| مقـالات
إضافة إلى تصدير ما تنتجه بلاد العرب من الإبل والخيول إلى أسواق الهلال الخصيب ومصر، يتعهد العقيلات بنقل البضائع والمسافرين عبر الصحراء الموحشة, ويتعهد كبار التجار من العقيلات بنقل الحجاج الذين تنطلق قوافلهم من طهران والكويت والبصرة وبغداد والشام وقد تصل القافلة إلى 50,000 شخص.
ومن مسؤولية متعهد النقل أن يؤمن لجميع هؤلاء الحجاج الإبل وكافة مستلزمات الرحلة من الخيام والأثاث والفرش والأغطية والكوايج والهوادج والطعام والطباخين وأدوات الأكل والطهي والأواني والقرب والصملان والحياض الجلدية لسقيا الإبل وعدة السقيا من الآبار من المحال إلى المقامات إلى الحبال والدلاء, وكذلك توفير الحرس والرعاة وسائقي الإبل والأدلاء الذين يعرفون طرق الصحراء ودروبها وموارد المياه، والرفق من القبائل التي يمرون بديارها.
وقد تضم القافلة الواحدة آلاف الأفراد الذين يتقسمون إلى خبر، أي فرق، يتراوح حجم الخبرة من 6 إلى 10 أشخاص, وكل خبرة لها شراعها، أي خيمتها, والقافلة لها أمير يتولى قيادتها وينظم مسيرتها ويرأس أفرادها، وتصحبه حاشية من التجار والمرافقين يستشيرهم ويساعدونه في مختلف المهام الإدارية والإشرافية, يحدد المسلم حجم القافلة التجارية بحوالي 300 إلى 400 شراع وحرس يتراوح عددهم من 200 إلى 400 وخويا ومساعدين لنصب الخيام وعمليات التحميل والتنزيل يصل عددهم ما بين 400 إلى 600 رجل, ولكل رعية من الإبل راعٍ ومساعد له يسمى ملحقا مهمته تجميع ما يشذ من الإبل، إضافة إلى الرفق والأدلاء والطهاة والقهوجية, كما تضم القافلة بعض الصناع والنجارين والخرازين الذين يعملون على إصلاح ما يحتاج إلى إصلاح من الأشدة والقرب وأدوات التحميل وغير ذلك من الأشياء, وقد يصل عدد الجميع إلى 3000 شخص, إنها مدينة متحركة.
يقول السويداء إن القوافل:
لها تنظيم خاص يتكون من أمير القافلة الذي يرجع إليه رؤساء الخبر الفرق الذين معه وكل خبرة أو فرقة موكول إليها مهام معينة كدلالة الطريق وملاحظة الإبل والخيل ورعيها إن كانت القافلة من قوافل بيع المواشي، أو فرق تحميل الأحمال أو فرقة الثاية وهي الموكول إليها الخيام والأمتعة وإعداد الطعام والقهوة وفرقة القلوط وهم طلائع القافلة أو عينها التي تسبقها لتطمئن إلى أمن الطريق وفرقة الملاحيق وهي التي تكون في مؤخرة القافلة مع الرعيان لحث المتأخر من القافلة وخبر أو فرق الحراسة المسلحة التي تنقسم بدورها إلى أربعة أقسام: قسم عن يمين القافلة والآخر عن يسارها وثالث أمامها ورابع خلفها، و خبرة أو فرقة المعرفين من أفراد القبائل التي ستمر القافلة بأراضيها أثناء عبورها.
كذلك كتب السويداء عن تنظيم القوافل قائلاً:
القوافل التي تكون تجارتها الخيول أصعب من التي معها الإبل نظرا لأن الإبل تتحمل الظمأ والسير لمسافات طويلة دون الحاجة إلى الماء من الخيل، كذلك تختلف القافلة التي تحمل الحجاج الذين تتراوح قوافلهم ما بين 2000 3000 فرد وقد تزيد عن ذلك فمثل هذه القافلة الكبيرة تحتاج إلى حوالي نصف هذا العدد من رجال الخدمات الذين يعملون في التحميل والتنزيل والسقيا على الموارد، فإذا تصورنا ان مع هذه القافلة حوالي ثلاثة آلاف بعير فما هو المورد الذي يكفيهم من الماء إلا ان يكون ذلك على مراحل وتستمر عملية السقي بالليل والنهار على مدار الساعة بحيث تروى إبل القافلة ويأخذ الرجال ما يحتاجون من الماء في قربهم ورواياهم كما ان هذه القوافل الكبيرة تحتاج إلى العديد من الحراس، أما القوافل التجارية فإن عدد الجند المرافقين للقافلة يتناسب طرديا مع مقدار الأمتعة التي ينقلونها وتبعا لقيمتها حيث تتحمل هذه القيمة تكاليف الحراس ومصاريفهم, وغالبا ما يكون لحمل كل بعير من القماش رجل مسلح واحد يحرسه، أما إذا كان المتاع المحمول من السكر أوالبن وما إلى ذلك من السلع الأدنى سعراً فيقوم كل عقيلي بحراسة بعيرين ولا يقل عدد الحراس المصاحبين لقوافل التجارة عن مائة حارس بالإضافة إلى شيوخهم، يضاف إلى ذلك عدد كبير من الرجال يعرفون بالجمالة مهمتهم العناية بالإبل وتتراوح اعداد الإبل في فواقل السلع ما بين 1200 5000 بعير وغالبا ما يكون ثلث هذا العدد محملا بالسلع وثلثه الآخر لركوب التجار والمسافرين والثلث الأخير للأحمال مما يخص رجال القافلة من خيم وأوانٍ وأطعمة وغيرها.
هذه المعلومات التي قدمها لنا السويداء والمسلم والرحالة الغربيون عن العقيلات سجلوها من واقع ما تسنى لهم معايشته او نقلوه من أفواه الرواة الذين عايشوا تلك الحقبة, لو أتى لنا الأثريون بهذه المعلومات منقوشة على ألواح من الطين لحضارة قديمة لقلنا إننا أمام حضارة عظيمة, تسيير حملات على هذا الحجم الضخم والتنظيم المذهل ليس أمراً بسيطاً، وهذا يتطلب منا إعادة النظر في تقييمنا لحضارات الجزيرة العربية قديما وحديثا وتنظيماتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وبطبيعة الحال فإن حركة عقيل ونشاطاتهم التجارية رهن بازدهار المحاصيل الزراعية والرعوية عند الحضر والبدو التي تبقى رغم تمايزها، عرضة لنفس الظروف القاسية والبيئة الشحيحة, سبل المعيشة والنشاطات الاقتصادية للبدو والحضر على حد سواء محكومة على مدار العام بكمية سقوط المطر المتأرجحة ما بين الشحيحة إلى القليلة جدا إلى القليلة، ولكن من النادر ان تصل إلى الكمية الكافية, ويخشى البدو والحضر توالي سنوات الجدب والجفاف ويتلهفون لمشاهدة السحب المحملة بالغيث ويطربون لما يصحب ذلك من صوت الرعد وتلاعج البرق، ويطلبون من الله في كل صلاة أن يغيث البلاد والعباد وأن يرسل عليهم رحمته, وإذا انقطع المطر غارت مياه الآبار ومات الزرع ويبس العشب وأشجار الحمض والرمث, لا يستطيع الفلاح أن يزرع بدون ماء والبدوي يهلك ما بيده من ثروة حيوانية، وتشتد معاناة الناس ويصيبهم الضر, المطر، أو الغيث، هو عنصر الحياة الأساسي وعليه تقوم حياة الحضر والبدو على حد سواء, وشحة المطر في البيئة الصحراوية جعل منه شيئا عزيزا, ولشدة حاجة أهل الصحراء إلى المطر وأهميته في حياتهم وكثرة ترقبهم له تولدت حاسة قوية ومهارة ملحوظة في معرفة النجوم والأنواء والسحب وشيم البرق لمعرفة موقع المطر وكميته, وأضفت ثقافة ابن الصحراء ممثلة بلغته العربية على المطر إيحاءات ودلالات رفعته من مجرد عنصر طبيعي إلى رمز للحياة والنماء والخير والعطاء والكرم والرحمة, وقد تنبه الشعراء لما للمطر من قوة رمزية ومن أهمية في حياة الناس: حضرهم وبدوهم، فجعلوا من وصفه، بمختلف مظاهره الجوية وآثاره البيئية، موضوعاً شعرياً خصباً قلما تخلو منه قصائدهم.
|
|
|
|
|