| الاخيــرة
* ما برح بابُ الجدل والجدل المضاد مفتوحاً على مصراعيه حول قضية القبول في الجامعات، ويتفاقم الأمر,, عاماً إثر عام، نتيجة تنامي أعداد الخريجين والخريجات من قطاع الثانوية العامة، وفي مثل هذه الأيام، تستعر حمّى الشفاعات والضغوط، الظاهر منها والمستَتر، على مديري الجامعات وعمداء التسجيل والقبول بها, وتتصاعد آهات الاحباط في مئات البيوت بسبب تعثّر قبول فتى أو فتاة في هذه الجامعة أو تلك!
* *
* ويبدو، لأول وهلة، أن هذه المحنة الموسمية تتّكئُ في الأصل إلى مفهوم سائد بأن كل شاب ( أو شابة) تجاوز بوابة الثانوية العامة لابد أن يجد له (أو لها) موطئ قدم في الجامعة، بعيداً عن كل الاعتبارات، وأهمها ما اذا كان أيٌّ منهما مؤهلاً لخوض التجربة الجامعية، ذهناً ولغة واستعداداًا!
* *
* امام هذا الخلل البارز في معادلة العرض والطلب للتعليم الجامعي، تبرز محنةٌ من نوع آخر للجامعات، تتمثّل في عدم قدرتها على توسيع قاعدة القبول بها إمّا بسبب نقص الإمكانات المالية والمكانية المتاحة لها، أو بسبب اعتبارات فنية وعملية تمليها آليّةُ التعليم الجامعي نفسه، ونحو ذلك.
* *
* هنا ,, تبرز الحاجة الملحة لطرح خيارات وبدائل جادة لخريج الثانوية العامة كيلا يبقى أسيرَ الحرمان من فرص التعليم الذي يؤهّله لخوض مسارات الحياة، من بين تلك الخيارات:
أولا: إعادة (تأهيل) برامج التعليم العام في المرحلة الثانوية بحيث يمكن أن يكتسبَ الخريجُ منها مهاراتٍ فنيةً وعمليةً تحرّره مستقبلا من أسر الرغبة الأحادية التي تبدأ وتنتهي ب (الجامعة),, ومن ثم، يستطيع بمؤهّل الثانوية العامة بدءَ مشوار الحياة العملية من زاوية ما، اذا كان لا يملك التأهيل اللازم لدخول المرحلة الجامعية.
ثانيا: التوسع في برامج التعليم الفني والتقني، كمّاً وكيفاً، على نحوٍ يمكِّن هذا القطاعَ من استيعاب أعداد أكبر من الراغبين فيه، ويتمنّى المتحمّسون لهذا القطاع، وأنا منهم، أن يتوفر لهذا النوع من التعليم شرطان أساسيان:
أ أن تكون مدخلاتُه من البرامج مواكبةً لاحتياجات السوق الوظيفي.
ب أن يكونَ مستوى التقنية في هذه البرامج متّفقاً مع أحدث ما انتهى إليه الإنسانُ الحديث.
ثالثا: هناك خيار ثالث يطرح بين الحين والآخر لتخفيف عناء القبول في الجامعات وهو إعادةُ فتح باب الابتعاث إلى الخارج، لما دون درجتي الماجستير والدكتوراه، وهو خيار يتحمّسُ له كثيرون إلى درجة النسيان او التهميش للسلبيات التي ترتبت على ممارسته في الماضي.
ولذا، لن أتردّدَ في الجهر بالرفض لهذا الخيار ما لم يقترن بعدد من الشروط والضوابط التالية، تجنباً لسلبياته وعشوائيته.
من بين تلك الضوابط ما يلي:
1 أن يقتصر الابتعاث إلى الخارج لما دون (الماجستير والدكتوراه) على ذوي القدرات غير العادية والتحصيل التراكمي المتميز.
2 أن يكون الابتعاثُ لتخصّصات تفتقرُ إليها قطاعاتُ التنمية افتقاراً خاصاً، ولا أملكُ طرحَ أدلّة على ذلك، لأن الأمرَ يتوقّف على إجراء مسحٍ ميدانيّ دقيق لتقدير وتقرير هُوية وكمّ ذلك الاحتياج.
3 ان يجتاز المرشح للابتعاث بنجاح دورةً تحضيريةً مكثّفةً لا تقلّ مدتُها عن عام دراسي واحد تُطرحُ خلالها دروسٌ في اللغة الإنجليزية والرياضيات والحاسب الآلي، باعتبار أن التحصيلَ في فروع المعرفة الثلاثة المشار إليها بات أمراً ملحاً لطالب الدراسة الجامعية.
* *
وبعد,, أود أن أودّعَ القارئ الكريم بملاحظة هامة جداً، وهي أن (دخول الجامعة) لا يجب أن يكون الخيارَ الأوحدَ لخريج الثانوية العامة لأسباب عديدة لا تخفى على فطنة أُولي الألباب، أهمّها ان طاقةَ أيّ جامعة في استيعاب خريجي الثانوية العامة لابد أن تخضعَ لسقفٍ معيّن تكيّفه الاعتباراتُ الأكاديمية والمكانيةُ والفنيةُ اللازمة للتعليم الجامعي السويّ، كي تحافظ الجامعةُ على سلامة الكيف في أدائها، وكي تكون مخرجاتُها ملائمةً للغاية المنشودةِ من وجودها!
|
|
|
|
|