| المجتمـع
* تحقيق : سعود الشيباني
لقد بات تجاوز الإشارة الحمراء بالغ الخطورة، فرغم التوعية وتكاتفها ورغم كل ما يقال عن عدم قطع الإشارة والحوادث المرورية وعن كل ما يهم السائق والمركبة والطريق إلا أن هناك بعض السائقين وبكل أسف يتجاوزون الإشارة الحمراء ضاربين بها عرض الحائط، إنها تصرفات فردية سيئة للغاية رغم التقدم العلمي والتقني الذي تشهده بلادنا الغالية، ورغم معرفة الفتوى في هذا الموضوع (لا يجوز فعل ذلك لأن فيه مخالفة للأنظمة المرورية التي وضعت للمصلحة العامة للمسلمين ولأن في مخالفتها معصية لأولي الأمر وقد أمر الله بطاعتهم في المعروف) قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم
* وحول قطع الإشارة الضوئية قال فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ ان احترام إشارات المرور هو التقيد بنظامها فيما يخدم المصلحة وهو أمر مطلوب من المسلم والاخلال به خطأ يستوجب التغريم أو سحب الرخصة أو المنع من القيادة لفترة مقدرة، إذ إن قطع الإشارة خطأ يترتب عليه حوادث ضارة لقاطع الإشارة ولغيره من الناس,, قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) كما أنه عليه الصلاة والسلام كان من عرفة إلى مزدلفة ينظم سيره على قدر ازدحام الطريق فكان يمشي العنق فإذا وجد فجوة أسرع، وكان يقول صلى الله عليه وسلم السكينة السكينة.
* أما فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء فقال: إن قطع الإشارة غير جائز لما يترتب عليه من المخاطر العظيمة على قاطع الإشارة وغيره من الناس، وقد نهى الله تعالى عن ارتكاب الخطر فيما لا مصلحة فيه بقوله تعالى :ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، وقطع الإشارة مضرة محضة، لا مصلحة فيه، وينبغي معاقبة فاعله بما يردعه هو وأمثاله من مثل هذا العمل العدواني، وإذا نجم عن قطع الإشارة الإصابات في الأنفس والأموال فالقاطع يلزمه الضمان لما أتلف من الأعضاء والحواس.
* أما الدكتور عبدالعزيز العسكر فقال: إنه من المعلوم في الشريعة الإسلامية ان هناك قواعد تنظم حياة الناس وهي قاعدة رعاية المصالح المرسلة والتي يجوز بموجبها لولي الأمر أن يسن من الأنظمة والتشريعات ما لا يخالف أصول الإسلام ذلك من أجل تنظيم حياة الناس في أمورهم اليومية ومنها أنظمة المرور والجوازات والبلديات، ومن جانب آخر فإن باب الاحتساب على الناس يعطي ولي الأمر الحق في تعيين من ينظمون مصالح الناس ومن ذلك وضع إشارات مرور تنظم عبور الطرق وترتب الأولويات وعلى هذا فإن المسلم ملزم شرعا بطاعة ولي الأمر في هذه المصالح، فيجب عليه التقيد بأنظمة المرور عامة, ويحرم عليه انتهاكها ومن ذلك الإشارة الضوئية، فكما لا يجوز الوقوف في الإشارة الخضراء لأنه يعطل سير الناس، فلا يجوز له أيضا قطع الإشارة الحمراء لأنه تعدى على حق غيره في المرور والله تعالى نهى عن الاعتداء قال تعالى: (إنه لا يحب المعتدين) وقطع الإشارة الحمراء محرم من عدة وجوه.
الوجه الأول انه معصية لولي الأمر الذي أمر الله بطاعته في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، والوجه الثاني إنه اعتداء على حق الغير والاعتداء محرم.
أما الوجه الثالث فإنه تعريض النفس للخطر والله يقول: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، وبهذا يتبين وجوب التزام المسلم بأنظمة المرور وعدم جواز قطع الإشارة الدالة على الوقوف.
ومن جانب ثان فإن الالتزام بأنظمة المرور يعتبر من حسن الخلق الذي يحبه الله ورسوله والناس ومن باب التعاون على البر والتقوى قال تعالى:وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، وقطع الإشارة الحمراء والسكوت عن فاعله وعدم الإنكار عليه يعتبر من الإثم والعدوان الذي نهى الله ورسوله عنه, وختاما فإن الشريعة الإسلامية جاءت بجلب المصالح وتكثيرها ودفع المفاسد وتقليلها, ونهت عن الضرر والإضرار فلا يجوز للمسلم ان يضر نفسه أو غيره حتى لو كان هذا الغير حيوانا فما بالكم بالإنسان الذي يمشي في الطريق وله حق فيه مثل سائر الناس.
*الدكتور الشيخ محمد الدريعي قال حول قطع إشارات المرور: إن موضوع المرور يعتبر من أهم الموضوعات التي ينبغي طرحها للبحث والدراسة واستكشاف حكم الشريعة الإسلامية في مثل هذا الموضوع المهم، ونحن إذا قلبنا صفحات القرآن الكريم وجدنا ان الله تبارك وتعالى قد أكرم الإنسان وحفظ له حقوقه في دينه ونفسه وماله وعقله وعرضه ونسله.
وهذا يتحقق بإقامة الشرع الكريم وإلزام الناس به علما وعملا بما جاء فيه من أوامر واجتناب ما جاء فيه من نواه وتطبيق الجزاءات المادية التي تردع من لا تردعه مواعظ القرآن والسنة, والمرور في وقتنا الحاضر أصبح أمرا ذا بال، فإن بعض الناس قد يتهاون بأمور الحوادث المرورية إما جهلا أو تجاهلا وقد نشأ عن هذه اللامبالاة جروح وكسور إضافة إلى أرواح أزهقت ومثل هذا لا يجوز أن يغض الطرف عنه خاصة أن الله تبارك وتعالى بيّن لنا في محكم التنزيل ما يجب اتخاذه من أساليب للردع التي تمنع وقوع أي شيء بالإنسان على سبيل التعمد أو الجهل أو التجاهل، وإشارات المرور هي في الحقيقة نموذج حضاري تضع أمامنا الشعور بالمسؤولية بما يجب الاهتمام به من حفظ الأمن ومراعاة مصالح الأمة, وإذا أردنا ان نستشهد بشيء من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية فإن أمامنا زخم كبير، ومنها قوله تعالى : واقصد في مشيك واغضض من صوتك ، وقوله تعالى:وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وكذلك قوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون .
وتجاوز إشارة المرور يعتبر من البغي وهو تجاوز الحدود التي حددت لمنع وقوع المحظورات ولا شك ان مسألة الالتزام بالضوابط المرورية توحي بشيء يجب ان يستقر بالقلوب ويضمد الجراح وهو استشعار عظمة الله عز وجل ومراقبته حيث ان من قتل نفسا بريئة بغير حق فإن عليه غضب الله وله عذابه الأليم قال تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه .
إذن فموضوع قطع الإشارة الحمراء ليس بعيدا عن تعاليم ديننا الإسلامي ونظام المرور مأخوذ من تعاليم هذا الدين الكريم ولنتدبر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) فعلى ذلك أقول يجب على المسلم بصفة خاصة أن يلتزم بما تنظمه الجهات المسؤولة عن المرور والأمن وأن يعلم أن دين الإسلام قائم على تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وإذا قلنا إننا نراعي (أمر قطع الإشارة بالأمور المادية) فنتذكر ان الذي يحقق لنا ذلك كله هو الالتزام بأوامر الله واجتناب نواهيه التي تعتبر بمثابة إشارات المرور التي تقطع الطريق على المفسدين في الأرض حيث يرتكبون المعاصي ويقعون بالآثام, وإني على يقين أن من التزم بهذا السلوك سيستخدم إشارات المرور من جانبين: الأول ان في ذلك محافظة على ما أوجب الله المحافظة عليه من حقوق الإنسان في نفسه وماله,والثاني : أن في ذلك تطبيقا لأمر الله في طاعة ولاة الأمر بالمعروف والله يقول: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم , هكذا ينبغي ان نعلم أن الأنظمة في بلادنا تنبثق من ديننا وتعاليمه العظيمة فلنحرص على الالتزام بذلك والله الهادي إلى سواء السبيل.
|
|
|
|
|