| مقـالات
تناولت الحلقة الأولى من هذه القراءةبعض الملحوظات على ما ورد في مقدمة كتاب تاريخ قبيلة العجمان,, والفصل الأول منه, وتستمر القراءة لإبداء ملحوظات أخرى بدءا بالفصل الثاني المشتمل على سبع وعشرين صفحة والمعنون حلول العجمان في نجد وعلاقتهم بالدولة السعودية الأولى.
بدأ هذا الفصل بتكرار ما سبق ان ذكر عن وصول العجمان إلى نجد حوالي سنة 1130ه، ثم بذكر ما حدث من مواجهة بينهم وبين قادة الدولة السعودية الأولى، ثم بالحديث عن دخولهم تحت لواء هذه الدولة ودورهم في مساعدتها؛ هجوماً على خصومها ودفاعاً عنها, على ان الفصل لم يقتصر على تناول ما يدل عليه عنوانه؛ بل تحدث في آخره عن وصول العجمان إلى الأحساء واستقرارهم بها؛ وهو أمر لم تقع بعض حوادثه إلا بعد نهاية الدولة السعودية الأولى.
قيل (ص29):
إن عبدالعزيز بن محمد بن سعود علم وهو عائد من غزوته,, على سدير بأن جماعة من قبيلة العجمان تجاوزت على فريق من قبيلة سبيع التي دخلت في سلك الدعوة,, وقتلت منهم عدداً كبيراً، فدخل عبدالعزيز بن محمد في المعركة وقتل من العجمان خمسين رجلاً .
ومما يلحظ على الكلام السابق ان كلا من ابن غنام وابن بشر، وهما المصدران القريبان من اجواء تلك الحادثة، زمنا وصلة بقادة الدولة السعودية الأولى، لم يذكرا حدوث قتل عدد لا قليل ولا كثير لرجال من قبيلة سبيع على أيدي العجمان، وإنما ذكرا ان العجمان أخذوا فريقا من سبيع, وكلمة اخذوا لا تعني القتل, أما الفاخري, الذي قد يوهم إيراده في هامش الكتاب انه قد ذكر ذلك، فإنه لم يشر إطلاقا إلى ما وقع من العجمان على سبيع، لا أخذا ولا قتلاً، وإنما أشار فقط إلى قتل عبدالعزيز بن محمد لخمسين رجلاً من العجمان وأسره لمئتين وثلاثين منهم في مكان يقال له: قدلة.
وقيل (ص 29 30 ): إن الحسين (وصحة الاسم حسن) بن هبة الله المكرمي تربطه مع العجمان صلة النسب .
ومن المعروف ان هذا غير دقيق، وإنما توجد صلة نسب بين العجمان وبين قبائل يام التابعة للمكرمي حينذاك.
وقيل (ص31):
يبدو ان الهجوم المتكرر من حماة الدعوة السلفية على العجمان وغيرهم بهدف توسيع نطاق الدعوة دفعت العجمان إلى اللجوء مرة أخرى إلى رئيس نجران وطلب المساعدة منه, فلبى رئيس نجران الطلب، ودارت بعض المعارك في حائر (وصحتها الحائر)، ثم ضرمى .
وقد أشير في هامش تلك الصفحة وهامش الصفحة التالية لها أنه قد اعتمد في ذلك على ابن غنام وابن بشر, وما قيل، هنا، يفيد بأن سبب مجيء رئيس نجران إلى نجد عام 1189ه كان لجوء العجمان إليه وطلبهم المساعدة منه, فماذا قال كل من ابن غنام وابن بشر حقيقة؟
قال ابن غنام (ج2، ص88) ما ملخصه:
إن زيد بن زامل، رئيس الدلم، لما عجز عن مقاومة قادة الدولة السعودية، عام 1188ه، استنجد برئيس نجران، وإن ذلك الرئيس اشترط عليه أن يدفع إليه أموالا مقابل مساعدته، فالتزم زيد ان يدفع إليه ثلاثين ألف زر مقدما على ان يبعث الرئيس إليه رهائن من أعيان قومه, فلما وصلوا إلى الدلم جد زيد في تحصيل المال من أتباعه حتى كمل لديه,,الخ .
وقال ابن بشر (ج1، ص77) ما ملخصه:
إن زيد بن زامل أرسل إلى زعيم نجران يحثه على المسير لمحاربة الدولة السعودية، فأرسل إليه النجراني يستوضح عن مقدار ما سيبذل له مقابل ذلك، فبذل له ثلاثين ألف زر، وطلب زيد منه رهائن، فأرسل إليه رهائن من رؤساء قومه، فلما قدموا إليه قام زيد في تحصيل المال,, ثم حدث مسير زعيم نجران في السنة التالية (أي عام 1189ه) إلى نجد .
وبذلك يتضح ان سبب قدوم، زعيم نجران بقواته إلى نجد في العام المذكور كان استنجاد زامل بن زامل رئيس الدلم لا العجمان به، وان ذلك القدوم كان مقابل أموال دفعت من هذا الرئيس إلى ذلك الزعيم.
وقيل (ص32):
إن ابن غنام ذكر بأنه نتج عن هجوم سعود بن عبدالعزيز على العجمان في العرمة، سنة 1189ه، قتال شديد قتل فيه من الفريقين رجال، وإن ما ذكره يختلف عن قول ابن بشر الذي يفيد بأن العجمان قد هزموا وانه لم تقم لهم قائمة بعد ذلك.
والذي يرجع إلى ابن بشر (ج1، ص80) يجد أن كلامه لم يختلف جوهرا عن كلام ابن غنام لأن أغلب ما ذكره في تاريخه عن الدولة السعودية الأولى قد اعتمد فيه على سلفه, فقد قال ابن بشر عن هجوم سعود على العجمان في العرمة ما يأتي:
خرج سعود بالمسلمين، وعمد إلى ضرما، فأقام فيها أياما، ثم أغار على فرقان من أهل الجنوب (العجمان) في العرمة، وجرى بينهم طعان، وقتل من الفريقين رجال .
وعبارة ابن بشر وتفرق العجمان بعدها ولا قام لهم قائمة إنما قالها هذا المؤرخ بعد أن تحدث عن هزيمة النجراني وحلفائه في ضرما وتفرق من انضموا إليه ومنهم العجمان، ولم يقلها عند ذكره للمواجهة بين العجمان وسعود في العرمة، وبذلك يتبين اتفاق كل من ابن غنام وابن بشر جوهراً حول ما حدث في العرمة، وأن ما قيل عن اختلافها في ذلك قول غير دقيق, ولقد اجتهد في الرد على عبارة ابن بشر ولا قام لهم بعدها قائمة , وقيل: إن هذا غير صحيح بدليل بقاء العجمان أقوياء, ويبدو انه قد غاب عمن قال هذا القول ان ابن بشر قصد من عبارته التعبير عن أن العجمان بعد سنة 1189ه لم يعودوا يمثلون خطرا على الدولة السعودية الأولى التي كان الحديث يدور حولها,, ولم يقصدا انه لم تقم لهم قائمة إلى الأبد.
قيل (ص32):
إن عبدالعزيز بن محمد بن سعود حارب من لم يخضع لدولته من القبائل؛ ومنها العجمان وآل مرة مما أدى إلى استمرار المناوشات بين الفريقين منذ عام 1191ه حتى عام 1197ه .
وأشير في الهامش إلى انه قد اعتمد في ذلك على ابن غنام (ص 143 158).
وبالرجوع إلى ابن غنام في الموضعين المذكورين يتضح انه لم يرد فيهما ذكر للعجمان، بل إن المتتبع لابن غنام وابن بشر والفاخري من سنة 1190ه إلى سنة 1200ه لا يجد أي ذكر لمواجهة بين العجمان وقادة الدولة السعودية الأولى, ولعل إدراك العجمان لقوة هذه الدولة؛ وبخاصة بعد فشل حملة زعيم نجران الثانية، سنة 1189ه، أمام أتباعها في ضرما، ثم ما حققته من انتصارات تالية، كان من أسباب تفاديهم لأي وقوف ضدها, ولقد تأكدت قوة الدولة السعودية بعد توحيدها لمناطق نجد وبداية مساعيها لتوحيد منطقة الأحساء معها في بداية القرن الثالث عشر.
وإذا كان العجمان قد أدركوا قوة تلك الدولة بعد سنة 1189ه فإن ما ذكر من تأكد قوتها في مستهل القرن الثالث عشر الهجري كان على الأرجح من بين الأسباب التي أقنعتهم بأن يكونوا من بين القبائل التي انضوت تحت لوائها.
ويضاف إلى هذا السبب بطبيعة الحال أسباب أخرى؛ ومنها رجحان أنهم قد اقتنعوا بصحة الأسس التي قامت عليها الدولة السعودية.
قيل (ص33):
إن العجمان كانوا مع سعود بن عبدالعزيز بن محمد في فتح حائل سنة 1306ه , وأشير في الهامش إلى انه قد اعتمد في ذلك على ابن غانم (وهذا خطأ مطبعي، صحته ابن غنام).
وبالرجوع إلى ابن غنام في الموضع الذي أشير إلى انه ذكر الحادثة فيه يتبين أنه لم يقل ذلك.
وأي ملم بتاريخ الدولة السعودية الأولى يعلم أن بلدة حائل ومعها بلدان جبل شمر قد دخلت تحت الحكم السعودي عام 1201ه على يد الأمير حجيلان بن حمد امير القصيم, وقد أوضح ذلك كل من ابن غنام (ج2، ص130) وابن بشر (ج1،ص99100), وأصبح الأمير محمد بن علي أميراً على تلك المنطقة من قبل آل سعود من دخولها تحت حكمهم في التاريخ المذكور حتى قتله غدراً على أيدي قادة قوات محمد علي باشا سنة 1234ه, وكان، رحمه الله، من أعظم أمراء الدولة السعودية الأولى وقادتها الإداريين والحربيين.
وما دام قد أشير إلى غزوة لسعود في ذلك التاريخ فلعل من المناسب إيضاح ما حدث لإيضاح ما إذا كان ما قيل في كتاب تاريخ قبيلة العجمان صحيحاً أو دقيقاً,.
في عام 1205ه نفذ شريف مكة، غالب، أول حملة عسكرية ضد الدولة السعودية الأولى, وعندما توغلت في نجد اعتقدت فيما يبدو فئات من بعض القبائل التي كانت قد دخلت تحت حكم هذه الدولة ان ذلك الشريف سينتصر، فانضمت إليه, وكان من هذه الفئات فئات من شمر ومطير, وبعد أن فشل الشريف في تحقيق مآربه، وانسحب عائداً إلى الحجاز، اجتمعت هذه الفئات من القبيلتين المذكورتين في مكان يقال له العدوة، يبعد عن حائل شرقاً بحوالي سبعين كيلا، متوقعة ان يقوم سعود بإجراء ضدها,, وكان توقعها في محله؛ إذ هاجمها باتباعه من الحاضرة والبادية، وانتصر عليها وقتل من فرسانها سعود المطيري، الذي لقبته المصادر بحصان إبليس؛ ربما لخطره وشجاعته, ثم استنجد المنهزمون بمن حولهم من الأعراب مصممين على الثأر من سعود وأتباعه, وكان في مقدمة فرسان هؤلاء مسلط الجرباء، الذي كان متحمساً للمعركة لدرجة انه نذر ان يجشم فرسه صيوان سعود نفسه، فقتل دون تحقيق هدفه.
ولكن سعوداً ومن معه انتصروا على خصومهم مرة أخرى، وغنموا منهم غنائم كثيرة قدرها ابن غنام بأكثر من ستة آلاف بعير ومئة ألف من الغنم، وقدرها ابن بشر بأكثر من أحد عشر ألفا من الإبل ومئة ألف من الغنم, ومع أن هذين المصدرين قد ذكرا انه كان مع سعود أتباعه من الحاضرة والبادية؛ مما لا ينفي ان يكون العجمان من بين هذه البادية، فإنهما لم ينصا على ان العجمان كانوا فعلاً معه.
وكان من نتائج معركة العدوة مغادرة مطلق الجرباء، والد مسلط الذي قتل في تلك المعركة وأتباعه شمالي نجد إلى العراق، حيث استقروا فيما بعد بمنطقة الجزيرة العراقية, أما فئات مطير فإنها بقيت وظلت زمنا هدفا لهجمات سعود.
ففي السنة التالية؛ أي سنة 1206ه، كانت مع فئات من حرب هاجمها على مورد الشقرة قرب جبل شمر، وانتصر عليها, ومع احتمال ان العجمان كانوا معه فإن كلا من ابن غنام وابن بشر لم ينصا على انهم كانوا من بين قواته فعلاً, وعلى هذا فإن ما قيل عن اشتراكهم مع قوات سعود في تلك المعركة يحتاج إلى إثبات من المصادر.
وإلى اللقاء في حلقة أخرى إن شاء الله
|
|
|
|
|