| مقـالات
في اطار التفكير الاستراتيجي لمجلس الشورى في القضايا والمسائل العامة للمجتمع والدولة، كنت قد قرأت اتجاه المجلس للتوصية باعادة هيكلة المؤسسات الاعلامية بما يحقق متطلبات التقنية ويتواكب مع متغيرات الظرف المحلي والدولي,, وهذا اتجاه صائب نحو عمليات اعادة البناء المؤسسي التي بدأها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد يحفظه الله مع مطلع التسعينيات وأكد خلالها على أهمية تحديث الأنظمة واللوائح بما يتفق ويتمشى مع المستجدات العالمية والنمو والوعي العام الذي وصلت له الأجهزة والادارات وبما يحقق طموحات وتطلعات الأبناء المخلصين لهذه البلاد الغالية.
وهكذا شرع مجلس الشورى في اعادة التفكير في كثير من أنظمة الدولة ولوائحها وعلاقاتها بالمؤسسات والادارات الأخرى وبكافة من يتم التعامل معهم على مستويات رسمية أو اجتماعية,, وفي هذا الاتجاه تدارس المجلس مسألة التطوير الذي يجب أن تباشر فيه أجهزة الاعلام الرئيسية في المملكة,, بما في ذلك الاذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء السعودية,, وفيما يظهر ان هناك اتجاها لتحول هذه الأجهزة بشكل أو آخر الى مؤسسات عامة,, تتحرر خلالها الأجهزة من تعقيدات العمل الروتيني للأجهزة والادارات الحكومية,, وعلى الرغم من أهمية هذا الاتجاه الا انه يظل مرحلة واحدة من مجموعة مراحل نحتاجها لتطوير أداء ومسؤوليات الأجهزة الاعلامية في المملكة.
ويصب هذا التوجه في رؤية وتفكير طالما راودا الأكاديميين الاعلاميين السعوديين عبر دراسات وأبحاث وندوات ولقاءات، حيث يرتكز في وعيهم ويلتصق بذاكرتهم وتتشبع بمعارفهم رؤى ونظريات تسعى الى تطوير الأجهزة الاعلامية السعودية واعادة بنائها بما يتوافق مع خصوصية المجتمع وثوابته الأساسية ويلبي في نفس الوقت احتياجات المتلقي سواء كان سعوديا أو عربيا أو مسلما أو أجنبيا,, وعلى الرغم من حدوث تطور كبير في شكل ومضمون الرسالة الاعلامية السعودية الجديدة الا انه ما يزال هناك متسع من المساحة والامكانات لمزيد من النجاحات والتطور بما يخدم الأهداف والمصلحة العليا للمجتمع السعودي.
ولا شك ان جهاز التلفزيون في أي مجتمع يعكس ما يدور في ذلك المجتمع من قضايا وفعاليات وقيم واتجاهات تمثل فئات المجتمع ومؤسساته المختلفة,, ولهذا فأهمية التلفزيون لا يختلف عليها اثنان ,,فمحورية الصوت والصورة لهما جاذبية كبرى لدى المشاهد وتأثيرهما المؤكد على التصاق المواقف والتفاعل مع الأحداث وبناءات الصورة الذهنية.
ويعد التلفزيون السعودي جهازا رسميا صرفا بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وذلك نتيجة ارتباطه الاداري كمؤسسة حكومية بعدد من الادارات الداخلية بوزارة الاعلام أو لارتباط وزارة الاعلام ذاتها بقطاعات حكومية مختلفة ضمن هيكل حكومي كبير يتطلبه العمل الحكومي في أي مجتمع,, كما ان الرسمية التي يعمل من خلالها هذا الجهاز تفرض عليه قيودا ومساحات محدودة للحركة لا تلبي المهنية الاعلامية التي تتطلبها الأحداث والمواقف,, فمن الصعوبة بمكان الانعتاق من هيكل الأداء الحالي وبناء توجهات جديدة داخل جهاز التلفزيون تواكب النقلة النوعية التي أخذت تدب في كل ادارة ومرفق من الادارات الحكومية وهيئات القطاع الخاص، وذلك في ظل ظروف البناءات والتجسدات البيروقراطية الحكومية لهذا الجهاز الاعلامي الهام.
ومن هنا فإننا أمام هذه المعادلة الصعبة التي يجب من خلالها ان يوائم التلفزيون بين المحلي والدولي، بين القضايا الهامة والموضوعات المتأنية، بين الوجه الخارجي والوجه الداخلي، بين الأحداث والمتابعات الحية وبين الموضوعات الاعتيادية,, نحتاج الى وقفة نوعية أمام هذا الجهاز,, نعمل من خلالها على وضع تصور جديد لكيفية أداء وعمل ووظيفة التلفزيون السعودي في ظروف تقنية اتصالية متقدمة جدا، وأمام تنافس واسع مع الفضائيات العربية والدولية.
وبناء على ما تقدم فإن المعادلة الصعبة يمكن أن تتحقق من خلال اعادة هيكلة جهاز التلفزيون السعودي بما يحتويه من ادارات وأقسام ووحدات الى قناتين أحداهما محلية والأخرى فضائية,, فالوضعية الحالية والصيغ المتاحة حاليا من البرامج عبر شاشة التلفزيون تكون مرشحة لأن تمثل القناة المحلية للتلفزيون السعودي,, ولكن القناة الفضائية الجديدة تحتاج الى بناء وهيكلة برامجية جديدة ترتقي بمكانة وسمعة ودور المملكة الى الجماهير العربية والاسلامية الخارجية,, وتلبي احتياجات المشاهد في زحمة القنوات العربية والدولية,, وفي هذا الاطار يمكن أن نصل الى رؤية وقناعات تضع الخطوط وترسم الحدود الفاصلة بين مضامين القناتين، وفق أربعة تقسيمات من الأحداث والموضوعات والاهتمامات التي تحتاج ان تتأسس عليها فكرة البرامج والتطوير الجديدة.
1 فهناك المحلي الذي يظل محليا.
2 وهناك المحلي الذي نريده خارجيا.
3 وهناك الدولي الذي نسمح به محليا.
4 وهناك الدولي الذي نريده دوليا.
وفي ضوء هذه المعادلة نبني صورة جديدة لاعلامنا تواكب تطلعاتنا وطموحاتنا,, وتحقق مكانتنا التي نصبو اليها وريادتنا التي تفرضها ظروف الدور والمكانة التي تحتلها المملكة في الساحات العربية والاسلامية والدولية.
ولكن المهم في هذه المعادلة أن تتأسس صيغ جديدة غير تلك التي ترسخت لدينا عن التلفزيون السعودي، ومن تلك الأسس التي يحتاجها التلفزيون في عصره الفضائي الحقيقي أن نقفز الى الأحداث المحلية والدولية ونتابعها أولا بأول، لا أن ننتظر حتى تأتي الينا عبر قنوات ادارية روتينية,, فليس من المعقول على سبيل المثال ان تتابع القنوات الفضائية العربية والدولية أحداث الطائرة السعودية المخطوفة وهي في الأجواء، وقبل أن تحط على الأرض وبرامج التلفزيون لدينا تتابع برامجها الاعتيادية، وفي نطاقات محلية بحتة جدا مدير مدرسة يشخص علاقة معلم بطالب ,, ولا يعقل أن تتناقل الفضائيات تصريحات صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز حول نفس الموضوع وهو الحدث الساخن في المنطقة، بينما تتواصل برامجنا الاعتيادية في التلفزيون دون أدنى تغيير.
ولا شك ان معادلة القناة المحلية الحالية رغم بثها الفضائي لا تلبي احتياجات الاعلام الخارجي للمملكة ولا الصورة التي ينبغي أن يظهر بها اعلامنا محليا ودوليا,, ولكن وجود قناة فضائية جديدة سيكون خطوة نوعية نحو تطوير مفاهيم الاعلام السعودي,, ولكن نود تأكيد أهمية أن تكون هذه القناة الجديدة بصلاحيات أوسع وادارة ذاتية وفق مهنية العمل الاعلامي المطلوب، أي بما يمكن أن نطلق عليه صلاحيات فضائية للقائمين على هذا المشروع الاعلامي,, وتكون هذه القناة حديثة الطابع، فورية المتابعة، وذات ادارة مستقلة عن أدوات المعلومات التقليدية التي تتغذى عليها وسائل الاعلام المحلية في الوضعية الراهنة,, ولكن على الرغم من ذلك تحتاج هذه القناة الى وضع أسس وقواعد للعمل تكفل من خلالها آليات دقيقة وواضحة في صناعة الخبر وهندسة الرأي,, وتعمل هذه القناة بهامش حركة ومساحات مناورة أوسع وأفسح من المتاح لقناة محلية معنية بشكل خاص بالشأن المحلي.
|
|
|
|
|