| عزيزتـي الجزيرة
اطلعت على الحوار الذي اجراه الاخ سلمان العُمري مع فضيلة الدكتور عبدالرحمن السديس حول العمل الدعوي خارج المملكة في صحيفة الجزيرة ، عددها 10228 الصادر في يوم الجمعة 8 الثاني من رجب 1421ه /29سبتمبر2000م والذي تكلم فيه فضيلته عن مسائل مهمة في معرض رده عن اسئلة اصاب الأخ العُمري في طرحها لاهمية الموضوع من جهة، ولاهمية المتكلم من جهة اخرى، من حيث انه امام وخطيب المسجد الحرام، هذا المسجد الذي تهوي اليه افئدة المسلمين, ذلك باني لا اشك في ان قضايا المسلمين في العالم العربي ستكون مادة من مواد خطبه التي تصغى اليها الآذان.
ولما كان هذا الموضوع بعمومه ذا علاقة وثيقة بمجال خبرتي، لاسيما واني قضيت ردحاً من الزمن يزيد على العقدين في امريكا الشمالية، فقد رأيت أن اساهم في رفد هذا الموضوع لاستكمال جوانب منه لم يتحدث عنها فضيلته باعتبار انه لم يُسأل عنها او انه اكتفى بالاشارة اليها، او لاعتبارات اخرى، وإلاّ أخاله أصّل فيها وفصّل, والله اعلم.
لقد تناول الحوار مسائل عديدة كان من الممكن ان يفرد لكل منها بحثاً متكاملاً, ومع هذا فقد أجاد وأفاد فجزاه الله خيراً.
وأول هذه المسائل تدور حول موقف المسلمين في العالم الغربي من المملكة, قال فضيلة الشيخ السديس : قد يكون هناك فهماً مغلوطاً عن بلاد الحرمين الشريفين واهلها, واقول ، تعقيباً لا استدراكاً، بل قد كان فعلاً هذا الفهم المغلوط، بيد انه لم يكن نتيجة مواقف معينة لحكومة المملكة, فإن موقفها من الاسلام والمسلمين في ديارهم او في بلاد الغرب موقف ثابت، مازال كما كان عليه منذ عهد الامامين المحمدين رحمهما الله حتى يومنا هذا في عهد خادم الحرمين الشريفين وهو موقف املته العقيده والاخوة في الدين.
ان السبب الرئيسي بظني هو خلوُّ ساحة الدعوة في امريكا الشمالية بخاصة والعالم الغربي بعامة، في مرحلة من المراحل من علماء اهل السنة والجماعة بسبب عزوفهم عن السفر الى العالم الغربي او ديار الكفر، بمعنى آخر, فأدى هذا الى انتشار دعاة الحركيّة بحرية بين المسلمين ونشر افكارهم الحاقدة دون مواجهة فعلية من اهل العلم في تلك الساحة.
ومع اقبال العلماء وطلبة العلم على السفر الى العالم الغربي، ومع تنوع البرامج الدعوية التي تعدها وتنفذها الجهات المسؤولة في حكومة خادم الحرمين الشريفين ايده الله، سوء كانت ممثلة بوزارة الشؤون الاسلامية، او جامعة الامام محمد بن سعود، او الجمعيات الخيرية في المملكة،من دورات شرعية، او جولات رمضانية، او في تنفيذ مشاريع عمرانية كبناء مساجد ومراكز اسلامية ومدارس او تزويدها بالمكتبات القيمة، مما تستوعب ميزانية ضخمة تنفقها حكومة خادم الحرمين الشريفين بسخاء نصرة للاسلام والمسلمين اقول، كل هذا جعل المسلمين في ديار الغرب يدركون اصالة موقف المملكة من الاسلام والمسلمين، وزيف اقوال الحاقدين، فلله الحمد والمنة.
واما المسألة الثانية فهي تدور حول تأهيل الدعاة للدعوة بين المسلمين في الغرب, ومن الواضح ان المقصود بهذا المسمى، ليس العرب وحدهم، وانما الاعاجم منهم بوجه اخص, فأضيف على ما قاله فضيلة الدكتور السديس حفظه الله انه الى جانب تأهيل الداعية بالعلم الشرعي، هناك جانب آخر وهو إلمام الداعية بمشاكل المسلمين الذين يعيشون في مجتمعات غربية، سواء الاجتماعية منها او الاقتصادية، او العوائق التي تعترضهم في تطبيق الشريعة في حياتهم اليومية؛ لان الداعية سيستفتى حول كثير من هذه المشاكل فلابد ان يدرك تفاصيل واقع الحياة في ذاك المجتمع حتى تكون فتواه موضوعية تتناول كل جوانب المسألة وليس لبعض جوانبها.
ومع هذا وذاك أي أهلية العلم الشرعي والالمام بواقع المجتمع الغربي لابد للداعية من تكلم الانجليزية بشكل يمكنه من نقل المعلومة الى المستمع العجمي بيسر, إذ قد ألِفَ الدعاة الوافدون الى ديار الغرب التحدث الى مدعويهم بالعربية معتمدين على نقل حديثهم الى الانجليزية على تراجم غير متخصصين لا لغة ولا شرعاً, لذا فهم ينقلون الى المستمع المعلومة التي تلقوها من الداعية بحسب فهمهم لهذه المعلومة.
وكذلك لابد من الأخذ بعين الاعتبار ان المخاطَبَ بلغته يجد من الاسهل عليه استيعاب الموضوع بأفكاره الرئيسة اذا تلقاه بلغته من المتكلم نفسه مما لو تلقاها بواسطة الترجمان, فكما هو معلوم عند ذوي الاختصاص في سيكولوجية الاستماع والإصغاء ان الفاصل الزمني بين فقرتين بلغتين مختلفتين يؤثر تأثيراً سلبياً على الاستيعاب الذهني للمستمع, اضف الى هذا شعور المستمع الاعجمي بعدم الرضا عن هذه الطريقة كما عبر الكثير منهم عن امتعاضهم منها .
ولهذا فإن ايلاء هذا الجانب ما يستحقه من الاهتمام واعطاء دورات باللغة الانجليزية للدعاة لاسيما في الاصطلاحات الشرعية سيكون لها بإذن الله آثار طيبة داخل المملكة وخارجها.
والحديث عن الاعاجم يجرنا بالضرورة الى الحديث عن الامريكان السود الذين لم يعطوا حقهم حتى الآن من الدعوة, وهذا موضوع لم يتطرق الية فضيلة الدكتور السديس, ولربما أدلى دلوه فيه لو سئل عنه.
ونظراً للفترة الطويلة التي قضيتها في امريكا الشمالية، فقد اطلعت على واقع حالهم, وادركت ان مستقبل الدعوة في امريكا يعتمد بعد الله على الدعاة من بني جلدتهم لاعتبارات عديدة تطول الافاضة فيها في هذا المقام.
ولقد حرصت منذ توليت رئاسة جمعية القرآن والسنة في امريكا الشمالية على شمول الامريكان السود ضمن برامج الجمعية الدعوية.
وكان هذا التوجه الاول من نوعه فكان لهم حظ وافر في مؤتمر الجمعية السنوي لا مجرد دعوتهم بل في مشاركتهم الفعلية في اختيار المواضيع والمحاضرين مما يشعرهم بان المؤتمر مؤتمرهم, فيمضي برنامج المؤتمر على مسارين متوازيين واحد لهم وآخر للعرب.
ولقد ساعد هذا بفضل الله ومنته على نشر الدعوة السلفية, واليوم لاتخلو مدينة رئيسة من مدن امريكا الا وفيها تجمع او أكثر بغض النظر عن حجمه, ومن القائمين على هذه التجمعات قادة وائمة درس كثير منهم في جامعات المملكة والشكر لله اولاً ثم لحكومة خادم الحرمين وتخرجوا منها.
وعلى الرغم من الضغوط القوية التي يواجهونها، وضعف مواردهم، الا إنهم يصرون على المحافظة على هويتهم التي تميزهم عن التجمعات الكبيرة التي تدعي انتماءها للاسلام كجماعة وارث محمد ولويس فرخان، على الرغم من هذا، الا انهم يجمعون الدولارات القليلة لدفع ايجار مركز تجمعهم او شرائه, واذكر اني دعيت في العام الماضي الى احد هذه التجمعات في مدينة في نيويورك، اتخذت مركزاً لها مستودعاً كبيراً في منطقة صناعية حولوه الى قاعة محاضرات ومصلى يتباهون به كما لو كان قصراً منيفاً.
ثم ان رغبتهم في طلب العلم ملفتة للنظر, واذكر اني اعطيت دورة مكثفة في العقيدة من كتاب أعددته باللغة الانجليزية لهذا الغرض بعنوان منهج المسلم في العقيدة والفقه في مدن مختلفة في امريكا،وكان المشاركون من الذكور والاناث منهم من كان يقطع مسافة تزيد عن الساعة في السيارة طوال ايام الدورة لحضورها.
واثر عودتي من الدورة الاولى رفعت تقريراً مفصلاً عن هذه الدورة الى معالي وزير الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد وذكرت فيه حرص الامريكان السود على ايجاد قنوات اتصال بينهم وبين الجهات المسؤولة في المملكة فأبدى جزاه الله خيراً اهتماماً ووافق مشكوراً على دعوة عدد من المسئولين منهم لتأدية فريضة الحج مما سيكون له اثر بالغ في نفوسهم.
ولا اغفل هنا موقف مؤسسة الحرمين متمثلة برئيسها فضيلة الشيخ عقيل العقيل وقد عبر عن اهتمامه بالمسلمين السود بدعم مالي رغم ان مناشط المؤسسة في انحاء العالم تستوعب ميزانيتها فجزاه الله خيراً.
واني على ثقة بأن لفتة كريمة من صاحب السمو الملكي الامير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز، وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء ورئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء سيكون لها في نفوس اخواننا المسلمين السود اثر فعال يساهم في ترشيد مسارهم في اطر العلم والعمل وذلك في ادراجهم ضمن برامج الدورات السنوية, فهو اهل لذلك وهم كذلك, فجزاه الله خيراً عن الاسلام والمسلمين، وسدد خطاه.
محمود بن رضا مراد رئيس جمعية القرآن والسنة (سابقاً) ورئيس جمعية الثقافة الاسلامية العالمية attabari@hotmail.com
|
|
|
|
|