| مقـالات
في اطار البرنامج الثقافي الذي تنظمه مشكورة الرئاسة العامة لرعاية الشباب بمناسبة اختيار (الرياض) عاصمة للثقافة العربية للعام الحالي 2000، تنظم الرئاسة بالتعاون مع مكتبة (العبيكان) أمسيات ثقافية لمؤلفي الكتب التي تميزت باقبال القراء عليها، والتي وزع كل منها اكثر من 50 الف نسخة في المملكة وحدها.
وضمن قائمة الكتب الثمانية المحتفى بها جاء (الديوان الأول) للأمير الشاعر الفنان خالد الفيصل جنبا الى جنب مع كتب بحجم (رحلتي الطويلة من أجل الحرية) للمناضل الافريقي الشهير (نيلسون مانديلا) وكتاب المفكر والمناضل الإسلامي (علي عزت بيجوفيتش) الرئيس البوسني (الاسلام بين الشرق والغرب).
وفي الشهر الفائت أحيا الأمير الشاعر أمسية حول الديوان كانت حوارا قلبيا مع جمهوره الغفير الذي احتشد معه في (قاعة الملك فيصل للمؤتمرات) على مدى اكثر من ساعتين.
بدأ الأمير الشاعر امسيته بالتنبيه الى ان اختيار هذا الديوان من الشعر الشعبي إنما هو تكريم للشعر الشعبي في عصره الذهبي حيث تجددت الدماء والمفردات والصور والاخيلة على ايدي الرواد الجدد في قافلة كان حاديها ولايزال الشاعر المحروم الأمير عبدالله الفيصل الاخ الاكبر لفارس الأمسية.
ومن هذا المنطلق راح الشاعر المحاضر ينافح عن المسمى الجائر الذي ارتبط بهذا الشعر عقودا من الزمان تحت عنوان (الشعر النبطي) مع ان هذا المسمى يجافي الحقيقة من كل الوجوه ودشن امير الأمسية مصطلح الشعر (الشعبي) أو (المحلي) لهذا اللون من الشعر شأن نظائره في دول العالم.
وعن العلاقة بين الشعر الشعبي في الجزيرة العربية وبين العربية الفصحى لم يكتف الامير بذكر آراء كبار النقاد والباحثين التي تؤكد هذه الحقيقة بعد ان كشف عنها البحث النقاب بل قدم من ديوانه موضوع الامسية مجموعة من المفردات التي يذهب الظن بأنها محلية ويثبت البحث انها فصيحة، وخلص الى ان الشعر الشعبي هو فصيح الا في انفلاته من ضوابط النحو والصرف.
ولم تكن هذه هي القضية الوحيدة التي فجرها خالد الفيصل، فقد تصدى للحملة على الشعر الشعبي بسبب حيازته لمساحة على ساحة النشر والاعلام تزيد كثيرا عن المتاح للفصيح وعلل سموه الامر بان الشعر ليس (فن النخبة) كما يدعي البعض وانما عليه ان يمتشق سيف آمال الامة وان يمتطي صهوة آلامها، ولكن القاعدة الآن تجد نفسها في الشعر الشعبي أكثر من الفصيح التي تَعشَّق معظمه صرعات الحداثة حتى لو لم تتناسب واصالتنا وأذواقنا العربية.
وعلى نحو ما اطلق سموه في تبوك نداءه الوطني بأن تكون للقصيدة السعودية غترة وعقال دعا في الرياض الى فض النزاع بين الشعر الفصيح والشعر الشعبي بأن يقترب الاول من الجماهير حتى يحقق الانتشار على المستوى الشعبي وان يرتقى الثاني بمفرداته ليصير فصيحا، وليصب الابداع الشعري فصيحاً وشعبياً في نهر ثقافي وطني زاخر بالعطاء والنماء.
وأشار فارس الأمسية الى ان اتهام الشعر الشعبي بالسطحية والسذاجة لم يعد له محل من الاعراب، بعد ما تضمنه شعر موجة التجديد من عمق تأملي يصل في كثير من الاحيان الى حد الفلسفة مما يدل دلالة قاطعة على ثراء تجربة الابداع، واذاع على الحاضرين سر العلاقة الحميمة بينه وبين جمهوره بأنه لا يحتكر مشروعه الشعري بل يترك فيه مساحة لفكر المتلقي ومشاركته.
ورغم خطورة القضايا المطروحة وجديتها فان النماذج التي قدمها الشاعر من ملامح تحديثه في شعره بادخال مفردات جديدة وإحياء اخرى ومن منهجه في البحث وراء معاني مفرداته من مظانها الطبيعية في المعاجم واستشهاده في اكثر من موقع بالقرآن الكريم والسنة المشرفة,, كل هذا شكل وجبة ثقافية شهية استهوت الحضور، وقد انكشف لهم كثير مما كان خلف الستائر، واستمع اليه يشرح قوله:
إن جاز طرفك يا سنادي جزينا ما تهتني عيني وعينك تقاسي |
فيقول: وجاز طرفك يعني امتنعت عن النوم عينك والظبي والجمل يجزي اذ امتنع عن الماء لفترة طويلة، وفي قوله:
نفس عيوف ياريش العين تجزع ما تقبل الحقران لو من عشيري |
واريش العين كما شرحها هدب العين كأنه ريش من شدة الطول والغزارة وقوله (الولع غنى وانا فيني ولع) الاول الحمام، البري والثاني شدة الهيام، وقوله نقلا عن المعاجم ان (الرعبوب) هي البيضاء الحسنة الرطبة الحلوة,, وهكذا استمتع جمهور خالد الفيصل وفي الوقت ذاته طرح فارس الامسية على الساحة مزيدا من التوصيات في وثيقة الثقافة السعودية المعاصرة.
|
|
|
|
|