| وَرّاق الجزيرة
أهمية المخطوطة:
لا شك أن مخطوطة العبيد التاريخية تمثل مصدراً هاماً من مصادر تاريخ تأسيس المملكة وتاريخ الملك عبدالعزيز بشكل خاص، وما واكب مرحلة قيام هذه الدولة السعودية من حوادث محلية وعالمية خطيرة أحدثت تغييرات جذرية في الحياة السياسية والاجتماعية لدول المنطقة.
ليس هذا فقط، بل إن مخطوطته التاريخية تكتسب أهمية كبيرة لكون مؤلفها عاصر جميع المراحل التاريخية الحرجة التي واكبت عصر تأسيس هذه البلاد، ابتداء من الحكم التركي في الحجاز وثورة الشريف ومروراً بآخر مراحل الحكم الرشيدي في حايل، وانتهاء بظهور الاخوان وانتهاء حركتهم.
كما تتميز مذكرات العبيد عن مذكرات المؤرخين النجديين سواء المتقدمين أو المعاصرين له بأنها تتضمن تفصيلات واستطرادات ومعلومات جيدة عن الحوادث أو الشخصيات التي يتعرض لها، بخلاف المذكرات التاريخية النجدية التي اشتهر مؤلفوها بالميل إلى الاختصار الشديد وعدم التعليق على الخبر وتغطيته بشكل كاف.
واضافة إلى كل ما سبق فإن سعة معلومات الشيخ العبيد والمامه بجوانب الحياة السياسية والاجتماعية في عصره أضافت إلى مذكراته مزيداً من القيمة التاريخية، ومزيداً من الأهمية.
ملاحظات حول منهج المحقق:
لعله من المناسب في البداية أن نشير إلى عدد من الصعوبات والمعوقات التي واجهتنا في تحقيق هذه المخطوطة التاريخية الهامة، ومن هذه الصعوبات على سبيل المثال:
1, أن المخطوطة لا يوجد لها نسخ أخرى للاستفادة منها في مجال المقارنة والمراجعة الدقيقة لنصوص المؤلف.
2, ان لغة المؤلف تميل إلى اللغة العامية أكثر من ميلها إلى اللغة العربية، مما يوقع المحقق في حرج كبير في عملية الاختيار بين المحافظة على نصوص المخطوطة وبين سلامة اللغة العربية التي هي هاجس كل كاتب يعتز بلغته العربية ويحرص عليها من الإهانة والابتذال.
3, أن خط المؤلف ضعيف نسبياً، وتكثر فيه الأخطاء الإملائية، مما يجعل المحقق في حيرة تامة بين ترك عبارات المؤلف وألفاظه على ما رسمه المؤلف وبين تعديل وتصحيح الأخطاء الإملائية والكتابية وما ينتج عن ذلك من ابتعاد بالمخطوطة على شكلها الأصلي, فضلاً عن إمكانية تغيير صورة المستوى التعليمي والأدبي للمؤلف في ذهن القارئ.
وقد حاولنا التغلب على تلك المعوقات قدر الإمكان وبذلنا ما وسعنا الجهد في الجمع بين المحافظة على أصل المخطوطة فيما يتعلق بالأسلوب اللغوي والشكلي وبين المحافظة على سلامة اللغة العربية واستقامتها بشكل لا يخل بأمانة النقل.
وقد سلكنا في هذا السبيل مسلكاً وسطاً بين النقل الحرفي النسخي الكامل وبين النقل غير الحرفي، وذلك عن طريق إبقاء نصوص المؤلف كما هي مع التصحيح اللغوي الإعرابي الذي لا يغير شكل الكلمة ولا معناها، مع الإشارة إلى اصل الكلمة في الهامش, أما إذا كان التصحيح اللغوي قد يؤدي إلى تغيير يمس بعبارة المؤلف أو أسلوبه، فإننا نترك الكلمة أو العبارة بدون تغيير مع الإشارة إلى ذلك في الحواشي.
كما أن أمانة النقل قد فرضت على المحقق إيراد نصوص المؤلف وعباراته دون تحريف أو تعديل أو اختزال حتى وإن كانت تتميز بشيء من الحساسية أو عدم الدقة التاريخية أحياناً، والاكتفاء بالإشارة إلى الروايات التاريخية المشهورة في الحواشي.
غير أن هذا لا ينفي أننا ربما تركنا فصولاً أو صفحات بكاملها من المخطوطة إذا كانت خارجة عن موضوعنا، ولكن مع الإشارة إلى ذلك في الحواشي.
نص المؤرخ العبيّد:
عن ولادة الملك عبدالعزيز ونشأته:
ونحن نبدأ اليوم بولادة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل ونشأته وحياته، أما ولادته فرأينا تاريخها يختلف بين المؤرخين، فمنهم من يقول انه ولد في عام 1297 (1) ، ومنهم من يقول انه ولد في عام 1299، وأصح ما أرويه للقراء هو ما نقلته عن عبدالرحمن العبد العزيز السُّلَيم فكان يقول لي: كنت جالساً يوماً عند الإمام عبدالرحمن الفيصل فسألني بقوله: متى كَون (2) جدك زامل السليم على قحطان فوق دخنة؟ فقلت له: هي سنة 1295؛ فقال: إنه أتاني بشير جدك زامل بأخذه قحطان على دخنة (3) وبشير ولادة ولدي عبدالعزيز بيوم واحد.
وهذا أصح ما نقلته عن ولادة الملك عبدالعزيز, ثم انه لما نشأ وترعرع في حجر أبيه ثم انتقل مع والده إلى قطر وانتقلوا بعائلتهم جميعاً، لكنا مكثنا زمناً طويلاً ولا عين تطرف من السعود ولا نعلم من الذي منهم على الوجود ما عدا الإمام عبدالرحمن الفيصل.
وكان الملك عبدالعزيز رحمه الله يتحدث مع الشيخ عبدالله بن بَلَيهِد لما كان بقصر شبرا بالطائف، وكنت أنا وغيري واقفين بالباب فقال في بعض خطابه للشيخ: إنه حينما أتاني محمد بن رشيد ليهدم سور الرياض كنت واقفا أتفرج أنا وأولاد معي كلهم من سني وذلك في سنة 1307، وكان محمد بن رشيد نفسه واقفاً (4) يَحُضُّ العَمَلة على الهدم وإلى جانبه حمود العُبَيد، وكنت في ذلك الوقت لم يكن على رأسي غير كوفية حمراء، وكانت عيوني فيهن رطوبة وتثقلني جفوني عن تنهيضهن إلا بتكلف، فدنا مني محمد بن رشيد بنفسه ووضع يده على رأسي ثم التفت (5) على حمود العبيد وهو واقف معه فقال يا حمود: (لا تحقر هذا تراه يشره على الحكم).
فلم أعلم من الذي دله على أني ولد عبدالرحمن الفيصل.
وهولم يعلم أيضاً عن أسرار الغيب ولم يعلم ذلك إلا الله فإن هذا الغلام الذي نوّه به صار انقراض ملك الرشيد على يده، فسبحان من لا يزول ملكه ولا يضعف سلطانه، فهو الذي يعطي ويمنع ويخفض ويرفع ويرزق الجنين في ظلمة الحشا سبحانه وتعالى, ولنختم القول بقول أصدق القائلين (قل اللهم مالك الملك) إلى آخر الآية.
وأول ما تحققنا أن لعبد الرحمن الفيصل أولاداً كباراً (6) هي ظهورهم مع مبارك الصباح هم ووالدهم عبدالرحمن حينما حصلت وقعة الصَّرِيف في سنة 1318ه، فكان هذا الولد المبارك على أبيه وعلى عشيرته وعلى المسلمين كافة, فحينما قارب سن البلوغ أخذت تلوح (7) على وجهه آثار النجابة والشهامة والشجاعة والسخاء ومكارم الأخلاق، كلها زفت إليه بحذافيرها (8) فصانه الله عن فعل الفاحشة, ولم نعلم أحداً من الكبار والزعماء ومن دونهم يشهد (9) له الناس شهادة جازمة مثلما شهدوا للملك عبدالعزيز بنزاهة عرضه وسلامته من الوقوف على مواضع الريب والشكوك، ولم نجد من من المسلمين أحدا (10) يعد عنه شيئاً من المكروه، فتلك عصمة الله يحرس بها من يشاء من عباده، والمسلمون (11) شهود الله في أرضه، مع أننا نعترف أن الشباب له نزعات لا تطاق، فقد قال العتبي مثلاً في الشباب عن امرأة تخاطبه:
قالت: عهدتك مجنوناً فقلت لها:
إن الشبابَ جنون (12) بُرؤه الكِبَرُ
فهذا الشاب النادر عصمه الله ولا نهاية لعصمته جل وعلا، فحينما قتل أمير الرياض عجلان واستولى على ملك آبائه وأجداده استدعى بوالده (13) عبدالرحمن الفيصل وبعائلاتهم جميعاً ان يخرجوا من الكويت ويقدم عليه في الرياض، وطيلة ذلك (14) المدة قبل أن يصل والده إلى الرياض وأهل الرياض يعرضون عليه المبايعة ويمتنع قائلاً المبايعة لوالدي عبدالرحمن متى حضر, فلما حضر عبدالرحمن أراد عبدالعزيز أن يحيل البيعة لوالده فأبى عن قبولها قائلاً: أنت أحق بها مني يا عبدالعزيز، أنت الذي فتحت بلادك من نفسك وأنت أميرها وأنا أول من يبايعك على ذلك قبل مبايعة أهل الرياض, فبايعوه أهل الرياض وتابعوا الإمام عبدالرحمن على بيعته,
(للحديث صلة)
الحواشي:
1, السنوات الواردة بهذا الكتاب برواية المؤلف هي السنوات الهجرية.
2, كَون: أي معركة.
3, دخنة: موضع قديم إلى الجنوب من الرس في منطقة القصيم، وهي الآن بلدة عامرة وسكانها من قبيلة حرب، وقد جرى فيها وقعة مشهورة بين أهل عنيزة وقحطان سنة 1295ه.
4, في الأصل : واقف بدون نصب.
5, نهاية ص108 من المخطوطة, 6, في الأصل : أولاد كبار، بدون نصب, 7, في الأصل: يلوح, 8, في الأصل : بحثافيرها.
9, في الأصل: يشهدون, 10, في الأصل: أحد، بدون نصب.
11, في الأصل: والمسلمين,
12, في الأصل: جنوناً.
13, هكذا في الأصل؛ والصحيح: استدعى والده.
14, هكذا في الأصل؛ والصحيح: تلك المدة.
|
|
|
|
|