| الاخيــرة
قرأت وسمعت في أكثر من مناسبة مقالات ومقولات تتحدث عن الاعاقة: قضية وحقوقا, حمل بعضها الدعوة الملحة للاهتمام بالمعاق، وتلبية طموحاته، مادية وفنية وانسانية، ولم يخل البعض الآخر من غلو في الحديث عن خصوصية المعاق، ومنحه العديد من الامتيازات، تجسيدا لتلك الخصوصية، ومنها اقتراح بتخفيض نصاب دوام الموظف المعاق الى خمس ساعات يوميا.
وأود أن أؤكد في هذا الصدد انني من أشد المهتمين بموضوع الاعاقة، علة وعلاجا، ومن أشد المؤيدين لجهود التصدي لها، رصدا ووقاية, لكني في الوقت ذاته من أشد المتحفظين على فكرة سلخ المعاق من منظومة المجتمع، والغلو في الدعوة الى ذلك، باسم خصوصيته، أو باسم الرأفة به والحماس له، هذا لا يتنافى اطلاقا مع منحه الامتيازات الممكنة والمشروعة، مادية ومعنوية بما يتلاءم مع أوضاعه.
وأود أن أعزز هذه المداخلة بما يلي.
أولا: لا أحد ينكر البعد الانساني والاجتماعي للاعاقة، وحق من ابتلي بها في الدعم والرعاية، على الصعيدين الأهلي والرسمي، والقول بغير هذا عقوق للوطن، لأن المعاق جزء ثمين في التركيبة الانسانية لهذا الوطن، وابتلاؤه بالاعاقة ليس سببا في حرمانه مما يتمتع به اخوانه الأسوياء,, ناهيك بما يمكن ان يمنح هو أو هي من استثناءات معينة تذلل اعاقته، وتعينه عليها.
ثانيا: لكنني، في الوقت نفسه، أزعم ان هناك شيئا من غلو في بعض ما يكتب أو يقال بعض الأحيان عن كيفية التعامل مع المعاق، كالقول مثلا بأن المعاق لا يجد عونا من الجهات الرسمية المعنية به! هنا لن أترافع عن هذه الجهات نيابة عنها، فهي تملك ناصية الحديث عن نفسها، دفعا ودفاعا، واكتفي بالاشارة الى ان هناك اهتماما مكثفا بالاعاقة على المستويين الرسمي والأهلي، والشواهد على ذلك كثيرة، فالدولة رعاها الله، ممثلة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، معنية بالمعاق، ساهرة على أمره، حريصة عليه، واذا كانت الخدمة الرسمية للمعاق لم تبلغ بعد النصاب المنشود لها: جودة وفاعلية وانتشارا، فان هذا ليس مسوغا لسحب الثقة من هذا الخدمة، أو الظن في صانعيها ظن السوء، والكل يعلم من قبل ومن بعد أن التعامل مع المعاق، بالغا كان أو يافعا، أمر تحكمه ضوابط فنية وانسانية واجتماعية معقدة لا يدرك صعوبتها الا من تعامل مع معاق، أو عمل من أجله!
ثالثا: على صعيد آخر، أحسب أن من الجحود ونكران الجميل تجاهل ما يبذله أهل البر، أفرادا وجماعات ومؤسسات أهلية، من جهود ومبادرات قيمة لمصلحة المعاق، علاجا ووقاية وتأهيلا، ويأتي اسم جمعية الأطفال المعاقين شاهدا مشرفا لهذه الجهود، إذ لم يقتصر عطاؤها على مدينة الرياض، بل امتد غربا وشمالا ضمن هذا الكيان الكبير، وكانت هذه الجمعية ولم تزل قدوة حسنة في هذا السبيل.
رابعاً: وهناك أمثلة أخرى مشرفة من العمل الأهلي لخدمة المعاق في أكثر من مكان من المملكة يلتمس أصحابها من خلالها الثواب من عند الله، وقد يكون الجهل بهذه المبادرات أحيانا، ناجما عن رغبة أصحابها في عدم الاعلان عنها، كي تكون خالصة لوجهه الكريم, ويذكر في هذا السياق مركز العون بمدينة جدة تلك المبرة الانسانية الكبيرة التي انشأها الفقيد الراحل، الشيخ أحمد الجفالي رحمه الله قبل نحو عقدين من الزمن، ثم رعاها آله الكرام من بعده لتزداد قوة وتألقا: مكانا ومكانة!
خامساً: اذا كان لبعض المعاقين شكوى تمس معادلة التعامل معهم في بعض الأماكن بعض الأوقات، فهذا أمر وارد، واذا كانت الشكوى نفسها تعبيرا عن الطموح لبلوغ مستوى أفضل من الأداء في خدمة المعاق، على الصعيدين الرسمي والأهلي، فأمر آخر لا عيب فيه، ولا تثريب على فاعله، فكل خدمة تؤدى,, وكل جهد يبذل لصالح المواطن، معاقا كان أو سويا، لا يمكن ان يتنزه أو يزكى من شوائب، ظاهرة وباطنة، ولكل من أولئك وهؤلاء الحق في التطلع الى ما هو أفضل، كما ونوعا، لكن العتب كل العتب على من يوظف الشعور بعدم الرضى الجزئي لنسف الجهود المخلصة أو تهميشها، حتى لو عانت قدرا من القصور غير المقصود، لأسباب مالية أو فنية أو ادارية!
سادساً: ان الغلو في الحديث عن خصوصية المعاق في بلادنا، والاسراف في المطالبة باستثنائه من أمور كثيرة، مسألة قد لا يكون فيها مصلحة للمعاق نفسه، بل أزعم ان في ذلك تكريسا لإعاقته، في الوقت الذي نتحدث عبر منابرنا المسموعة والمقروءة عن أهمية دمج المعاق ضمن معادلة الحياة العادية، والتعامل مع اعاقته على انها حدث طارىء، لا يصادر من المعاق حقوقه وواجباته المشروعة تجاه نفسه ووطنه، تعادلا مع كفة الأسوياء من البشر!
أخيرا أقول: لا تظلموا المعاق غلوّاً من أجله، لأن ذلك يوازي التقصير في التعامل معه!
|
|
|
|
|