في مقاليّ السابقين واللذين كان موضوعهما عن الانتفاضة المباركة في ساحة الأقصى,, أشرت إلى ان واقع العرب والمسلمين لايشجع على المواجهة العسكرية مع (إسرائيل) حتى يستوفوا كامل شروط النصر على إسرائيل,.
وان هذا لن يتم حتى يطبقوا مضمون قوله تعالى (ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم),, وعندها سيكون النصر حليفهم بإذن الله,.
وكانت الأنظار اتجهت نحو القمة العربية التي عقدت قبل اسبوع,, والتي لم يكن هناك تفاؤل كبير حول نتائجها,, حيث كان المتشائمون يتوقعون ان تكتفي القمة كالعادة بقصف (إسرائيل) ب صواريخ (شجب) وقنابل (استنكار),.
ولكن وان كنا نتفق مع ليونة القرارات التي تبنتها القمة,, إلا انه من العدل ان ينظر إلى مواقف كل دولة بحدة,, لان هذه الدول اتخذت مواقف متباينة فيما بينها بحسب توجهاتها,, رغم ان البيان الختامي للقمة حدد بشكل عام الخطوط الرئيسية لما تم عليه الاتفاق بين دول القمة حول احداث الانتفاضة وكيفية الوقوف بجانبها ودعمها,,.
فلو قسنا موقف المملكة في هذه القمة مقارنة بمواقف الدول الأخرى لوجدنا ان موقفها هو الموقف الأكثر التزاماً وفاعلية ومواكباً لواقع العالم العربي غير المشجع للدخول في مواجهة عسكرية مع إسرائيل,.
فالمملكة مع الدعم المادي للانتفاضة دعت وطالبت باتخاذ مواقف قوية تجاه إسرائيل,, ولم يكن مطلوباً من المملكة ان تتبنى خيار الحرب,.
لأن واقع الأمة العربية الآن لايشجع للدخول في حرب (جيوش) مع إسرائيل,, ولكن يمكن استنزافها بحرب العصابات والمقاومة الشعبية,.
كما أن اعلان الحرب هو قرار جمعي لا يمكن ان تنفرد به دولة عن أخرى,, فإذا كانت اكبر دولة مواجهة لإسرائيل لاترغب في مواجهة عسكرية ولاترى جدوى منها فإن تبنِّي اعلان الحرب هو قرار لا معنى له,.
ولكن في المقابل دعت المملكة إلى تبنِّي موقف لو طبق,, لكان هو أقسى وأشد على (إسرائيل) من الحرب,, وهو مقاطعة (إسرائيل) وقطع كل الصلات بها,.
فقد قال سمو ولي العهد ورئيس وفد المملكة إلى القمة في كلمته,.
(في مقابل هذا المسلك الإسرائيلي والعجز الدولي عن احتوائه ولجمه فمن الطبيعي ان يتم التوقف عن إقامة أية علاقات مع إسرائيل وإلغاء أي نوع من العلاقات أو الصلات التي نشأت في ظل عملية السلام التي استهانت إسرائيل بكل متطلباتها واننا نرى ضرورة ربط أي استئناف لهذه العلاقات بإحراز إنجاز حقيقي ليس فقط على المسار الفلسطيني بل وكافة مسارات هذه العملية),.
فلو قطعت العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية وجميع اشكال التعاون مع الدويلة العبرية,, فهذا سيلحق بها افدح واكبر الخسائر الاقتصادية,, حتى بدون اعلان حرب,.
لأن (اسرائيل) نبتة شيطانية مزروعة في محيط عربي وإذا تمت محاصرتها من هذا المحيط فستضمحل وتذوب,, فقد كان الحد الأدنى من خسائر إسرائيل جراء المقاطعة العربية حتى عام 1990م اكثر من (45 مليار) دولار,, وهو رقم ليس مفاجئا,, فتخيل مثلا الخطوط الجوية الإسرائيلية (العال) لو اغلقت في وجهها الأجواء العربية كم من الخسائر سيلحق بها, لهذا فمن المتوقع ان (إسرائيل) هي من سيبادر إلى شن الحرب لكسر هذه العزلة والحصار (لو تمت ) ,, وهنا ستضطر الدول العربية للدخول مجبرة في الحرب لحماية نفسها من العدوان,.
فإذا لم يكن من الموت بد
فمن العار أن تموت جبانا,.
أما الذين تبنوا فكرة الحرب ابتداء,, فقد قلنا انها لاتعدو ان تكون مواقف مصطنعة وبطولات وهمية,, وأولى خطوات الحرب لدى المهيب صدام حسين هي مطالبته للشعوب العربية لإسقاط قادتها!,, ثم الخروج اليومي للغوغاء للهتاف,, ( ياصدام يا حبيب ,, اضرب اضرب تل أبيب) ,, وفعلا فالصواريخ الكلامية تدك كل يوم تل أبيب حتى جعلتها خرابا يبابا,, ينعق على اطلالها البوم والغربان,, ولاتطلبوا اكثر من هذه الصواريخ ف (كل ميسر لما خلق له),.
أما الرئيس الآخر فقد طالب بإعلان الحرب على إسرائيل,, ثم دعم الصرب بمليون دولار,, أما انتفاضة الأقصى فلم تحظ منه حتى بدولار واحد,.
ثم وصلت مزايدات الغوغاء إلى (النفط),.
هذا النفط الذي لم يتركوا أي نقيصة أو معرة إلا ألصقوها به,, وجعلوا وجوده في منطقة الخليج والجزيرة العربية,, مسبة وعارا لدول المنطقة!,.
وجعلوا منه المشجب الذي تعلق عليه مصائب ومشاكل العالم العربي,.
متجاهلين أنه النفط الذي ظهرت عوائده ووصلت آثاره إلى كل شبر في العالم العربي,, ولكنه أصبح كالشعير (مأكول مذموم),.
فهذا النفط المنبوذ لديهم,, أصبح الآن مهماً ,, وذا قيمة يعتد بها وسلاحا فعالاً,.
فالذين يدعون لقطع النفط عن الغرب,, يريدون ان يقحموه في مواجهة غير متكافئة,, ويرغبون في المزايدة عليه ليصبح كبش فداء,.
فهم يريدون ان تصبح الدول النفطية في فوهة المدفع,, فإذا كان ارتفاع سعر النفط لعدة دولارات عرضها لتلك الضغوط الرهيبة,, فماذا سيحدث لو تم ايقاف تصديره,.
ان قرار قطع النفط قرار كبير وخطير,, ويوازي قرار اعلان حرب,.
وظروف قرار قطع النفط عام 73م والذي كان بطله الملك فيصل رحمه الله غير متوافرة حالياً ,, فقد كان ذلك القرار متوازياً مع اعلان الحرب ودخول امريكا كطرف رئيس بالحرب بإقامتها جسراً جوياً لإمداد (إسرائيل) بالسلاح والعتاد,.
ثم هؤلاء المتحمسون لو كانوا مخلصين وصادقين في دعواتهم لقطع النفط,, لماذا لم يدعوا بلدانهم والبلدان العربية الأخرى إلى قطع أو تجميد العلاقات الاقتصادية مع الدول الداعمة لإسرائيل,, وجميعها لديها مبادلات اقتصادية ضخمة مع الولايات المتحدة ,, وبعضها من سلعة النفط نفسها,.
فهل الدول العربية الأخرى مستعدة لاتخاذ قرارات تعادل قرار قطع النفط,, مثل اعلان الحرب,, أو تجميد العلاقات الاقتصادية مع الغرب,, لايبدو ذلك,.
إن الدول النفطية وعلى رأسها المملكة لديها مبرراتها لو ارادت قطع النفط ولديها مبررات أكثر وجاهة في عدم قطعه,.
فإضافة إلى المبررات السابقة,, فإن كثيرا من دول العالم ستتضرر من ايقاف النفط حتى التي لها مواقف جيدة بالنسبة لقضية فلسطين,, وقطع النفط سيجعلها تتخذ موقفاً سلبياً تجاه القضية,.
ثم كيف سيتم دعم ابطال الانتفاضة وأسرهم والشهداء والجرحى,, وتغذية الحرب لو نشبت,, إذا أوقف النفط وعائداته؟؟
واعتقد أن أفضل موقف يتخذ الآن,, هو إبقاء (إسرائيل) في وضع اللاسلم واللاحرب,, ك (المعلقة),, فهذا الوضع هو الذي يخيف إسرائيل,.
حتى يصلح العالم الإسلامي والعربي من شأنه ويغير واقعه ويعود إلى ربه,, ليصبحوا مؤهلين لمناجزة اليهود ودحرهم,,قال تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
alhenaky@yahoo.com
|