| وَرّاق الجزيرة
قرأت في صحيفة الشرق الأوسط، العدد 7924، الثلاثاء 8 آب (أغسطس) 2000م/ الموافق 8 جمادى الأولى 1421ه، ص17، وفي صحيفة الحياة، العدد 13673، الجمعة 18 آب (أغسطس) 2000م/ الموافق 18 جمادى الأولى 1421ه، ص4 (تراث) خبراً من القاهرة يذكر ان الدار المصرية اللبنانية في القاهرة أصدرت مخطوط تحبير الموشين في التعبير بالسين والشين للفيروزابادي صاحب القاموس المحيط في طبعة محققة, وعثر على هذا المخطوط محققه أحمد عبدالله باجور في مكتبة المخطوطات في المسجد النبوي والمخطوط، حسب الخبر، لم ينشر من قبل، وإن كان طبع في سنة 1927م في القاهرة وسنة 1327ه في الجزائر.
وإذا نحن حكمنا على الطبعة انطلاقا مما أورده الخبر عن سبب تأليف الكتاب فإن ذلك من الدواهي التي تنزل بالنصوص التراثية، يقول الخبر:
(,, وعن سبب تأليفه لهذا الكتاب يذكر محمد بن يعقوب الفيوزرابادي: إني قرأت على بعض مشيختي جزء حديث جرى فيه ذكر التسمية، فنطقت فيها بالسين والشين، فسألني المستمع عن نظارها في كلام العرب، وكنت أستحضر منها زهاء خمسين، فابتدرني إلى الجواب من الحاضرين شيخ ملسون (حلو اللسان) من الحراسين، فقال: لا نظير لها سوى أربعة ألفاظ: الشطرنج، والنشم، والشبت، والشناسين، فقلت له أطرق كرا، فإن شجلك بلا تسعين وأخواتها ينيف على تسعين فلا تك من تعسين، فعجب لذلك أكثر الحاضرين، وقالوا: لا يطيق هذا الاستحضار أسنة من الأسين، فاقتضى ذلك جمعي هذه الألفاظ تذكرة لخطابهن ولولاها نسين، وسميته تحبير الموشين في التعبير بالسين والشين ).
وإن في هذا النص مجموعة من الأخطاء لست أدري أهي تطبيعات أم أن المحقق وقع فيها، ويبدو لي من بعض القرائن في النص ان الصحيفة والمحقق اتفقا ربما دون سابق إصرار وتصميم على تشويه النص القصير فكيف حال الكتاب كاملاً.
أقول هذا اعتمادا على خبرتي بهذا النص الذي استهواني منذ عام 1401ه/ 1981م فقرأته في طبعة المرحوم الأستاذ محمد بن أبي شنب سنة 1327ه في الجزائر، وهي طبعة نادرة عزيزة أخرجها المحقق على خير ما يكون الإخراج، وبذل في سبيل ذلك جهدا سجلته له في مقدمتي لتحقيق الكتاب من جديد، وقد أخرج الأستاذ أبو شنب الكتاب على نسختين وصفهما فقال: وقد اعتمدنا على نسختين إحداهما ب مخطوطة بخط مغربي جلي مضبوطة في أكثرها بالشكل الكامل، وهي قليلة الأغلاط، ومقابلة على نسخة أخرى مجموع أوراقها 18 في كل صفحة 15 سطراً، والثانية ج ضمن جملة عدة مقالات أدبية ولغوية في آخر نسخة القاموس المحفوظة تحت عدد 246 و 4 في المكتبة الدولية بالجزائر (1) , وقلت حينئذ: إنني عثرت على مخطوطة في دار الكتب الظاهرية العامرة لم يتيسر للأستاذ أبي شنب أن يطلع عليها، ناهيك عن ندرة الطبعة الأولى.
أنهيت إعادة النظر في الكتاب لسبع ليال خلت من ذي القعدة المبارك من عام واحد بعد الأربع مئة وألف من هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الموافق لعشرين ليلة خلت من أيلول عام واحد وثمانين وتسع مئة وألف لولادة المسيح عليه السلام،ولم يصدر الكتاب إلا في عام 1403ه/ 1983م عن دار قتيبة للطباعة والنشر والتوزيع في دمشق.
وقبل أن أتحدث عن الكتاب ومؤلفه أصحح ما جاء في الخبر من أغلاط طباعية وتصحيفات: فقوله: التسمية، تصحيف صوابه التسميت أو التشميت (تسميت العاطس أو تشميته) وهي تنطق بالسين والشين, وقوله: نظارها صوابه: نظائرها، ولعله تطبيع، وقوله: مشايخي صوابه: مشيختي (كما في الأصل المخطوط)،وما ورد بين قوسين في شرح الملسون (حلو اللسان) خطأ صوابه: أن الملسون هو: الكذاب كما في القاموس المحيط 4/267, وهذا من المحقق بلا شك، ومؤلف الكتاب في معرض السخرية من هذا الشيخ، ولا يمكن ان يقول عنه: حلو اللسان, أما قوله: الحراسين فخطأ صوابه: الحواسين وهو جمع حواس,,ويقال: إنه لحواس غواس: طلاب يا ليل، وكأنما يريد المؤلف القول إن هذا الشيخ الكذاب يخطب في حديثه خبط عشواء كحاطب ليل, وقول: ينيف صوابه: تنيف، وقوله: فلا تك من تعسين، خطأ من المحقق بلا شك لأن ناسخ المخطوطة يسقط أل التعريف في مواضع كثيرة من الكتاب والصواب من التعسين جمع، تعس وهو الشرير, وقوله: أسنة من الأسين تخليط عجيب صواب: أنيسة من الأناسين، والأناسين جمع بيّن مثل بستان وبساتين.
هذه جملة من الأخطاء في مقطع واحد، والغريب أن الأخطاء نفسها تتكرر في الصحيفتين، وبانتظار ان تصلنا النسخة المحققة نقدم للقارئ نبذة لعلها مفيدة عن المؤلف والكتاب.
قال السيوطي في المزهر 1/314: ورأيت لصاحب القاموس تأليفا لطيفا سماه: تحبير الموشين فيما يقال بالسين والشين , والكتاب، كما قلت في مقدمة تحقيقي، عزيز النزعة، غريب الوقوع: فنزعته أنَّه يعالج جانبا طريفا يحتاج الانتباه إليه لذوق لغوي مرهف؛ فهو معجم طريف جمع فيه مؤلفه الكلمات التي نلفظها بالسين والشين دون أن يُخلَّ هذا بمعناها، أما غربة وقعه فهي أنه الكتاب الوحيد في حدود ما أعلم الذي عالج هذه الناحية اللغوية التي تعَدُّ اليوم على جانب من الأهمية في علم اللسانيات الحديث.
وفوق هذا وذاك أن مؤلف الكتاب واحد ممن وهبوا حياتهم فسطرتهم في سجل الخالدين.
إنه مجد الدين محمد بن يعقوب المشهور بالفيروزابادي، ويكفينا القول إنه صاحب ذلك المعجم الذي دخل كل بيت، وأصبح عمدة الباحثين اللغويين لدقته وعلميته, فهو بالإضافة إلى سعة مادته، ووضوح مصطلحه، خال من التطويل الذي نجده في المعاجم الأخرى إنه القاموس المحيط, ومن نافلة القول: ان أذكر هنا خطأ شائعا على ألسنة العامة؛ وهو أنهم يسمون كل معجم قاموسا ويريدون بالكلمة المعجم وهذا خطأ محض مصدره شهرة هذا القاموس المحيط الذي أصبح يطلق على كل معجم لغوي.
ويظهر من مطالعة هذه الرسالة في مادة السبت والشبت أن الفيروزابادي كان ألَّف قبلها رسالة أخرى سماها التحبير الكبير يغلب على الظن أنها فقدت اللهم إلا أن تكون هي المحفوظة في المكتبة البريطانية تحت عدد 526 و 3 .
وقد صدر اليوم من كتب الفيروزابادي عدد لا بأس به، منها : بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (2) ، والبلغة في تاريخ أئمة اللغة (3) ، وقد طبع أيضاً من كتبه: تحفة الأبيه فيمن نسب لغير أبيه، وتنوير المقباس في تفسير ابن عباس وكذلك سفر السعادة، في الحديث والسيرة النبوية بمصر (4) 1346ه.
الحواشي
1, مقدمة الطبعة الأولى.
2, طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية لجنة إحياء التراث الإسلامي بتحقيق الأستاذ محمد علي النجار في القاهرة 1384ه / 1964م في ستة أجزاء.
3, طبعته وزارة الثقافة والإرشاد القومي إحياء التراث القديم بتحقيق الأستاذ محمد المصري في دمشق 1392ه/1972م في جزء واحد.
4, انظر البلغة في تاريخ أئمة اللغة 15 من المقدمة .
أستاذ مشارك جامعة الملك سعود كلية الآداب قسم اللغة العربية
|
|
|
|
|