| مقـالات
1
لقد دُوّنت كتابات كثيرة عن تاريخ المملكة العربية السعودية، سواء قبل اتخاذها هذا الاسم أو بعد اتخاذها إيّاه, ومن هذه الكتابات ما تناولت تاريخ الدولة السعودية العام مركِّزة على أعمال قادتها، ومنها ما تناولت موضوعاً خاصاً من ذلك التاريخ، أو تاريخ منطقة من المناطق التي وحدتها تلك الدولة، أو تاريخ قبيلة من القبائل التي دخلت تحت حكمها, ويأتي الكتاب الذي تتحدّث عنه هذه القراءة في إطار النقطة الأخيرة مما سبق ذكره, وهو تاريخ لقبيلة من قبائل وطننا الكريمة التي لها ما لها من دور ومكانة, والتي اشتهرت بالشجاعة وقوة الشكيمة, وكان رئيسها الفارس الشاعر، راكان بن حثلين، قد بلغ أوج شهرته في العقدين الأخيرين من القرن الثالث عشر الهجري، وبلغ من إعجاب بعض الناس بفروسيته وشاعريته أن أعداداً من حاضرة الوطن بدأوا في الثلاثين سنة الماضية يسمّون أبناءهم باسمه.
صدر الكتاب عن ذات السلاسل في الكويت عام 1419ه, ويتكوّن من 184 صفحة، مشتملاً على مقدمة قصيرة، وأربعة فصول مختلفة الطول، وملاحق، وقائمة بالمصادر والمراجع, وقد وضع على غلاف الكتاب ما يفيد بأنه تأليف كل من الدكتور سلطان بن خالد بن حثلين الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الاسلامية والعربية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، والدكتور زكريا كورشون الأستاذ المشارك في التاريخ الحديث بجامعة مرمرة, غير أنه قد ورد في مقدمة الكتاب ما يضع علامة استفهام حول كون الدكتور كورشون مشاركاً في تأليفه, فقد ورد (ص 11):
وقد كان لجهود الدكتور التركي زكريا كورشون وبعض مساعديه دور كبير في استخراج العديد من الوثائق استفدنا منها في هذه الدراسة .
وورد (ص 10):
ويأتي ضمن الأسباب التي حفزت الباحث على القيام بهذه الدراسة التساؤلات العديدة التي أثيرت حول أسر الأمير راكان بن فلاح بن حثلين .
كما ورد (ص 11):
استفاد الباحث من مسودة الشيخ عبدالله بن فهد الدامر .
وختمت المقدمة بذكر اسم الدكتور سلطان بن حثلين وحده,
فهل كان الدكتور كورشون أحد مؤلفي الكتاب كما يفيد الغلاف أو كان دوره استخراج الوثائق التي استفيد منها في الدراسة من الأرشيف العثماني فقط، وأن المؤلف هو الدكتور سلطان بمفرده؟ ومن المعلوم لدى الكثيرين أن الدكتور سلطان من أسرة كريمة هي في طليعة قادة قبيلة العجمان.
وإذا كان لكل تأليف اهداف معينة فقد ذكرت ثلاثة أهداف لتأليف الكتاب الذي تتناوله هذه القراءة, أولها دفع الافتراءات والتهم التي كتبها بعض المؤرخين عن العجمان, وثانيها ما قيل من أن المصادر الحديثة (ومن الواضح أن المراد الدراسات الحديثة) اعتمدت في كتابتها عن تاريخ قبيلة العجمان على هذه المصادر، أي التواريخ التي اوردت الافتراءات والتهم كما يصفها من قال ذلك، ومن ثم أتى الكتاب المتناول هنا دراسة لإعادة كتابة تاريخ العجمان معتمدة على الوثائق التاريخية والمصادر المختلفة والرواة الثقات بهدف إبراز الحقيقة وتحري الموضوعية, وثالث الأهداف التساؤلات العديدة التي أثيرت حول أسر الأمير راكان بن فلاح بن حثلين,,, وتبين القصة الحقيقية لأسره .
وكان ممن وردت الإشادة في المقدمة بتعاونهم الدكتور عبدالله خلف العساف الأستاذ المساعد للغة العربية في كل من جامعة الملك فهد للبترول والمعادل وجامعة حلب، الذي قيل عنه بأنه: بذل جهداً كبيراً في المراجعة اللغوية للكتاب , ومن الواضح أن جهد الدكتور العساف لم يؤت الثمار المرجوة منه, ذلك أن الكتاب يشتمل على كثير من الأخطاء اللغوية: نحواً وأسلوباً، كما سيتضح من بعض العبارات التي سيرد شيء منها في هذه القراءة.
تناول الفصل الأول من الكتاب وهو مكوّن من عشر صفحات نسب قبيلة العجمان، وموقعهم الجغرافي، وصفاتهم, وفي اطار الحديث عن نسب القبيلة أوردت أسماء بطونها المتعددة، كما أشير إلى عدد من أسر الحاضرة المنتسبة إليها في بلدان نجد, ولعلّ ما يلفت النظر في هذا الجزء ورود كثير من الأسماء المنتهية بتاء تأنيث مربوطة بدون نقط، وورود بعض الأخطاء الإملائية الناشئة عن أخطاء نحوية، وبخاصة في الصفحة السابعة عشرة.
وفي الحديث عن موقع العجمان الجغرافي تُحدِّث في الكتاب عن سكنهم في نجران، ثم انتقالهم إلى نجد، فالأحساء, وفي ثنايا الكلام عن انتقالهم إلى نجد ما يحتاج إلى إعادة نظر، تعبيراً وتدقيقاً, فقد قيل (ص 21):
إن نزوح قبيلة العجمان (إلى نجد) على أرجح الأقوال في نهاية القرن الثاني عشر الهجري في عام 1130ه .
ومن الواضح أن العام المذكور بعيد عن نهاية ذلك القرن.
ثم قيل (ص 21):
ولا يمنع ذلك أن بعضاً من القبيلة قد نزح قبل القرن الثاني عشر، كما أشار إلى ذلك ابن بسام عن نزوح جماعة من العجمان، وتخلّف مطية محمد بن علي بن حدجة في عنيزة, وأقام عند بني خالد، وصار راعياً عندهم، ورزق بأربعة أبناء، وصار في غير وقت العمل دائم الجلوس عند باب بيته، فلقبوه أبا الحصين, فأقام عندهم حتى خرج منهم بأولاده، واشترى بلدة الرس من آل صفية (وصحتها صقيه) من بني غنيم (وصحتها من بني تميم), وكان ذلك في عام 970ه .
ولقد ورد في قائمة المراجع ذكر لعبدالله بن محمد بن بسام دون إيراد لعنوان كتابه وعنوان هذا الكتاب تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق وهو ما زال مخطوطا كما ورد ذكر لكتاب الدرر المفاخر في أخبار العرب الأواخر ، وقيل: إن مؤلفه عبدالله بن محمود بن بسام, والصحيح أن اسم مؤلف الكتاب الأخير هو محمد البسام.
ولم يُبيُّن في مقدمة الكتاب المقروء، هنا، أي المؤلفين أشار إلى ما ذكر وبالإضافة إلى هذا الخلل المنهجي، وعدم ذكر عنوان كتاب عبدالله بن بسام، والخطأ في ايراد اسم مؤلف الدرر المفاخر، فإن عبدالله بن بسام لم يشر إلى حادثة محمد بن حدجة عام 970ه، ومحمد البسام لم يشر إليها في كتابه.
على أن الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام قد أشار في كتابه عن علماء نجد الى الحادثة؛ وذلك في ترجمته للشيخ قرناس، رحمه الله، حين قال (ج 3، ص 765).
قال ابن عيسى: خرج آل صقيه المعروفون من بلد أشيقر سنة 950ه تقريباً، وتوجهوا الى القصيم، فأتوا الرس، وكان خراباً ليس به ساكن، فعمروه وسكنوه، وامتدوا فيه بالفلاحة, ثم إن محمد أبا الحصين من آل محفوظ من العجمان اشتراه منهم، وكان ذلك سنة 970ه تقريباً, وكان مقيماً في عنيزة، فانتقل بأولاده من عنيزة إلى الرس، وسكنوه .
فالذي أشار إلى الحادثة هو الشيخ الفاضل عبدالله بن عبدالرحمن البسام، الذي لم يذكر في قائمة مراجع كتاب تاريخ قبيلة العجمان, على أنه قال: إن أبا الحصين كان في عنيزة، وعنيزة في القرن العاشر كانت منفصلة عن الجناح مقر بني خالد، ولم يقل إنه كان راعياً عند بني خالد، ومما يلحظ أنه رغم ما ذكر في متن كتاب تاريخ قبيلة العجمان من أن ابن بسام هو الذي أشار إلى تلك الحادثة فإنه قد ذكر في الهامش بأن الاعتماد في هذا هو على حمد الحقيل.
ثم قيل (ص 21):
ويذكر سادلير بأن العجمان رحلوا إلى جهات الأحساء في آخر القرن الثاني عشر الهجري .
وأشير في الهامش إلى أن رحيلهم قد ذكر في صفحتي 21 و211 من كتاب سادلير، رحلة عبر الجزيرة العربية .
وبالرجوع إلى هذا الكتاب يتضح أن سادلير لم يذكر شيئاً عن الحادثة في الصفحتين المذكورتين, على أن ناشر كتابه الأستاذ سعود بن غانم الجمران العجمي ذكر في تعليقه على الكتاب (ص 211) ما يأتي: كانت مساكنهم (أي مساكن العجمان) مع أبناء عمومتهم يام في نجران، ثم زحفوا إلى نجد في حدود عام 1130ه هم وإخوانهم آل مرّة بن جشم بن يام، ثم اشتعلت الحرب بينهم وبين الأميرين محمد وماجد آل عريعر في معركة الرضيمة عام 1238ه، وهزموهما، وبسطوا يدهم على الاحساء منذ ذلك التاريخ .
وما قاله الأستاذ سعود عن بسط العجمان يدهم على الأحساء منذ عام 1238ه يحتاج إلى إعادة نظر, ذلك أن من الثابت تاريخياً أن الإمام تركي بن عبدالله انتزع الأحساء من زعماء بني خالد عام 1245ه؛ اي بعد معركة الرضيمة بسبع سنوات, على أن المهم، هنا، هو أن القول بأن سادلير قد ذكر رحيل العجمان إلى جهات الأحساء في آخر القرن الثاني عشر الهجري قول لا يقوم على أساس صحيح.
|
|
|
|
|