؟
لا ليست محاولة طارئة فالأدب عندي في المقام الأول والاهتمامات الأدبية موجودة لدي مبكرا, أما علم الفلك فهو ضمن الهوايات التي اهتممت بها منذ الصغر.
لقد كانت قصتي مع الشعر منذ فترة مبكرة جدا حيث سمعت ذات مرة إحدى العرضات وكان عمري آنذاك حوالي 7 سنوات ففكرت فيما سمعته، وعندما عدت للبيت حاولت ان أقلد ذلك الشعر وان اغنيه بصوت عال إلا ان والدتي قد نهرتني ولم تشجعني على البداية.
ثم بعد ذلك كتبت قصيدة عربية فصيحة أيام دراستي الابتدائية فنبهني المدرس الى وجود أخطاء نحوية في قصيدتي حيث اضطررت الى الانكباب على قراءة كتب النحو العربي حتى أجدته إجادة بالغة, ومن ثم انطلقت الى قراءة كتب اللغة والأدب فبدأت مع الشعر ومازلت.
|
|
|
|
|