| وَرّاق الجزيرة
أصدرت الإدارة العامة للتخطيط والتطوير الإداري بوزارة المعارف كتاباً بعنوان:
ثقافة إدارية أعده مدير عام الإدارة الأستاذ يوسف بن محمد القبلان،ضم بين دفتيه خمسة عشر عدداً من نشرة ثقافة إدارية التي كانت الإدارة تصدرها شهرياً ثم رأت تحويلها إلى دورية؛ لتكون نواة مكتبة إدارية شاملة تزمع إنشاءها لخدمة منسوبي الوزارة في كل ما يتعلق بشؤون الإدارة من أنظمة ولوائح ونظريات وتطبيقات.
العناوين التي دارت محاور الحديث حولها في هذا الكتاب كانت شائقة ومغرية للإبحار مع التفصيلات التي تضمنها نثار الكلمات، من تلك العناوين على سبيل المثال: تعلم كيف تقود موظفيك و قائمة صفات المدير و التنظيم الجيد والتنظيم السيىء و الأمن الوظيفي و التحليل الإداري و الإصلاح والتحديث و مقومات التخطيط وعوائقه و ماالفريق ؟ و التخطيط للاجتماعات و فوائد التفويض و المحاذير الخمسة عشر عند حضور الاجتماعات و من أساليب المعاملة الوالدية وآثارها التربوية و الإدارة بين العلم والفن و الفكر الإداري و شعاراتنا التي نعمل من خلالها و المكتبة الإدارية و تضييع الوقت و اثنتا عشرة خطوة لإذلال الموظفين و التقييم ليس بالضرورة أن يكون شراً و تقييم الذات و تقييم أداء الموظف و مهارات العرض و عوائق الإنجاز و علاقات إنسانية و مقابلة التوظيف و المدير غير المنظم و التغذية الراجعة و تحديد ما يجب تفويضه و كيف تكتب بشكل أفضل وأسرع و الإدارة بالهجوم و هؤلاء الرجال كيف نجحوا وكيف تفوقوا؟ و مقاومة التغيير و إدارة الأوراق و خطوات النجاح و إدارة الوقت و الإرشادات العشرة لتحسين الأداء و خبرة وفكرة و الخوف في محيط العمل و رسالة للمدير المسلم و ماهية الإدارة و موارد الإدارة و التسلسل الإداري و المدير القائد .
كما أن هناك عناوين أخرى ورسائل خاصة للإداريين، وتعريفات ببعض المصطلحات الإدارية التي يحتاج الإداري إلى معرفتها.
يتميز محتوى هذه الثقافة الإدارية بالشمول والتنوع، ففيها المعلومات العامة مثل الحديث عن كيفية قيادة الموظفين، وبعض التعريفات الميسرة، وفيها إيغال في الثقافة والمصطلحات الإدارية المتعمقة كالحديث عن التفويض وفوائده، وفيها إطلالات على جديد ما توصلت إليه البحوث المتخصصة في علم الإدارة وجديد ما قيل في هذا العلم.
كما غلب على كتابة موضوعات ثقافة إدارية أسلوب تركيز المعلومات في نقاط تشد القارئ بأسلوب مقارب لأسلوب ديل كارنيجي في كتابه كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس؟ .
الذي بدا لي أن علم الإدارة ذو أصول راسخة في ثقافتنا الإسلامية، وردت كثير من بنوده في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة، ففي قصة سليمان عليه السلام مع الهدهد وفي قصة موسى وهارون عليهما السلام وفي قصص ومواقف أخرى تقرير لمبادئ إدارية واضحة في كيفية القيادة السليمة وما يجب أن يتحلى به القائد.
وفي قصة إلغاز نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن الشجرة التي لا يسقط ورقها وهي مثل المؤمن (النخلة) تتضح آداب من آداب الاجتماعات ومنها: البدء بالكبير، وحق الصغير في الكلام إذا لم يتكلم الكبير، الخ,.
والتراث العربي مليء بتقرير كثير من المبادئ الإدارية التي يرى كثير من المفتونين بالثقافة الغربية أنها من فتوحات هذه الثقافة، فابن أبي الدنيا مثلا ألف كتابا مستقلا عن مداراة الناس .
وبخصوص شروط القيادة وصفات القائد نجد في مقدمة ابن خلدون رسالة وجهها طاهر بن الحسين إلى ولده، وقد تضمنت هذه الرسالة كثيرا من القواعد الأخلاقية التي يجب أن يتسم بها القائد، مثل: استشعار المسؤولية بإدراك أنه مسؤول عما منع لماذا منعه ومجزي بما أحسن ومؤاخذ بما أساء، والاستمداد من الدين، ولزوم طريقة الخير والهدى في سياسة الرعية، والتحلي بأحاسن الأخلاق وأعاليها من الوفاء بالعهد، وإنجاز الوعد، وشكر المحسن ودفع السيئات بالحسنات، والتحلي بالعلم والحلم والأناة، والبعد عن الحدة والطيش والغرور والاستعلاء على الناس زهواً وفخراً، وإغماض العين عن عيوب الآخرين إذا كانت هذه العيوب لا تؤثر في سلامة العمل ومنهجه، والعدل بين الرعية وقيادهم بالحق.
والبعد عن محقرات الذنوب، فإن الذنوب تبدأ صغيرة ثم تكبر بالتعود، ولأن الذنوب الصغيرة كبيرة في حق القائد بالنسبة لاتباعه، وحسن اختيار الأعوان والمستشارين والجلساء,, فلا يمالئ القائد حاسداً, ولا يصل كفوراً ولا يداهن عدواً ولا يوالي فاسقاً.
والتحلي بالكياسة والفطنة والتثبت في الأمور والأخبار، فلا يأمن غداراً ولا يصدق نماماً، والقوة في الحق فلا يغمض عن ظالم رهبة منه أو محاباة له.
والثقة بالمرؤوسين وحسن الظن بهم دون تفريط، فلا يتهم القائد أحداً من الناس فيما ولاه من عمله قبل أن ينكشف له أمره، فلابد من الجمع بين أمرين: أولاً: حسن الظن بالمرؤوسين (منحهم الثقة)، والثاني: السؤال والبحث عن أحوالهم وطريقة عملهم مع الرعية (المتابعة الحكيمة).
والرأفة بالرعية والنظر في حوائجهم والتوسيع عليهم في معايشهم، وحسن متابعة المرؤوسين في أماكن عملهم، بأن يتفقد القائد موظفيه في أماكن عملهم ليطلع على الواقع دون تزييف، والجمع بين الثواب والعقاب بأن يحسن القائد مراقبة مرؤوسيه، مع الحرص على صرف مستحقاتهم والتوسيع عليهم.
وحسن التخطيط بأن يحرص القائد على أن يتثبت ويتأنى ويراقب وينظر ويتفكر ويتدبر ويعتبر بمن سبقه، وحسن اختيار الاتباع، بأن يختار القائد مساعديه من ذوي العلم والخبرة والعدل وحسن التدبير والسياسة.
كما أشار طاهر بن الحسين في رسالته إلى كثير من مبادئ الإدارة، مثل: الإدارة بمبدأ الأهداف؛ بأن يسلك القائد بمن يسوسه ويرعاه نهج الدين وطريقة الهدى التي هي أهم الأهداف التي يجب على القائد ان يرعاها في إدارته.
وأشار إلى الإدارة بمبدأ الكفاية الإنتاجية، بأن يتفرد القائد الإداري بتقويم نفسه تفرد من يعلم انه مسؤول عما منع، ومجزي بما أحسن ومؤاخذ بما أساء.
وأشار إلى الإدارة بمبدأ النظرة الإنسانية؛ بأن يقبل الحسنة ويدفع بها ويغمض عن عيب كل ذي عيب من رعيته لا يؤثر في أهداف العملية الإدارية.
وأشار إلى الإدارة بمبدأ الثواب والعقاب؛ بأن لا يأخذ القائد في أحد من رعيته محاباة ولا مجاملة ولا لومة لائم، وأن يوسع عليهم رزقهم,.
وأشار إلى الإدارة بمبدأ الوسائل والأساليب، ومنها الأسلوب الرقابي الفعال؛ بأن لا يمنع القائد حسن الظن بأصحابه والرأفة بالرعية أن يستعمل المسألة والبحث عن أمورهم,.
كما تضمنت رسالة طاهر بن الحسين الإشارة إلى أهم شروط تولي القيادة، ومنها: استشعار المسؤولية، وحسن التخطيط للعمل، وسمو الهدف والغاية، والتحلي بأحاسن الأخلاق وعاليها، والعدل بين الرعية والرأفة بهم، مع إعطائهم حقوقهم، وحسن اختيار الأعوان والمستشارين، والثقة بهم مع الحرص على متابعتهم ومحاسبتهم، والتحلي بالتثبت والفطنة، والقوة في الحق، وقد قيل: حق لا تسنده قوة أضعف من باطل).
إن الحاجة ماسة إلى تأصيل الفكر الإداري في تراثنا العربي والإسلامي،وفي هذه الدائرة لابد من الإشارة إلى أنه كان لمكتب التربية العربي فضل السبق إلى تأصيل جوانب الفكر الإداري في تراثنا من خلال موسوعة من أعلام التربية العربية والإسلامية التي أصدرها المكتب في أربعة مجلدات، وأتبعها بعدد من الكتب المستقلة عن الفكر التربوي عند بعض الأعلام العرب والمسلمين.
ثقافة إدارية فيها تميز واضح، وفائدة ظاهرة، وهي مع رسالة المعارف التي يتولى رئاسة تحريرها الإعلامي النشط زميلنا الأستاذ عبدالله الحسني مدير عام الإعلام التربوي بوزارة المعارف رافدان من روافد نهر التفكير الواعي لتحقيق أهداف التنظيم الإداري.
ويبقى بعد ذلك أن أقول: إن الأمل كبير في مشروعات رائدة من أجل تأصيل الفكر الإداري في تراثنا الإسلامي والعربي، بما يحقق اعتزازنا بديننا وبموروثنا الثقافي الغني بموارده والمتنوع في خصائصه، والشامل في موضوعاته, وبالله التوفيق،،،
إبراهيم بن عبدالله السماري I_ Alsmari@ hotmail.com
|
|
|
|
|