| مقـالات
هيرزل هو مؤسس الحركة الصهيونية في العالم,, ولد عام 1860 في مدينة بودابست المجر ، في حقبة شهدت حركة تنويرية يهودية,, ثم انتقلت عائلته الى فينا وهناك نال درجة الدكتوراه في القانون وعمره اربعة وعشرون عاما,, وتحول لأن يصبح كاتبا وصحافياً,, ثم مراسلا في باريس لكبرى صحف فينا (نيو فري برس),, وهناك شهد موقفا كان له أكبر تأثير في تحول حياة هيرزل,, حشود وجماهير فرنسية كانت تنادي الموت لليهود ,, وذلك على خلفية محاكمة أحد العسكريين في الجيش الفرنسي بتهمة الخيانة العظمى,, وهو دريفوس يهودي خان بلده وأفشى بأسرار الجيش الفرنسي,, ومع التظاهرات الكبرى التي كانت تندد باليهود، بدأ هيرزل يقتنع بأن اليهود يجب ان تكون لهم هجرات جماعية لأرض أخرى يعيشون فيها ويشعرون بالأمن,.
ورأى أن تتكون شركة مساهمة يساهم فيها اليهود في كل انحاء العالم بأموال لصالح حركة هجرة الى ارض جديدة لليهود,, وتحولت هذ الشركة الى ما عرف بالمنظمة الصهيونية Zionust Organization, واستمر هيرزل يؤجج مشاعر اليهود ويبني في داخلهم مشاعر عدائية مع مواطنهم الأصلية, ويعدهم بضرورة ايجاد مأوى لليهود في العالم,, واجتمع يهود العالم في مدينة باسل Basle بسويسرا في 28 اغسطس 1897م ويعد هذا الاجتماع اول اجتماع للكونجرس البرلمان اليهود في العالم.
وهناك وضعوا بروتوكولات حكماء صهيون كما نسميها نحن العرب,, وهم يسمونها برنامج باسل Basle Programm والذي بذروا فيه فكرة، بل حتمية أن يتم ايجاد وطن لهم على ارض فلسطين,, وفي هذا الاجتماع تحول اسم المنظمة الصهيونية الى المنظمة العالمية الصهيونية World Zionist Organization )WZO( التي تعد الذراع السياسي للأمة اليهودية,, وانتخب هيرزل رئيسا لهذه المنظمة,, وعرف فيما بعد بانه الأب الروحي للصهيونية العالمية وللدولة اليهودية بشكل خاص,, ومن قدر هيرزل انه لم يكن أبا مثاليا في بيته الصغير فكان له ابنتان وولد,, فبنته الكبرى انغمست في المخدرات واصبحت مدمنة، وكانت ذات شخصية غريبة جدا، الى ان ماتت في ظروف غامضة,, وابنه الوحيد تحول الى المسيحية ولكنه انتحر فيما بعد,, اما ابنته الصغرى فقد قضت معظم حياتها في المستشفيات الى ان ماتت في المحرقة النازية، على حد قول مصادر يهودية,, اما هيرزل نفسه فقد مات بسكتة قبلية (1904م) وهو في مقتبل حياته وعمره اربعة واربعون عاما,.
وتوالت اجتماعات الكونجرس اليهودي,, حيث اقترحت احد اجتماعاتهم (1903م) ان تكون يوغندا (احدى مستعمرات بريطانيا) ملاذا آمنا ومؤقتا لليهود من جراء تعرضهم للمخاطر في روسيا,, ولكن في اجتماع الكونجرس السابع بعد عامين تم رفض هذه الفكرة تماما,, وبدأ اليهود يعدون عدتهم للهجرة التدريجية الى أرض الميعاد فلسطين,, الى أن أسسوا دولتهم اسرائيل عام 1948م على يد ديفيد بنجوريون أول رئيس للحكومة الاسرائيلية,, ومن ضمن اولويات بنجوريون ان تمتلك اسرائيل قنابل نووية تمكنها من اثبات تواجدها في هذا المكان في بيئة عدائية لها من قبل العرب,, وقبيل عام 1960م واسرائيل تبني مفاعلها الذري في ديمونا ويعرف العرب ذلك,, وخصوصا الرئيس الراحل جمال عبدالناصر,, وعلى مدى سبع سنوات كان الرئيس عبدالناصر يهدد فقط لفظيا بتدمير هذا المفاعل ولكنه لم يفعل,, وهذا ربما كان أكبر خطأ استراتيجي فعله العرب في تعاملهم مع الدولة الاسرائيلية,, وقد اكتمل فعلا بناء هذا المفاعل قبل يوم واحد فقط من حرب الأيام الستة عام 1967م,, اي انه بعد ان تأكدت اسرائيل من انتهاء بناء هذا المفاعل اخذت تدك مطارات وطائرات العرب التي ربما كانت تفكر في تدمير هذا المفاعل,, كما انها على استعداد لتدمير اي موقع مشتبه به ان يكون مكان تجارب لبناء مفاعلات ذرية عربية أو اسلامية في اي بلد عربي او اسلامي,, وهذا لم يفعله العرب فيما مضى اثناء بناء اسرائيل لمفاعلها في ديمونا الذي استمر لسنوات عديدة.
وكما كان يقول بنجوريون بأن اسرائيل لا تحتمل خسارة واحدة، ولكن العرب يمكنهم ان يخسروا كل شيء,, فقد ذكر الرئيس انور السادات في احاديثه مع بعض اليهود بأن المحرك الأساسي لدخوله في تعاهدات سلام مع اسرائيل هو قلقه من امتلاك اسرائيل لقنابل نووية تهدد بها العرب.
وكان تفكير اسرائيل ان التهديد يأتيها دائما من الخارج، ولم تشعر ان هذا التهديد ربما سيأتيها في يوم من الايام من داخل الحدود السياسية التي يفترض ان يحميها جيش الحرب الاسرائيلي,, فكانت معاهدات السلام مع الفلسطينيين التي هيأت لوجود جيوب متفرقة من الفلسطينيين داخل الدولة الاسرائيلية,, وتضغط السلطة حاليا لمزيد من قبول اللاجئين الفلسطينيين داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة,, وهذه في حقيقة الأمر قنابل نووية عربية داخل الكيان والجسد الاسرائيلي,, والمتتبع لمجريات الشأن اليهودي وما تفرزه صحافتهم ودراساتهم وتقاريرهم الاستراتيجية يلاحظ ان الانتفاضة الأخيرة والمستمرة الى هذا اليوم قد شكلت تصدعا هائلا في جدار الحماية الاسرائيلية,, حتى ان البعض من الكتابات والتحليلات اليهودية تشير الى الخوف من الوضع الحالي للوجود الاسرائيلي,, فقد كان القرن العشرون قد شهد تأسيس الدولة الاسرائيلية، ولكن خوفهم الحقيقي هو هل يشهد القرن الحادي والعشرون تفكك ونهاية هذه الدولة؟
الانتفاضة الحالية تعد رغم أهميتها الإيمانية بكل المقاييس انتفاضة شعبية محدودة، ولكن خوف اسرائيل في إطار السيناريو الجديد للحرب القادمة هو في انتفاضة السلطة الفلسطينية، وهذا سيشكل خطرا حقيقياً على الأمن والحياة الاسرائيلية,, فقد تشهد الأحداث القادمة انتفاضة رسمية يتم خلالها إدخال رجال الامن والشرطة الفلسطينيين في معادلة الحرب الجديدة,, ومن خلال الاسلحة المتوفرة لهم يمكنهم زعزعة الوجود الاسرائيلي بضرب الوجود العسكري والمدني أينما كان,, وهنا ستكون اسرائيل في أزمة أمنية لا تستطيع احتواءها بأي شكل من الأشكال,, والفلسطينيون وبعزائمهم القوية وروحهم الاستشهادية قادرون على مواجهة المؤسسة العسكرية الاسرائيلية بما أوتوا من قوة وعزيمة واستبسال,, وكما تشير تقارير مراكز الدراسات الاستراتيجية فان المعركة التي سيجر اليها الفلسطينيون الاسرائيليين وسط الارض الفلسطينية داخل اسرائيل وبعيدا عن الحدود الخارجية لاسرائيل ستكون مرشحة لضرب صواريخ خارجية عربية من دول مجاورة يتهدد من خلالها امن اسرائيل ويثير فيها الرعب والهلع، الى جانب ضرب الشريط الساحلي للوجود الاسرائيلي والذي يشكل فيه السكان ثمانين في المائة,, وتواصل الحركة الانتفاضية للشعب الفلسطيني ومزيد من عمليات الاستشهاد اليومي والكبير سيثير رأيا إسلاميا وعالميا جارفا,, وربما يهدد باستخدامات الثروات والمقدرات العربية والاسلامية,, وكما تعرف اسرائيل فإن الفلسطينيين قادرون على تقديم الضحايا وبأعداد كبيرة، ولكن اسرائيل لن تقدر على ذلك,, فشعبها جاء الى فلسطين ليسكن ويتمتع بالحياة والاستقرار، واذا لم يحدث ذلك فإن الأوطان التي لفظتهم تكون أكثر أمانا لهم من الوضع الراهن الحالي والمتوقع,ويبقى ان نشير الى ان منظمة الصهيونية العالمية تحاول حالياً عقد اجتماع لها لتدارس المخاطر التي تحيق بدولة اسرائيل في عمرها الثاني والخمسين,, فماذا هم فاعلون للتصدي للأوضاع المتفاقمة داخل كيانهم الغريب,, ثم ترانا ماذا نحن فاعلون لتأسيس مبادرة لفرض واقع جديد,, بدل أن نعمل فقط على التعامل مع واقع تفرضه اسرائيل دائما على اجندة التفكير العربي والاسلامي او اجندة القمم العربية والاسلامية,,؟
|
|
|
|
|