| مقـالات
مرت على أمتنا في العصر القرن ال20 الميلادي مرحلة من أخطر مراحل حياتها, وتلك هي ما سميت قضية فلسطين وهي فعلا قضية, قضية صراع ووجود لا حدود, ليست وجودا استيطانيا لكنها قضية عقيدة, ففلسطين قبلة الاسلام, وثالث الحرمين وثاني المساجد التي أوجدها الله جل وعلا في الأرض ثم هي الأرض المباركة التي أسري اليها بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام من مكة المكرمة ثم منها الى مدارج السموات ليريه ربنا من آياته من يرى.
فلسطين أيها الأجيال المغيبون عن قضية أمتكم هي أرض النبوة والأنبياء وهي الأرض المباركة التي وصفها الله سبحانه بالأرض المقدسة والتي بارك حولها, لقد توالت النكبات والمؤامرات على هذه الأرض منذ أمد بعيد بسبب استخلاف الله المسلمين لعمارتها بالاستسلام لله وتوحيده بالعبادة, وتبادل الصليبيون الأدوار لحرب الاسلام الدين والانسان والحضارة, ومنذ أكثر من قرنين كان الحقد الصليبي في أعلى صوره بدءا من نابليون الفرنسي لحسابات استعمارية هو من أوائل المنادين بتهجير اليهود الى فلسطين لإقامة عازل شيطاني بين مصر والشام مركز القوة للاسلام والخلافة العثمانية, وبسبب العداء الانجليزي لنابليون حطمت انجلترا نابليون لكنها تبنت فكره ومراده وقامت بالدور وأعلنت قيام وطن قومي لليهود وأعلنت حمياتها ورعايتها لليهودية الصهيونية, وهكذا توالت الطعنات وتبودلت الأدوار وحلت الولايات المتحدة الأمريكية محل بريطانيا, لكن الأمل بنصر الله لا يغيب ولا يخيب وهو من الناصرين لله فرج قريب.
لقد وجدت بين أوراقي قصيدة جميلة ومؤثرة عمر هذه القصيدة لدي أكثر من عشرين عاما أهداها لي زميل دراسة في أمريكا اسمه فيما أظن أحمد الزبر من الكويت وهي للشاعر د, محمد العاني جامعة الامارات آنذاك, ولقد وجدت ان ما يدوي من أصوات الغضب الحق من أهلنا في كل أرض الاسلام في العالم وفي فلسطين قد أحدث دويا باليقظة والانتباه لقضية أمتنا في صراعها مع البغي والظلم وأعتبر هذه القصيدة مشعل إيقاظ لأجيالنا المغيبين تاريخيا وإعلاميا, وهنا الرحلة الفكرية مع القصيدة:
ووقفت أحمل في يدي نصف حقيبة
عند حد صنعته يد أخ وغريبة
عند حد عربي ويكنى بالعروبة
رفع الشرطي رأسه
لم أكد أسمع همسه
قال لي: أين الجواز؟
قلت لا أفقه ما تسأل عن أي جواز
قال وا سخفك من دون احتراز
جئت تبغي حدنا هذا دون احتراز
في الدنا يا صاح من يعبر من غير جواز؟
قلت إلا أنا
هكذا أمري أنا
ليس غيري في الدنى هذي العجيبة
من يسمون أراضيه التي بيعت سليبة
من يكنون بلادا خانها الأهل حبيبة
وهكذا هي الصورة لدى أجيال النكبة عن الفلسطينيين؛ ليس بمنظورهم ولكن بعيون الأجيال التي اكتوت بنار الهزيمة، والتي ناضلت بالمال والنفس من أجدادنا وآبائنا في الحروب عام 1948م؛ 1967م؛ 1973م وغيرها.
رفع الشرطي رأسه
قال لا تكثر ومن أنت وقل لي ما تريد
ما اسمك عنوانك رقم الدار صندوق البريد
قلت اسمع:
هذه أوصاف من كان له بيت مشيد
هذه أسماء لا يعرفها مثلي شريد
أنا لاجئ وابن لاجئ
وحسب حقوق الانسان في عالم الديموقراطية الغربي فان اللاجئين لهم نظم وحقوق وكرامة الا المسلمين والفلسطينيين فحقوقهم في مخيمات غوث وحقارة:
وأخي يحمل صحنا خلف طابور الوكالة
ولي ابن انس اللعب بصندوق الزبالة
أنا لا أملك بيت
أنا لا أملك عنوانا ولا بئرا لزيت
أنا لا أملك رقما لهوية
أنا لا أملك في الأصل هوية
ليس كرها في الهوية
بل لأني منذ خلقت، بل لأني منذ نشأت
لم أجد من يعطني تلك الهوية
رفع الشرطي رأسه
قال لا تطنب وقد حذرت ان آتي السياسة
أنا لا أهوى السياسة
علموني بفراسة
مسلك الشرطي لا يأتي السياسة
أو سيأتون برأسه
ولم يذبحنا في عالمنا العربي أكثر من السياسة, لا لأنها كلها تعاسة بل لأن أكثر من تداولوا أمور السياسة من الحكام العرب والمسلمين كانوا أبعد ما يكونون وعيا وفهما للسياسة, حتى الذين انقلبوا على سالفيهم بعد نكبة فلسطين شغلوا الأمة بالذبح والمشانق للرأي الحر والوعي بأمور المسايسة ولو علموا سياسة الخيل الأصيلة لعرفوا كيف يكون السباق لكن شهوة السلطة أعمت البصائر والقلوب, وهكذا استمر وضع قضية فلسطين بيانات وخطابات, ورغم ان الأبيات التالية تتحدث عن مضي ثلاثين عاما فهي مرهونة بتاريخها قبل عشرين عاما, وشواد العصر لا يعني جمالا في المقل:
قلت أسمع: هذه ليست سياسة
هذه قصة أمري والحكاية
قبل أعوام ثلاثين وقد عشت البداية
كنت طفلا يومها يمسك في ذيل أبيه
يشكو الإجهاد والجوع وفقدان أخيه
نمتطي الغربة والمجهول لا نعرف أين
كان كل البيت فوق الرأس صرّة
كان كل البيت أسمالا وإبريقا وجرّة
ثم جاء الجسر والتفتيش خوفا
من حفاة لاجئين
ووقفنا فوق جسر العار جسر اللنبي
بين النازحين
يسألونا إن نكن نرغب في العيش كراما لاجئين
لا تخافوا الجوع والأمطار أو حتى البطالة
فهنا فرع لصندوق الوكالة
أي نعم والله صندوق الوكالة
إنه صندوق غوث اللاجئين
قدمته الأمم الحرة عونا مع خيمة
وحساء كل يوم مع زيتون وجبنة
وهنا خيمة درس إن تريدون الدراسة
كل ما تبغون الا ان تمسون السياسة
فدعونا نحن حكام السياسة
سنحل الأمر بالعقل والفطنة
وإحبول الكياسة
أنت تبقى داخل الخيمة من أجل الحراسة
أنت تبقى داخل الخيمة من غير حماسة
أنت لا تشكو هماً
أنت لا تعرف ضيما
ثم ماذا بعد هذا أيها العالم, أيها العالم الاسلامي العربي، لقد مرت بأمتنا حالة من التخدير, خطابة وأغان من أخي جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفدا, ثم شوارع القدس العتيقة, وها نحارب وربما هذه الأيام ستكون الحرب خليك بالبيت والشاطر يحكي والصبايا العرايا في الفضائيات.
غنهم فيروز لحنا
ستعود القدس يوما
صدقونا انها ليست هزيمة
إنها ليل انتكاسة
صدقونا كل ما في الأمر أعراض انتكاسة
وصبرنا بغباء نأكل العار الدفين
وصمتنا صمت القبر بين الصامتين
وسحقنا بين هول الأمر والحكم اللعين
نتلظى فوق نار الذل والقهر المهين
لمَ كل هذا الصبر أيها الشاعر ومعك الشعب المكلوم لعله صبر رجاء غوث أو موت
أين ذا البحر
أين ذا البحر لكي نلقي به كل اليهود
خوفي ان البحر من الضيق
فلا يكفي كل اليهود
وقرعنا كل طبل
ولبسنا كل ذل
وعبرنا زيف ما سموه زيفا بالحدود
وسمعنا كل مذياع ينادي النازحين
وانتصرنا وانتصرنا قمت أصرخ
أبتي هيا إلى الصخرة نرجع
عادت الأرض إلينا ها هو المذياع فاسمع
قم نصلي ابتي سجدا لله ركع
أبتي
آن أن تزهو وتفرح
آن أن تلهو وتمرح
إننا حقا سنرجع
ها هو المذياع فاسمع
كل هذا كان حلما من خيال فهوى, وكم هو ألم الخيبة من الأحلام التي كانت تتم في اليقظة طوال نصف قرن وهنا بقية القصيدة:
ثم كان الغد
كأسا من أذل الكأس يجرع
قد رجعناوبحق غير أني لوراء كنت ارجع
لم تضع ارضي فسحب إنما ماضاع أفظع
ضفته الحرة راحت
قبلها سيناء ضاعت
وجبال عند جولاني بيعت
كنت أهفو الأمس لاستقبال جيش الفاتحين
فإذا بي وا لذلي اخرج اليوم
بجيش من جديد لاجئين
ولا بد لليل الظلام ان ينجلي ولا يكون الإسفار إلا بطريق الحق انه طريق العودة الى الله، وهنايوم يفرح المؤمن بنصر الله, لقد ادرك جيل من أهلنا في فلسطين ان الجهاد هوالطريق فقامت منظمات للجهاد منذ عام 1965م وبسبب عدم النضج الكامل تاهت المنظمات في ألاعيب السياسة واخطاء الشتات بين الأنظمة والانجراف بدون وعي لخطط المخابرات الصهيونية فوقعت حروب على غرار داحس والغبراء, واليوم أفاق ونضج المجاهدون وطريق العودة بات ممهدا بدماء الشهداء الابطال من رماة الحجارة وقادة الجهاد على ارض فلسطين وهنا في بقية القصيدة مايجلو من الغمة سحابة :
غير أنا هذه المرة ادركنا الطريق
أيها اللاجئ في خيمة ذل يا رفيق
ليس لي إلا الحزام المر والسيف العتيق
ليس إلا رصاصات البنادق
ليس إلا الربايا والخنادق
ليس لي إلا كتاب الله في صدر البيادق
ليس الا رسول الله يزهو بالفيالق
ليس لي إلا بجند الله قداما زواحف
ليس لي إلا بحزب الله وا بيض الصحائف
ليس لي إلا سيوف الله تعلوها المصاحف
ليس لي إلا بعالي الجنتين
ليس لي إلا بإحدى الحسنيين
لأمت حرا إذا وافتني اليوم المنية
لأمت حرا وفي كتفي بقايا بندقية
لأمت ما دمت لا أسال غير ما أريد
لأمت ما دمت لا أوصف باللاجئ الشريد
لأمت فوق ثرى ارضي السلبية
لأمت فوق ثراك الحر يا أرضي
فلسطين الحبيبة
انتهت القصيدة والله وحده المستعان وأفيقوا ايها الأجيال على ما يريده منكم اعداء دينكم الذي هو عصمة أمركم في المحيا والممات.
|
|
|
|
|