|
| مقـالات
تدل الآثار والسجلات التاريخية على أن مدينة بولونيا قد نشأت قبل قرنين من مولد عيسى، عليه السلام، وكان اسمها فلسينا, وعندما أصبحت تحت حكم الرومان في القرن الخامس الميلادي أصبح اسمها بولونيا, وقد ازدهرت وتطورت تحت ذلك الحكم، ثم بلغت ذروة مجدها في القرن الثالث عشر، على أنها فقدت استقلالها التام في القرن الذي تلاه نتيجة للصراع الداخلي بين زعمائها من جهة وصراعها مع المناطق المجاورة لها من جهة أخرى, ومن القرن الخامس عشر إلى الثامن عشر أصبحت تحت نفوذ البابوية، على أنها أصبحت جزءاً من دولة ايطاليا الحديثة منذ عام 1859م, وتعود أهميتها الاقتصادية إلى القرن الحادي عشر حين أصبحت من أهم المراكز الأوروبية لا لوجود الجامعة فيها فحسب، بل لتطور صناعة النسيج فيها أيضاً, وما تزال مشهورة بانتاج الملابس الحريرية.
ومع أنها عانت كثيراً من القصف المدمر في الحرب العالمية الثانية فإن كثيراً من معالمها الحضارية ما تزال قائمة يتمتع برؤيتها سكانها، الذين يبلغ عددهم نصف مليون، والقادمون إليها لأغراض متعددة,.
ومتى نشأت جامعة بولونيا، التي هي أقدم جامعة في أوروبا؟
تُعرّف الجامعة تاريخياً في أوروبا بأنها المكان الذي يتتبع فيه العالم الخطوط العريضة للمعرفة، وينقل فيه معرفته إلى تلاميذه الذين يتلقون العلم عنه بحرية عن سلطة الكنيسة أو الدولة، ويتجه إليه المجتمع للاستفادة مما توصل إليه الباحثون فيه من نتائج تفيدهم عملياً, وإذا أخذ بهذا التعريف فإن جامعة بولونيا قد نشأت في القرن الحادي عشر الميلادي, وربما كان عام 1088م أقرب الأعوام صحة لتاريخ نشأتها، وعند نهاية ذلك القرن بدأ أساتذة القواعد والبلاغة والمنطق في تلك الجامعة يدرّسون القانون؛ بداية بالقانون الروماني، وكان القانون في طليعة العلوم المدروسة فيها خلال القرن الثاني عشر.
وفي منتصف ذلك القرن دعا الامبراطور فريدري باربروسا أربعة من أساتذة القانون لأخذ رأيهم في الحقوق الواجبة للامبراطورية, فأفتى ثلاثة منهم بشرعيتها، وبذلك أصبح القانون الروماني المعمول به هو القانون الشرعي الوحيد في البلاد, ونتيجة لموقف أولئك الأساتذة أصدر الامبراطور نظاماً تنشأ بموجبه جمعيات طلابية يرأس كلاً منها أستاذ تُدفع إليه مبالغ مالية من الطلاب أنفسهم، ووعد الامبراطور أن يحمي كل الباحثين من تدخل أي سلطة سياسية, وكان هذا خطوة مهمة في تاريخ الجامعات الأوروبية، إذ أصبحت الجامعة وفق القانون مكاناً يتم فيه اجراء البحوث بحريّة، لكن ذلك الامبراطور من ناحية أخرى أصدر قراراً يكافأ بموجبه أولئك الأساتذة الذين يؤيدونه فقط، وبهذا واجه الأساتذة، بصفة عامة، مشكلة صعبة من حيث علاقة الجامعة بالسلطة السياسية.
أما القرن الثالث عشر الميلادي فكان من أهم ما ظهر فيه نشوء جمعيات مؤسسة وفق انتماء كل واحدة منها، فكانت هناك جمعية البولونيين، وجمعيات الايطاليين من خارج بولونيا، اضافة إلى جمعيات خاصة بالقادمين من أقطار أوروبية أخرى, وبالاضافة إلى ذلك شهد ذلك القرن ظهور الكليات المختلفة، وفي القرن الرابع عشر لم تعد كلية القانون وحدها الكلية التي تحتل المكانة الأولى في الجامعة، وانما نافستها كليات أخرى كالطب، والفلسفة، والهندسة، والفلك، والمنطق، والبلاغة، وقواعد اللغة, وفي ذلك العهد درس أناس مشهورون، مثل الشاعر دانتي، في جامعة بولونيا.
وواصلت جامعة بولونيا مسيرتها، توسعاً في المواد المدرّسة فيها، وتطويراً لطرق تدريسها، وفي القرن السادس عشر أصبحت تعتمد على حكومة البابا، ثم صارت مؤسسة حكومية، وتقدمت دراسات الطب، والرياضيات، والعلوم بصفة عامة, وكان للثورة الصناعية في القرن الثامن عشر الميلادي أثرها العلمي والتقني على جامعة بولونيا، إذ كان أحد أساتذة هذه الجامعة واحداً من مؤسسي التقنية الكهربائية الحديثة، وفي القرن التاسع عشر بدأ تدريس الهندسة التطبيقية فيها.
وقرب نهاية هذا القرن بدأ ماركوني اجراء تجاربه في ميدان الاتصالات اللاسلكية على بضعة أميال من مدينة بولونيا, ومع انه لم يكن يعمل في جامعتها إلا أنه عُيّن، سنة 1902م، عضواً في المجلس العلمي لكلية الهندسة التطبيقية فيها؛ تقديراً لما توصل إليه من ابتكار وريادة.
ولقد عبّر مدير جامعة بولونيا، الدكتور فابيو ريفرس موناكو، في كلمته المنشورة بمناسبة احتفالها المئوي التاسع عن افتخاره بها وبما حققته عبر القرون من تطوّر ومساهمة في المسيرة العلمية العالمية، وكان مما قاله:
إن هذا الاحتفال حدث تفتخر به جامعة بولونيا اعتزازاً بما حققته من نجاح علمي عبر القرون، وما أداه هذا النجاح من دور ايجابي فعال بالنسبة للحضارة الأوروبية .
|
|
|
|
|
