| مقـالات
دراسة البنى لخطابات الأمير عبدالله بن عبدالعزيز التي ألقاها في الأمم المتحدة والبرازيل ومؤتمر قمة أوبك تبرز لنا محورين أساسيين لهما بليغ الأثر في المعاني التي حملتها تلك الخطابات, والوقوف عند مستوى مفردات الخطاب الظاهرة يجعلنا نركز الاهتمام على ذينك المحورين على أساس أنهما بعدان: بعد ديني وآخر قيمي, فالبعد الديني تمثل في المباني التالية:
الاستهلال بالبسملة بسم الله الرحمن الرحيم .
التحية بتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
التوجه إلى الله بالدعاء وتقديس قدرته في الإجابة داعيا الله جلت قدرته .
سلامة المعتقد في الخطاب ,, تبقى أمل البشرية الأكبر بعد الله جل جلاله,, .
التأكيد على قدسية الحرم القدسي الشريف.
تسمية الأمور بمسمياتها الطبيعية ,, إن حقوق الإنسان كما نفهمها نحن المسلمين هي هبة من الخالق,, .
ربط السلام بالإسلام من خلال قوله :إن السلام كان ولا يزال هدفا ومطلبا استراتيجيا للدول العربية والإسلامية,, .
الاستدلال الصحيح والموفق من خلال الآية الكريمة إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
هذا فيما يتعلق بالبعد الديني في بناء الخطاب السياسي للأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود, وبسبر أغوار تلك المباني من خلال الإيغال في دلالاتها المعنوية تجد ان هذه التعبيرات والمباني قد ضمنت في بنية الرسالة تضمينا طبيعيا غير متكلف، ولا متصنع مما يدل دلالة أكثر من واضحة على هوية الرجل الدينية والثقافية وخالص انتمائه لما يؤمن به من قيم دينية.
هذا البعد، لم يأت اعتباطا كما أنه لم يكن موظفا دلاليا لأغراض سياسية بقدر ما كان تعبيرا نزيها وطبيعيا عن ذات الرجل وتلقائيته المرتكزة على تربية إسلامية نقية وخلفية شرعية سليمة.
والأمر ليس فيه الكثير من الغرابة عندما ننظر له في سياقيه المكاني والزماني المستقلين، ولكننا عندما نعيد النظر إليه في سياق أكثر شمولا نجد أنه بالمقارنة مع غيره من الخطابات السياسية المشابهة يبدو فريدا ومتميزا وغريبا, فالساسة الذين ينتمون إلى الإسلام، يستنكف الكثير منهم أن يتضمن خطابه مثل هذه المعاني، ومتى وجدت فعلينا أن نربطها بسياقات حدثية معينة أريد لها أن تعكس من خلال محتوى الخطاب.
وقراءتنا الدلالية لمثل تلك المباني التي تضمنها خطاب ولي العهد السعودي يمكن تلخيصها في عدة نقاط هي:
1 اعتزاز بالدين وإيمان صادق مخلص بالله عز وجل, وهذا يجعل صاحب الخطاب يركز على معتقداته الدينية وقيمه الاجتماعية بغض النظر عن طبيعة المتلقي وما إذا كان مؤمنا بنفس المعتقدات أم لا.
2 حرص شديد على ربط الخطاب السياسي السعودي بمقومات الفكر الإسلامي الأصيل الذي يؤطر الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية السعودية.
3 العمل، وقد أتيحت الفرصة، على تذكير العالم بأن القدس الشريف مكان عبادة لا يخص العرب وحدهم بل هو حق لكل مسلم على وجه الأرض، وبالتالي فالقضية عندما تتعلق بالقدس يجب ان يكون لها انعكاسات دولية على مستوى أكثر من مليار مسلم.
4 ربط الإسلام بالسلام في وقت حمل فيه الإسلام أخطاء نفر من المسلمين، ولعل الأمير عبدالله قد أراد بذلك إيضاح حقيقة لدولة مثل البرازيل مؤداها أن الإسلام دين تسامح، وسلام، وليس عنف وإرهاب.
5 قلب الطاولة على الذين يُنظِّرون لحقوق الإنسان ويسعون إلى تسويق أنفسهم من خلالها، معتبرا ان حقوق الإنسان هبة من الخالق، وليس عطية من دولة أو ثقافة أو حضارة,أما فيما يتعلق بالمحور القيمي في خطابات الأمير عبدالله، فقد اتضح من خلال مبان عدة تركزت حول الآخر، هذا الآخر قد يكون اقليميا، أو عربيا، أو إسلاميا، أو دوليا، أو إنسانيا، ويكفي للاستدلال سرد المعاني التالية:
1 الأمة الإسلامية وحضارتها.
2 القضايا المصيرية وبخاصة قضية فلسطين.
3 الفقر في العالم.
4 الأمية في العالم.
5 البطالة في العالم.
6 حقوق الإنسان.
7 حقوق الحضارات في احترام خصوصياتها.
8 الشعب العراقي ومعاناته من جراء الحصار.
9 سلامة أراضي دولة العراق الشقيقة.
10 السلام والشرق الأوسط.
11 حقوق الدول المصدرة للبترول من خارج أوبك.
12 حقوق الدول المستهلكة للنفط.
13 التفكير في الرأي العام العالمي في الدول الصناعية.
عندما تزخر خطابات سموه بهذه المعاني القيمية الرائعة، فإننا بذلك ندرك حقيقة مهمة وهي أن الأمير عبدالله بن عبدالعزيز لا ينظر لنفسه أو بلده بمعزل عن العالم من حوله، بل يعتبر المملكة عنصرا مؤثرا ومتأثرا بما يجري من حولها، وهو بذلك يتخلى عن أنانية الساسة في الحديث عن قاضاياهم بمعزل عن هموم الآخرين, وقد ذكر سموه ما نصه:
إننا جزء من هذا العالم نشاركه اهتمامه وحرصه على سلامة البيئة ونمو الاقتصاد العالمي لخير الإنسانية .
إن الطرح الديني والقيمي في خطاب المملكة السياسي، والذي ألقاه الأمير عبدالله في كل من الأمم المتحدة والبرازيل والأرجنتين وقمة أوبك، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك إدراك المملكة لمكانتها راعية لأقدس بقعتين على وجه الأرض، وبالتالي فإنها عندما تدمغ السياسة بطابع قيمي فهي بذلك تمارس دورها السياسي والثقافي والريادي ليس لمواطنيها فحسب، وإنما مستشعرة لا نائبة هموم وقضايا اقليمها وعالمها العربي، وأمتها الإسلامية، والبشرية عامة.
الفرق بين استشعارها لكل تلك القضايا واستلهامها لمقوماتها الدينية الصحيحة، هو أن الخطاب لم يصغ على انه : منا نيابة عن الآخرين، وإنما صيغ على انه : منا لخدمة الآخرين, ولذلك جاءت تلك القضايا منسجمة، طبيعية نابضة بخصائص المتحدث ومعبرة عن توجهه كممثل لوطن قدره ان يكون قبلة للمسلمين والبشرية.
فالمملكة لم تعد قبلة العالم الدينية فحسب، بل هي الآن قبلتهم الاقتصادية أيضا, ولمن يعلم أو لا يعلم فإن المملكة هي الرقم الأساسي والصعب في سوق البترول، وهي إذا ما تعقدت الأمور صاحبة الكلمة الأخيرة، ولا ينكر ذلك إلا متجاهل, وإدراكا من المملكة لهذه المسؤولية، وجدنا خطاب الأمير عبدالله يهتم بجوعى العالم، والبيئة والتوعية، ويؤكد على ان تدني الأسعار أمر لا تقبله المملكة لا لها ولا لغيرها من الدول المنتجة، كما أنها لا تقبل بارتفاع حاد في الأسعار يؤثر على نمو الاقتصاد العالمي، وهذا هو ما أكد عليه الأمير عبدالله في خطابه أمام الأوبك,, وهذا هو دور الدول الرائدة التي تستشعر عظيم مسؤولياتها.
إذاً فالتحليل الدلالي لخطاب الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، ليس محيرا لأولئك الذين يفهمون خلفية الرجل الدينية، ويتعاطون مع سياسة المملكة القيمية، ولكنه في الوقت نفسه سيكون مستعصيا على الفهم بالنسبة للذين يحاولون تحجيم الآخرين ويمارسون نوعا من الاستعلاء الثقافي.
واشنطن
|
|
|
|
|