| الثقافية
* تغطية عبدالحفيظ الشمري
في سياق نشاطات الرياض عاصمة الثقافة العربية للعام 2000م وفي إطار التعاون بين شركة العبيكان للنشر والتوزيع والرئاسة العامة لرعاية الشباب والتي ترعى مثل هذه الانشطة الثقافية والأدبية تم مساء الاربعاء وفي قاعة الملك فيصل للمؤتمرات محاضرة لمعالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر.
أدار هذه المحاضرة الاستاذ/ زياد الدريس والذي رحب بالضيف وبالحضور مستعرضاً مسيرة الأديب الخويطر ومنوهاً بجهوده الثقافية والادارية,, وتسير السيرة الذاتية للدكتور عبدالعزيز الخويطر بأنه من مواليد مدينة عنيزة بالقصيم عام 1344ه والذي تقلد العديد من المناصب الادارية وهو لايزال وزيراً للدولة وعضوا بمجلس الوزراء,, وللضيف العديد من المؤلفات كتاب أي بني بخمسة أجزاء بين عامي (1409ه 1414ه) وآخر مؤلفاته كتاب بعنوان ملء السلة من ثمر المجلة قبل عامين.
واستعرض مدير المحاضرة الاستاذ الدريس في هذا السياق الجهود التي بذلت لتقديم هذه النشاطات والتي يشترك فيها المحاضر والحضور والرئاسة العامة لرعاية الشباب ومكتبة العبيكان والمح الى أن مؤلفات الدكتور الخويطر وعلى وجه الخصوص كتابه اي بني هو حديث للأجيال القادمة.
وبعد تقديم الدريس أخذ الضيف زمام الحديث ليتحدث عن هذه المناسبة باقتضاب ويرحب بالحضور الكريم فجاءت الورقة كاملة على هذا النحو:
أود في بدء حديثي هذا أن أقدم أجزل الشكر لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز، الرئيس العام لرعاية الشباب، رئيس اللجنة العليا لبرامج الرياض عاصمة الثقافة العربية لعام 2000م، على دعوته الكريمة لي للمشاركة في هذه الأمسية الثقافية، وأن يكون حديثي عن كتابي أي بني ؟
وظنُّ سموه بهذا فيّ ظن حسن، وأرجو أن أكون عند حسن ظن سموه، وظن الإخوة الكرام الذين تجشموا عناء المجيء هذه الليلة.
وأود بعد ذلك أن أشيد بجهود رعاية الشباب وبدور الأمانة العامة لبرامج الرياض عاصمة الثقافة العربية لعام:2000م وإشرافها اما مكتبة العبيكان فالاعتراف بحقها سوف أبقيه إلى نهاية حديثي.
الذي من جيلي، أو سِنُّه يقرب من سنّي، لايملك إلا أن يقارن ما مضى من زمن عاصره بزمن يراه يدرج اليوم أمامه، بما يصاحبه من تغيير, هذه المقارنة لاتفارق فكره ليل نهار، يراها في كل حدث يمر به، مهما كان صغيراً، للاختلاف الكبير في مظاهر الأمس ومظاهر اليوم، بين ماض ولّى وحاضر حلّ.
ماضٍ لم تُعرف فيه الكهرباء، وعندما عرفت لم تتعد الاستفادةُ منها حيزاً ضيقا، لايزيد عن مبنى أو او مبنيين، مع هوامش تلت فيما بعد، تمثلت في كهرباء السيارة، أو وسائِل رفع الماء، أو بطاريات الراديو ،الذي كان أعجوبة الزمن في ذلك الوقت.
ماض لم نعرف فيه شبر إسفلت، ولا اسم رصيف، ولم نسمع عنها، ولو سمعنا لما تصورناهما كما هما في الحقيقة.
ماض لم نسمع فيه عن التليفون، ولاندري ما كنهه إن مرت كلمة عابرة عنه
ماض إذا سمعنا فيه دوي السيارة من بعيد، تأتي به الرياح من عمق الصحراء، ركضنا نستقبلها بانبهار، والتصقنا بالجدر مشدوهين، يختلط في نفوسنا الخوفُ والرهبةُ والفرح والبهجة، وحب الاستطلاع.
ماض تبقى البلدة فيه أشهراً لاتمر بها سيارة،والمدن المتقدمة في سيرها عن بلدان نجد، مثل مكة المكرمة،السيارات فيها تعد على الأصابع.
ماضٍ كان الجمل فيه سفينة الصحراء بحق، تراه أين التفت، تعرف عنه كلّ شيء، تعيش معه، ويعيش معك، كأنه فرد من افراد الأسرة ، في نفعه، وفي تقدير الناس له، وفي معاملتهم إياه, الجمل شيخ مزمل في الصحراء، وفي المدينة: في الصحراء أداة حمل، وركوب، ورأس مال للتجارة، وأداة تغذية، ومصدر رزق، وقيمة دية، ووسيلة مصالحة، وجهاز عرس، ودبابة حرب، وفي المدينة وسيلة سفر، وحامل أثقال، وآلة لنزح الماء.
ماض لعب فيه الحصان دوراً فاعلا، يرفع رأس من اقتناه، ظهره حصن، ومنظره زينة، ومتعة.
ماض كان الحمار فيه أداة ركوب وحمل لا يستغنى عنه من لايصل باعه للحصان أو الجمل، ولكن حقه مهضوم، بل إن أسوأ الشتائم تؤخذ من اسمه.
ماضٍ كانت البيوت فيه تبنى من الطين هشة ضيقة متلاصقة، ترتعد هي ومن فيه من مُرِّ عوامل الطبيعة بها، ريحا كان ذلك ، أو مطراً، أو هما معاً.
ماض كانت القِربة فيه هي الثلاجة للماء، والبئر هي خزان الماء.
ماض كان سراج الودك فيه هو قنديل الإضاءة يُوصى به للمسجد وللطريق.
ماض لم يعرف المستشفيات، ولا الأطباء المؤهلين ولا الممرضين أو الممرضات، ولا القابلات المتعلمات المؤهلات.
ماض كانت الأوبئة فيه تفتك بالناس عندما يتأجج أوارها، وتستعر نارها، فلا وعي يخفف من غلوائها، ولا وقاية ولا علاج.
هذه نماذج مما كانت عليه الحال عند بدء توحيد المملكة على يد رجل عملاق عبقري وفقه الله، وأخذ بيده فجمع شمل هذه المناطق المتباعدة المتطاحنة, لم يكن بإمكان هذه البلدان المتفرقة، قبل قيامه بتوحيدها، أن تأخذ بأسباب المدنية، إذ لا مال ولا استقرار، ولا تطلعاتٍ للمستقبل، ولا طموح لتحسين الأحوال, كان الناس في شغل شاغل عن هذا وعن التفكير فيه.
أخذ الملك عبدالعزيز يتغلب على أسباب الفرقة، وعلى ظواهرها، ويتخذ الخطواتِ لإرساء القواعد لملك تتوافر فيه مقومات المجتمع الحضري، المؤهِل لأن يأخذ مكانه في الصفوف الأولى مع بقية إخوانه العرب، ثم يحتل مكانه العالمي عَلَماً على سارية الأمم المتحضرة, توافق هذا التحرك، والسعي لبدء الإنجاز مع قيام الحرب العالمية الثانية، فأعاق هذا، بما نشره من ظلال العسرة، التي سببتها هذه الحرب، سرعة الخطو نحو الانفتاح على رياض التقدم ، خاصة في مجال التعليم والصحة، ومقومات الاقتصاد الثابت الواعي، ولكن سرعان ماعاد الأمل بعد انتهاء الحرب، واكتشاف البترول، وبدأت خطوات التطوير تتوالى، وبسرعة مذهلة جعلت مظاهر الماضي تغيب شمسها، وتسطع شمس الحاضر بإنجازاته المتتالية، خاصة ما يتصل بالتقنية الحديثة.
بتوفيق من الله، ثم بتوفر المال، والجهد الصادق والنيّة الحسنة، والتخطيط السليم، والسير بعقل وحكمة، أمكن أن توضع اللبنات الأولى في صرح التطور المختار, كان التركيز، في أول الأمر، على الأمن والتعليم والصحة والتنظيم الإداري، وسرعان ما بدأ مردود هذه الجهود يؤتي ثماره، فلم تعد المملكة مفككةً، ولم تعد بمعزل، ولم تعد فقيرةً بالمال ولا بالكفاءات, وبدأت الاجنحة تقوى، ثم تنهض بهذا الجسم الصحيح الفتي, وسرعان ما انطمس الماضي من الصورة الحاضرة للمجتمع، ولم يبق من الماضي شيء إلا ما ظل محفوراً في أذهان من تركوا من ذاك الزمن خلفهم أكثر مما أمامهم، وبدأَت بعض الصور حتى في أذهان هؤلاء تبهت ثم تمّحى.
وجاء في ذهن كثير من جيلي تساؤل ألايستحق ذاك الزمن أن يسجل؟ الا يستحق أن ترسم صورته متكاملة إنصافا له، حتى لا يأتي اليوم الذي تُرسم فيه الصورة من الخيال، فتأتي مشوهة أو مبتورة، فيظهر ذلك العصر، وكأنه عصر همجية وبدائية، ليس له فلسفة تحكمه، ولاهدف يرمي إليه، ووجد كثيرون أن عدم الإقدام على هذا عقوق ليس لذلك العهد وحده، وإنما إنقاص لحق المجتمع الحديث، لأن هذا قائم على ذاك، ذاك هو الاساس، وهذا هو البناء الذي قام عليه.
إن من حق الجيل الحاضر ألا يظن أنه لم يكن هناك قربة ، ولم يكن الجمل أداةً رئيسة للحمل والتنقل، ومن حقه ألا يظن أن الثلاجة وجدت منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، وأن السيارة مثلُها، وأن الطيارةَ كذلك, إن بعض أبناء الجيل الحاضر سوف يعرفون ذلك بالبحث والتنقيب، ولكن زمنهم، بتوالي أحداثه، وتراكم الواجبات فيه، ومطارداته للتقنية، والإنجازات الحديثة، لن يسمح لهم بذلك، بل لعل هذا لن يخطر إلا على بال المتخصص، وما على الجيل الذي عاش ذاك الزمن، ويستطعم اليوم ذكرياته، ويتلذذ بمقارنة ذاك الماضي بهذا الحاضر، إلا أن يحاول أن ينقش على صفحة التاريخ صورةً صادقة دقيقة عن ذلك الزمن، حتى يكتمل جانب حضاري من سيرنا الحثيث لاحتلال المكان اللائق بنا، وحتى نشعر بالرضى أننا قمنا بما نستطيع أن نقوم به، دون تردد أو تكامل، وبإيمان عميق بهذا الواجب.
كانت فكرة رسم هذه الصورة في ذهني محدودة، بدأت نواة صغيرة، كما ذكرت في مقدمة الجزء الأول، بدأت بمقال في صحيفة الجزيرة في 13 رمضان 1388ه وخرجت في كتاب : من حطب الليل عام 1398ه خرجت في الصحيفة قبل أن يكون لي أبناء، وكان ابني الموجه له ذلك المقال هو ابن المملكة العربية السعودية الناشىء.
رسمت في هذا المقال صورة مصغرة جداً لمظاهر محدودة، قارنت فيها الماضي بالحاضر، فقرأها معالي الأخ الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي، فاقترح أن أوسعها، فوعدت بذلك، فانتهزتُ فرصة أحد مهرجانات الجنادرية، فساهمت فيه بكتاب جعلت عنوانه: أي بني ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلت العنوان: أي بني وأي بنية ، لأنه في الحقيقة لا يقتصر مافيه على مخاطبة البنين، وإنما شمل البناتِ ايضا، ولوفعلت ذلك لارتفع عني بعضُ اللوم الذي أسمعه يُهمس به حتى في بيتي، وإن كان ذلك يأتي بصيغة مداعبة، ومن يدري، وعبارة سيداتي سادتي تحوم طيورها فوق رؤوسنا ألاّ تقتنع بناتنا بعبارة: أي بني وأي بنية بل يطالبن أن يكون العنوان: أي بنية وأي بني .
لقي الجزء الأول من أي بني قبولا شجع على إدخال بعض الإضافات عليه، وسرعان ما ملأ ناقوطُ القربة الإناءَ، ففاض بجزء ثان ثم ثالث ثم رابع ثم خامس.
وهنا شعرت أني وضعت نموذجا أملت أن يقوم القادرون من الكُتَّاب في مناطق المملكة المختلفة بعملٍ مثله، أو أحسنَ منه، حتى تكتمل جوانب الصورة، مع إقراري بأنه تبين أن هناك من سبقني الى شيء من هذا.
بعد أن اكتملت الأجزاء الخمسة من أي بني وجدت أن عملي انحصر في حدود المملكة العربية السعودية، وأن الحيف تجاه الماضي لايقتصر عليها، أو على حقبة بعينها، بل يتعداها إلى حقب سابقة، بصدود جميع الدول العربية إلا القليل، وأدركت أن لهذا اسبابا، منها أن التراث مُنزوٍ في كتب لم يكن الوصول إلى مافيها سهلا، إما لأنها لاتزال مخطوطاتٍ، رهينةَ محبس مكتبة عامة أو خاصة، أو أنها مطبوعة في كتاب رديءِ الطبع، أو الإخراج، أوسقيم الحرف، مما لا يغري بقراءته، والإقبالِ عليه، والتمعنِ فيه، أو أن طريقة تأليفه مملةٌ، لكثرة العنعنات، وتداخل الروايات، وتعارضها، وتراكبِ الافكار، وتزاحمها، أو لنفاد الطبعةِ ،وعدمِ تيسر وجود الكتاب في بعض الأقطار، أو لارتفاعِ سعره،أو لغير ذلك مما يكون عائقا عن الوصول إلى الاستفادة المرجوة, لهذا فكرت في أن أقف بعضَ وقتي لمتابعة بعض الأفكار المفيدة في كتب التراث، وعرضها في ثوب يكون اقربَ للقبول، مع إضافة بعض الأمور الحديثة إذا كان في ذكرها مقارنةٌ مفيدة.
ولم يكن وقتي ولانشاطي بمستوى رغبتي وطموحي في أن يكون عندي حصيلة مجزية، إلا أن هذا النقص سُد بفضل من الله ثم بفضل من الإخوان الذين استدرجوني إلى الالتزام بكتابة مقال في مجلة أو صحيفة, وكان السابق في هذا الأخ الزميل الحبيب أبا بدر حمد بن عبدالله القاضي، فقد استطاع أن يقيدني بقيد ناعم من حرير, وشجعني على السماح بإحكام هذا القيد أن الالتزام كان شهريا، واستحييت منه ومن نفسي أن استسلم للعجز في هذا، ولكن الطعم كان ممتعا، ولذته جاءت من كلمات الإخوان التي توالت مشجعة على الاستمرار، لقبولهم هذا النهج.
ثم بدأت صحيفة عكاظ تنقل المقالة، ثم طَمِعت في أن يكون لها مقال يخصها، وأغراني بالاستجابة رغم ثقل الحمل، ماتطلعت إليه من مساحة أكبر في صحيفة يومية سيارة، فكان لها ما أرادت مني، مقالةً كلَّ اسبوع، واستمر الأمر مدة إلى أن وجدتُ أن العمل الرسمي بدأ يزحف بجيوش لا قبل لمقالاتي في عكاظ بها، فتوقفت، فجمعت ما كتبت في المجلة العربية وفي صحيفة عكاظ في كتاب سميته :إطلالة على التراث ، وهو اسم يدل على الهدف، وعلى العمل من أجله، وخرج منه عدة أجزاء بلغت حتى الآن ستة عشر جزءاً.
لن أطيل في هذا، وما جئت به هنا عن إطلالة على التراث ، إنما جئت به فقط لأبين صلته بكتاب أي بني
أعود الآن إلى أي بني
أيها الإِخوة:
لكل جزء من أجزاء الكتاب مقدمةٌ تبين الأهداف والمقاصد والنهج والأسلوب، وكان كافيا أن تُقرأ هذه المقدمات، ففيها من الأنوار الكاشفة ما يعطي فكرة متكاملة إلا أني رأيت أن القي الضوء على بعض ملامح من الكتاب في هذه الأمسية لمن لم يقرؤه، أو قرأه منذ فترة طويلة، وذَاكِرته مثل ذاكرتي، لم يعد الوفاء صفتها، ولأني أيضا أردت أن يساهم التذكير ببعض المظاهر المهمة على بلورة الاسئلة والاستفسار إن وجد كتاب: أي بني قامت أعمدته، كما ذكرت في مقدمة الجزء الأول على غرار حديث المجالس، ومن الوفاء لهذا الاختيار أن يكون الحديث عن الكتاب هذه الليلة ايضا على نمط حديث المجالس، ولهذا سوف ابتعد عن اسلوب المحاضرات التي تسير على خطة متدرجة، تؤدي فكرةٌ منها إلى أخرى، حسبَ منطق معلن.
وأجد أن هذا النهج الذي أخترته أقربُ إلى إعطاء فكرة صادقة عن الكتاب، خاصة أن وقت الحديث محدود، والوقت الأوفى هو لما سوف يأتي من اسئلة.
جملة أي بني توحي بأن هناك حديثا وديا آت من أب لابنه، وأمامهما أهداف يريدان أن يصلا إليها، ونهجٌ يريد الأب أن يسلكه، وخطة يريد أن يسير عليها، وأسلوب يريد أن يكون أداته لنقل الفكرة لابنه، وأن تكون هذه الاداة مقبولةً ونافعة.
ومراعاةً للوقت، سوف أختار ملامح من الاهداف والمنهج والاسلوب، مع رسم بعض الصور متدرجا مع الأجزاء جزءاً جزءاً، ما أمكن.
لقد رُسمت صور مختلفة لما كان عليه الآباء في طلب الرزق من كد وكدح، مما جعل بنيان الصرح قويا وأسَسَه ثابتةً، مما يستوجب من الجيل الحاضر أن يزيد في البناء بما يليق بهذا الزمن، وما فيه من علم وتقنية، إذ إن التاريخ لايرحم في حكمه على الأجيال المتتابعة.
والنهج الذي اخترته لهذا الكتاب، لتحقيق الفائدة المرجوة، أن يكون على أسلوب حديث المجالس، تأتي الفكرة فيه عضواً، مع عدم الإطالة ما أمكن حتى لا يمل القارىء، وإبعاد الملل هدف مهم من بين الاهداف، ومن وسائل ذلك الانتقالُ ن الجد إلى الهزل، ومن الهزل إلى الجد، ومن النثر إلى الشعر، ومن الشعر إلى النثر، ومن الإرشاد إلى الطرائف والغرائب, وحاولت أن أُحيِيَ كلمة الإحماض ، وما تعنيه ومراقبها، وسعد على كل ذلك الاستطراد وهو محمود في حديث المجالس، وهذه المحمدة انصبت على ما اتبع في هذا الكتاب.
وهيكل الخطة في بعض نواحي الكتاب هي أن آتي بالمعلومات التي أريد للابن أن يعرفها، وأن يخزنها، ويستفيدَ منها، ثم أتبعها بقصة أو طريفة، أو لغز، وأحيانا أخالف بين ذلك، فأبدأ بالقصة والطرائف، والألغاز، ثم أبني عليها ما أريد أن أصبه في ذهن الابن من معلومات، حتى لاتكون الرتابة في المنهج مدعاةً للكسل العقلي.
وحاولت وصل الأفكار الجديدة بالقديمة حتى لاتكون الصورة بدون اصل، أو مبتورةً، فالقصة الحديثة قد يكون فيها ما يصلها بقصة قديمة، قد تكون أصلا لها، وفي هذا تدريب للابن على السير في جواد الربط بين الحديث والقديم.
ومن الأهداف التي سعيت إليها، والنهجِ الذي ابتعته أن استقصي حياة الناس اليومية: رجالا ونساء وأطفالا، بنين وبناتٍ، لأضمن حداً من الاستقصاء، مع مقارنة تلك الحياة في المجالات التي لمستُها بحياة الناس اليوم، فمثلا تطرقت إلى الماء والحطب، والمطبخ، وما يطبخ، وإلى وسائل النقل والحِمل، فتحدثت عن الجمال والخيل والحمير، والسيارات، وغسيل الملابس، والطرق والجواد والأزقة، والأكل وأوانيه وأنواعه، وتحدثت عن النوم وأماكنه ووسائله، وعن الأبقار والحليب واللبن،والأمراض والأوبئة، والإضاءةِ ووسائِلها،والمساكن وأنواعها، وحالات الأمن.
ويدخل تحت كل باب من هذه الابواب ما ليس فيه، بل أحيانا ما لايخطر على البال أن يكون فيه، وذلك نتيجة الاستطراد، والجري وراء الفائدة، واقتناصها بصيدِ كلمة تجر إلى قصة طريفة، أو مفيدة لما فيها من عِظَة، مثلُ قصة مسلمة مع الشعراء عندما قُتل يزيد ابن المهلب, وكان كل من حضر ذكر يزيداً بسوء إلا شاعراً حفظ له جميله عليه، فمدحه شكراً، وامتنانا لما فعله، فنال بذلك إعجاب مسلمة.
هذه القصة جاءت استطراداً عندما اريد الحث على الشكر، وما فيه من إشعاع.
وقد حرصت أن أختتم كل فصل بتذكير الابن أن يحمد الله على النعم التي يرفل فيها اليوم، وحرصت كذلك أن استقصى ما قيل في الحمد والشكر مما جاء في القرآن الكريم، أو في السنة المحمدية، أو ما جاء حكمة، أومثلا، نثراً أو شعراً، أو قصة ، عربيا كان ذلك أو مترجما، وحرصت ما أمكن ألا أعيد في فصل لاحق ما قلته عن الشكر في نهاية فصل سابق، أملا في أن تزيد حصيلة الابن من هذه الدرر، وسعيا وراء التشويق، وإبرازاً لهذا الجانب من الحضارة الاسلامية، واختتام الفصول بالحمد والشكر سمة من السمات الرئيسة للكتاب.
والقصص المقتبسة في هذا الكتاب تُمَحّص بحيث لا يأتي منها إلا النافع، لهذا تفاديت بعض القصص رغم جاذبيتها، وهي ما كان يدور في مجتمع الآباء والأمهات، مما كان مجتمعهم يقبله، ويأباه مجتمعنا، لأن زمننا أكثرُ حذراً، لأن مايقال في المجالس الضيقة غيرُ ما يطبع عاما في كتاب ينداح في المجتمع بين الرجال والنساء كباراً ومراهقين.
ولأن الاستطراد سمة أساس من سمات هذا الكتاب، ولأني لم آت إلا بمثل واحد هو موقف مسلمة مع الشعراء بعد مقتل يزيد بن المهلب، يحسن كما أعتقد أن أعطي مثلا آخر، ممما جاء تحت عنوان المطبخ والطبخ، فذكرت قصة تَحَايُلِنا ونحن تلاميذ في المرحلة التحضيرية في عدم الاشتراك في لعب الكرة، وجاء الاستطراد من مخرج ضيق، وهو ملاحظتي أن ابني وأنا أتحدث عن المطبخ والطبخ كان لايستمع إليّ لانشغاله بمشاهدة لعب الكرة الذي طار بلبه، وأخذ عليه كل وقته.
ومن الأمثلة الشاطحة التي جر إليها الاستطراد ماجاء تحت عنوان الجمل والسيارة ، وقد أستُدرج القارىء إلى قصص نعيمان الفكهة
ومن الصور التي وقفت عندها المقارنة ُ بين الماضي والحاضر، وتماثل الزمن في الماضي بين عهد الجد والوالد والولد، وبطءُ التغيير، إن وجد، بين هذه العهود الثلاثة أو الأربعة أو الخمسة، خلافا للتغيير السريع في الوقت الحاضر، حيث إن هناك سلسلة من التطور المذهل في جيل واحد، يصبح أولَ الحقبة بدائيا إذا ما قورن بما جاء في آخرها.
من الأهداف الرئيسة أيضاً لهذا الكتاب أن آخذ بيد الابن في مدارج العلم التي على الهامش، ولكنها من الأهمية بحيث تنافس المتن، ومن ذلك طرق البحث، وعناصرها الأولى المخطوطاتُ والوثائق والكتب، فدللته على مظانها بتبيان المراجع التي رجعت إليها، والمصادِر التي استقيت منها، لعله يعرف من اصل النبع الذي غرفته منه، ويخرج بأكثر مما خرجت به.
الفهارس والمراجع مما يجب أن يُعوَّد المبتدىء على خباياها وزواياها،وطرقِ الإفادة منها، والاستفادة، فلا اقل أن ذكر المرجع وعضيدِه، إن وجد، واسمِ المؤلف، والناشر، والمكتبة التي هو فيها، إن كان مخطوطا, ومع هذا فقد حاولت ألا أُكثر من المراجع، فالشاهد الذي استقيته قد يكون ورد في خمسة مراجع أو أكثر، ومع هذا فتجدني اكتفيت بمرجع أو مرجعين، تكون أكثر توثيقا، واقربَ للتناول.
وقد اهتممت بأمور جانبية، قد لا يأبه لها غيري، فقد اهتممت بالإخراج، حتى تكون الصفحةُ باسمةً، وجاذبة، فالورق من النوع الجيد، والحرف كبير، والسطر كلماته في حدود ثماني كلمات.
ما مر حتى الآن هو ما أوحى به ما جاء في الجزء الأول من أي بني , وبعد خروج هذا الجزء وجد القراء، ووجدت معهم، أن هناك من المواضيع، التي لم يتطرق إليها ما يحتاج إلى أن يُتحدث عنه في جزء ثان، فكان من تلك المواضيع الرئيسة: الأعياد، والجراد، والخيل، والصحراء، والقرى، والمدن، والزراعة ، والنخلة.
واستُفيد من الأجزاء للاحقة في استيعاب باقي أهداف الكتاب، ومن ذلك ماحرصت على تكراره لاهميته، وهو لفت النظر إلى أنه ليست كل قصة رويت عن الماضي أو في الحاضر حقيقةً، وأنها وقعت كما قصها القاص، ونبهت إلى أن بعضها مؤلف، ومنتحل، وتتبعت تدريجا أسباب الانتحال، وحاولت أن يكون لدى الفتى ملكةٌ يستطيع بها أن يميز بين الصحيح والمنتحل، والمنتحل هذا متخيل، ولكن فيه فائدة لأنه يكشف ما يدور في ذهن أبناء ذلك المجتمع، مما كان معقولا عندهم ومقبولا.
ومن الاهداف التي راعاها الكتاب الحرصُ، ما أمكن، على عدم تكرار المعلومات أو القِصص دون داع، ومحاولةُ حصرها في مكان واحد، ولضمان ذلك اخترت عناوين رئيسة، أضع داخلها ما أُحيط به مشاهدة أو رواية، مما كان قائما في زمن الآباء مما تفيد معرفتُه ابنَ اليوم، مثل عنوان: ما تنبت الأرض (ج2ط2،131) جاءت تحته الفواكه والخضروات والحبوب، وما كان جاريا حيال كل مادة منها، سواءً كان الحديث عن المُزارع أو المستهلك، وهذا جر مثلا إلى الحديث عن طبيعة الأرض، فلمس جغرافيتها، وأهلها، وعاداتِهم, وهذا جر استطراداً، وطلبا للاستراحة والتحميض إلى ذكر قصة من العصر العباسي، عن الأرض والزراعة، فيها طرافة، وهي بين الخليفة، المنصور وأبي دلامة، وهذا الاستطراد، دفعا للملل، لم يقف عند قصة واحدة لها صلة بالعنوان، وإنما تعدى الى ما ليس له صلة به حتى أخذ من الصفحات من :143 155، واحتوى على ستة وثلاثين موضوعا فرعيّاً، فمن قصة عثمان بن رواح، ورفيقه في السفر، وكسل هذا الصديق، إلى عودة قصيرة إلى اصل الموضوع، ثم خروجٍ منه إلى أنثى الزنبور وكسلها، ثم طرح الغاز (طاس طاس 147) و(أربعة مع اربعة)ثم عود إلى الفاكهة، ثم خروج إلى قصص النفس ( الشمس والقرص لدى الجائع) ثم قصةٍ عن الخليفة الراشد علي بن ابي طالب رضي الله عنه (ج2 251) ثم قضية أعرابية تنصح أبناءها (153) ثم قصةٍ عن عمرو بن العاص والأمةِ التي تحمل طبقا مغطى (154)، ثم حديثٍ قصير عن الخضروات، ادى إلى خروج الى قصة جحا والسمكةِ التي ادعى أنها أكلت أباه (59)، ثم وقفةٍ لغوية، ثم وقفةِ مقارنة بين تقديم الأكل في الماضي وتقديمه في الحاضر، ثم رأي للشافعي عن غسل اليد قبل الطعام وبعده (165) ثم قفزٍة عالية إلى شمال المملكة حيث يختبر أبُ البنت شجاعة خاطب ابنته، ثم يصرخ العنوان الرئيس محتجا على نسيانه، فيعاد الحديث عن بعض جوانب الفاكهة والخضر، ثم يأتي عامل مغر، فيُبدأ حديث عن اللغة، ويُختار جانب قد يكون بعيداً عن متناول ابن اليوم، ويثار ما قيل عن القطاة واللطاة (2/174) والحوّ واللّو، والقبيل والدبير، والزفيان والرقبان (2/175).
ثم استراحة مع أحد الطفيليين، ومع أشعب، ثم يَجِدّ الحديث عن الآية الكريمة التي تَمثّل بها أشعبُ مبرراً تطفله، وهذه القصة تُسلمنا إلى قصة أخرى بطلُها مسؤول عن الجمرك في زمن مضى في إحدى مدن المملكة، وتُختتم هذه الاستراحات مع الأعمش، قبل أن تأتي إلى مسك الختام في هذا الباب، وهو شكر الله سبحانه وتعالى على نعمه.
وكلمة الإحماض بَعُدَ زمنها عن زمننا فحاولت أن أعيد صورتها إلى الأذهان، وأكثر من تكرار الحديث عنها، حتى أني خشيت أن يظن القارىء أن تكراري لذلك سببه شعوري بالذنب من الاستطراد وكثرته.
هذه أبرز معالم الجزء الثاني، وللجزء الثالث معالم يشترك فيها مع ماسبق من أجزاء، وينفرد بأخرى، لعل أهم مايشارك فيه الأسس التي بُني عليها أي بني في الاساس، أما التي انفرد بها فهي نصوص جديدة مفيدة ، برزت عندما حرصت أن أستفيد مما يمر بي قراءة أو حديثا، أدَونه ليكون مادة لجزء قائم بذاته, والقصص في هذا الجزء زادت لمّا تبين لي حب القارىء لذلك، وإقبالُه عليه، ومطالبته بالمزيد منه.
ومن ملامح الاسلوب الذي اتبعته الحرص على الترادف في الكلمات والجمل، إما لأن الكلمة الأولى موغلةٌ في الفصاحة أو الوحشة، والثانية تساعد على فهمها وخزنها، أو لان الاولى دارجة على ألسنة الناس والمرادف جيء به ليزيد في فصيح القارىء، واحيانا الكلمة عامية والمرادف فصيح، وأحيانا يكون المرادف هو العامي، لأن فيه صورة ثمينة.
ومن أمثلة الترادف في الجمل والكلمات ماورد في ص د ج3 عن المهابيل: فقد كانت (صورتهم) كلفا يشوه وجه صفحته (المجتمع)، وندبة تخدش عزته .
ومن ملامح الجزء الثالث أن الإنجازات الحديثه سيطرت على أغلبه، فالتعليم أخذ حقه وافيا، والصحة نالت نصيب الأسد، ورُكِّز فيه كذلك على بناء الطرق، بشريان الحياة الحديثة، وعلى الجسور، والمطارات والموانىء والانفاق، وغيرها مما هو مَعلَم يدل على إنجاز حديث، اقتضاه السير الحضاري الحديث، وموجباتُ التنمية.
ومن ميزات هذا الجزء الواضحة نتيجة التجربة في الأجزاء السابقة ,, أن الطريقة العفوية التي اتُّبعت فيه جعلت العناوين الرئيسة لاتزيد على ثلاثة، ولكن هذا لم يكن على حساب العناوين الفرعية، فهذه احتفظت بالنهج السابق في الاستطراد والتشويق لطرد الملل.
(في مقدمة هذا الجزء تفصيل كامل لهذا الجانب ص ك).
وفي هذا الجزء كذلك عودةٌ إلى أحد الأغراض الرئيسة من تأليف الكتاب، وهي وجوب فحصِ النصوص عقلا، وأن لاتُخدِّرَنا طرافتها عن نقدها، ووجوبُ إعطاء العاطفة غفوة لبعض الوقت، ليأخذ العقل حقه.
ويأتي في ظل هذا، التنبيهُ إلى الكلمات الخاطئة، في بعض الكتابات الحديثة، ووجوبُ عدم التهاون بها، ونُص على بعض مادخل اللغة العربية منها متسللا، وكيف حدث هذا, وهذا الأمر جَرَّ استطراداً إلى الأصول الصحيحة للجدل في الحديث،والحوار فيه، والنقاشِ بين اثنين أو أكثر، وكررّتُ ذلك ليكون طَرقا متتاليا على الباب فيفتحهُ.
والاستطراد، كالمعتاد، يجر إلى مالم يكن في المخطط، فمثلا في هذا الجزء ركزت على بعض مظاهر الإسلام، مما قد يدهش غير المسلم أن تكون حضارة الإسلام قد شملت ماشملت، مثلَ العنايةِ بالأطفال، والرفق بالحيوان، ورعاية المرضع، ومالها من حقوق، والبر بالوالدين، وكبار السن والضعفاء، والالتفاتة الكاملة لصلة الرحم، والحنو على اليتيم، والفقير وحفظ الجوار، والاعتراف بالمعروف، ورد الجميل.
والألغاز في اللغة العربية، وفي المجتمع العربي مظهر من مظاهر الفكر، ولها حضن دافىء في اللغة العربية، ولدى أهلها، لهذا زدت من عدد الألغاز في هذا الجزء تنشيطا للذهن، وإبعاداً للخمول، ولم يأت الامر فيها سرداً، وإنما جاء مع دراسة لائقة، تلقي ضوءاً على مايدور في فكر الملغز، ومتلقي اللغز، والمناحي الذهنية التي يدور في فلكها اللغز، وتقليب صفحات الحيرة التي يقع فيها متلقي اللغز.
(3/125) ( وفي المقدمة ص: ر،س)
قبل أن أترك هذا الجزء (الثالث) اشير إلى بعض ماتميز به من إدخال مصادر جديدة متنوعة لإثراء مكتبة القارىء، وقد أمكن من ذلك مامر من وقت بين إخراج الجزء الثاني والثالث، فكان ذلك نتيجة القراءة في هذه المدة واحتفظ هذا الجزء مثل غيره بلازمة الختام المنير لكل فصل بالشكر لله على ما أنعم.
اما الجزء الرابع فجاء بعد التجربة في الاجزاء السابقة، وبَعد التطرق لأكثرِ ما أردت أن أتطرق له، مما تذكرته، ولكن هناك أمور لم تنل نصيبها من المعالجة، وقد نبه إليها الاستشهاد بين آن وآخر بالامثال، فوجدت أن من المفيد أن أدخل هذا العنصر الجديد في الخطة، وفي إطاره أجمع شتات مالم أتحدث عنه، أو ما لم يخطر على بالي عند كتابة الاجزاء السابقة ، إما لبعده عن العناوين التي اخترتها، أو ان الاستطراد لم يوصل إليه.
ومعالجة الأمثال كَشف لجوانب فكر الأمة في ذلك الزمن، ولمسارب الأذهان, والأمثال غنية بالصور الحية عن ذلك الزمن وأهله، ومحيطهم، وتعطي فكرة ممتعة أحيانا عن رحلة المثل من عهد الجاهلية وما بعده إلى زمننا هذا، وعن التغيير الذي طرأ عليه، حتى أصبح بالصورة العامية التي هو عليها، إن كان عاميا, هذا إذا كان بينه وبين سابق له صلة، إلا أن هذا ليس لازما، فقد يكون المثل مُبتدَعا، ومن إيحاء البيئة والحياة فيها، مثل الامثال الزراعية.
وعلى العموم الأمثال صورة صادقة لكل جانب من جوانب المجتمع الذي لَمَستُه، جانب المدينة والقرية والزراعة والتجارة، أو صورةٌ لما عليه الرئيس والمرؤوس، والحاكم والمحكوم، ويمكن للمتمعن في المثل ان يغوص على ما يدور في أذهان الناس من أمانيَّ وطموحٍ وقناعة ، وعلى نظرتهم إلى ظواهر الكون والحياة، ومايطرأ على محيطهم من جدب وخصب، وسلم وحرب، وفقر وغنى، وغير ذلك من أوجه الحياة.
ومن صفات الأمثال وأهميتها أنها تعبير مختصر مركز، ويمثل صورة معبرة كاملة، وهذا يعطي المثل القدرة على التسلسل من جيل إلى جيل دون أن تفقد الصورة ملامحها أو مراقيها.
ولعل من المناسب أن أقرأ عليكم ما قلته عن ما في ص 7 من هذا الجزء الرابع:
الأمثال مظهر جمال لغوي، وهي وعاء حكمة، وهي قمة اختصار الافكار في كلمات معدودة، لمعان لا تحد، وهي صلة لغوية بين القرون، وسجلٌّ يرثُه اللاحقون عن السابقين، وديوانٌ لصورة حياة الناس في كل جوانبها .
وسيُلحظ في هذا الجزء أن الاستطراد أخذ حقه وافيا، لطبيعة الأمثال وترابطها وتداعيها.
وقبل أن أودع هذا الجزء أود أن اشيد بعمل استاذي عبدالكريم الجهيمان في جمع أمثال كانت عونا لي بعد الله في بدء المثل، أو الاستطراد في حقله، ومع الاستاذ عبدالكريم آخرون أشرت إلى كتبهم أثناء الحديث عن المثل, ولو تأخر هذا الجزء لاستفدت من مؤلفات في الأمثال توالى صدورها فيما بعد هي صورة مشرقة في هذا الجانب الفكري المتميز.
اما الجزء الخامس فجاء حاملا الرسالة نفسها التي حملتها الأجزاء الاربعة السابقة، محتفظا بالفكرة والخطة والمنهج والاسلوب، وفيه تأكيد على ما حُمد فيها، مما تبين قبوله لدى القارىء.
ومن ميزة هذا الجزء أنه استُفيد فيه من التجربة التي أكتُسبت من الأجزاء السابقة.
وعموما هذا الجزء احتوى على ثلاثة ملامح:
الأول: الصور التي كانت سائدة قبل نصف قرن أو أكثر قليلا، ثم اختفت أوبهتت، أو تطورت إلى مايتماشى مع العصر، يعرفها أبناء الجيل الماضي، وما بقي منها من رسوم دوارس يسهل تعريف هذا الجيل بها، (ص:10).
الثاني: رُكز في هذا الجزء على القضاء ،ورغم أن النية كانت في الاصل التركيز على القضاء في الماضي، إلا أن القلم وجد روضا خصبا عن القضاء في عصرنا هذا، وما أدخل عليه من تنظيم لاتزال الجهود الخيّرة من القائمين عليه تَتَلَمَّسُ جوانب تعضيد، وإكمال جوانبه بما يفي بمتطلبات المملكة في سيرها الحالي.
الثالث: قفز هذا الجزء قفزة واسعة مفاجئة، فجاء الحديث فيه عن الشاهي والقهوة، ولو لم تكتمل صفحات الجزء الثالث لكان مكانها هناك.
هذه ملامح ومعالم عن كتاب أي بني تعطي فكرة مختصرة وسريعة عنه، ولكنها لا تقف مَُمِثّلة لكل مافي الكتاب من معالم لَبَدت في زوايا منه لايحيط بها إلا من قرأ الكتاب بتؤدة وتمعن, هذا أيضا ما سمح؛ الوقت في هذه الليلة.
أرجو أن أكون قد وفقت لرسم صورة صادقه لبعض جوانب الكتاب.
في كتابي: أي بني سمة واضحة في ختام كل فصل من فصول الكتاب في أجزائه الخمسة، وهي الحرص على الاعتراف بالجميل لأهله، والشكر الوافي لذوي الفضل، لذا لعل من الحق،والبدهي، والإقرار المتناهي بالفضل في ختام هذا الحديث، أن أسدي جميل الشكر وجليله للإخوة الكرام أبناء الشيخ عبدالرحمن الثنيان، أصحاب مكتبة العبيكان، على ما قامو به من جهود متفانيةٍ مقدرة، وما أبدوه من نشاط مشاهد ملحوظ في سبيل جعل هذا البرنامج من أول كلمة ألقيت فيه إلى كلمتي هذه بمستوى هذا الحدث الذي تحمل الرياض، في هذا العام رايته وأشهد أن جهدهم بلغ المدى ، وعملهم أصاب الهدف، وأجزل فيه، فجزاهم الله خيراً، وقبل منهم عملهم المجيد هذا، ووفقهم دائماً لخدمة الثقافة مصدرِ الخير الفكري، والسعادة الروحية وجعل عملهم في الكتب والمكتبات مزدهراً ففي ازدهاره مردود خير لهم ولكل قارىء يدعو الله أن يبقى الكتاب مزدهراً، وقراؤه كثر إنه جواد كريم.
وفي نهاية المحاضرة وجه مديرها الاستاذ زياد الدريس العديد من الاسئلة كان أولها عن طلب من بعض الحضور والذين يأملون أن تنشر مذكراته التربوية في المستقبل.
فأجاب الدكتور الخويطر بأنه يتمنى ان يمده الله بالصحة والعافية وان يحقق بعض هذه المشاريع الحضارية المسهمة.
وأجاب معالي الدكتور الخويطر عن سؤال آخر حول التراث اشار الى انه عالم مهم وحيوي,, ولديه من الامثال الشيء الكثير.
وفي سؤال آخر من الحضور ورد ويطلب فيه من الدكتور الخويطر أن يوضح رحلته الطويلة واختصرها بدقيقتين وأكد على التسامح وأهمية النوايا الطيبة وهي من ركائز الحياة السعيدة.
وجاء سؤال آخر حول دور هذا الكتاب في حياة الشباب بمعنى انه موجه إليهم فأكد معالي المحاضر انه ممتن ان ردة الفعل جاءت طيبة ومناسبة.
وسؤال آخر حول العنوان من الدكتور/ محمد الخالد اشار فيها الى ان العنوان ابقى لو قال اي ولدي واجاب المحاضر بانه تعقيب مهم وجيد وسؤال آخر جاء يصف ان هناك بعض التجاوزات التي جاءت في وزارة المعارف فهو يؤكد على ان هذا الصرح الثقافي لم يكن مهماً.
وسؤال آخر حول المعالجة الدرامية, وهو مسلسل مهم,, فأكد السائل على أنه هناك بعض الرؤى التي لم تجد طريقها إلى الفهم, واجاب المحاضر إلى ان (المسلسل) جاء موفقاً حسب علمه,, الا انه أكد على ان الممثل قد يكون أقدر على فهم التفاصيل الدقيقة.
ووردت من الحضور بعض القصص والطرائف والحكايات التي جاء بها الحضور منوهين في هذا السياق بأهمية الوقت بالنسبة للضيف المحاضر,, وفقد وفق معالي الدكتور الخويطر في التعامل مع الظروف الوظيفية المهمة.
وورد سؤال آخر حول قصة شهيرة,, وطريفة وردت عن معالي الدكتور الخويطر.
وجاء سؤال آخر من الحضور يود فيه التعرف على ماذا قدم عبدالعزيز الخويطر للتعليم؟ وماذا قدمت وزارة المعارف للخويطر,,,؟!,, واجاب المحاضر إلى ان (الخويطر) ماهو الا فرد واحد فهو يرى ان هناك مايشاطره في هذا الجهد,, فكل فرد مؤهل له دور فاعل في اي جهاز يشرف عليه,, وضرب امثلة عديدة حول النشاط الاداري والفني في وزارة المعارف,, والتي شغل المحاضر منصب الوزير فيها لعدة عقود.
وعن الانظمة واللوئح التي اخذت بالتداخل,, جاء سؤال يصف فيه ان بعض الوزارات تعاقبت عليه اكثر من شخصية تحاول ان تغير ومن ثم يأتي آخر ويغير ما اعده سلفه,, فما كان من الضيف الا ان رفض هذا الامر ووصف ان هذا الامر لايمكن على الاطلاق ان يكون قد حدث لان كل وزير مهتم بما لديه.
وورد سؤال حول التربية والتعليم يتعلق بالمادة التي احدثت أخيرا وهي مادة التربية الوطنية ,, فأجاب معالي الدكتور الخويطر الى ان المادة التي اعدت هي من قبيل الاستزادة ولكن يخشى ان تزاحم هذه المادة موادة اخرى.
وتواصلت أسئلة الحضور والتي مالت إلى جوانب التعليم ومشاكل وزارة المعارف,, وبعض الاسئلة التي تتعلق بالمدرسة والتي أكثرت من تجاذب اطراف الحديث حول هموم المعلم وعقاب التلاميذ.
فأشار الدكتور الخويطر الى ان الاعلام هو المهم في هذا الزمن,, فاليوم هو يوم الإعلام ولايمكن,, وهو محاولة من الضيف للتعريف بأهمية الاعلام التربوي والذي يزيد من خبرة المعلم والمدير والاداري,,, في اي مدرسة.
وعن التأليف والنشر ورد سؤال من الحضور يشير إلى اي وقت يمكن أن يقرأ فيه الدكتور الخويطر ويؤلف فأجاب انه يهتم بما يقدمه للقارىء,, فهناك كتاب جديد من كتب المئوية والذي سيصدر قريباً.
وسؤال آخر يطلب من معالي الدكتور الخويطر ان يعدد للحضور مصادره الشفوية فأجاب بأن مصادره هي المواقف (الشخصية) التي مر بها,, وما ينقله عن أهله وذويه,, واستعرض بعض القصص التي مر بها وهي حكايات حيّة وحقيقية,, واشار الى ان هناك العديد من القصص التي لاتفقد صدقها وجوهرها.
وعادت من جديد أسئلة التعليم والمعارف واشار إلى ان هذه الاسئلة هي من قبيل العام بالشيء,, فقد ورد اول هذه الوجبة الجديدة من الاسئلة التي تتعلق بوزارة المعارف فجاء السؤال حول مسمى (وزرة المعارف) فأجاب بان تسمية الوزارة بهذه كان قبل طه حسين حسب ماجاء في السؤال وربما انها من عهد الاتراك فمن الاهم ان ننظر الى جهود المدرسة هي مثل المنزل تماماً,, فهما عنصران مهمان في بناء شخصية الطالب.
واشار معالي الدكتور الخويطر في اجاباته على الكثير من الاسئلة ان الوطن بحاجة لنا,, فيجب علينا والحديث هنا للمحاضر أن نتثبت في كل مايقال,, ولا نعتمد على الظن والادعاءات التي لا يمكن لنا الا نقف منها موقف الممحص,, والمتأني,, فإطلاق الشكوك، والتخمينات هي أخطاء يجب ان تبتعد عنها جميعاً.
وجاء سؤال آخر حول مدينة (عنيزة) بوصفها موطن اصلي للمحاضر فما كان منه الا ان اكد على انه ابن المملكة العربية السعودية,, فهو يشير إلى أنه عاش فيها اعواما قليلة,, وعاش في مكة والرياض وبلادا اخرى,.
وفي نهاية تعليقات معالي الدكتور الخويطر على الاسئلة,, شكر الحضور جميعاً وأكد على ان هذه الاسئلة تؤكد هذا الوعي والاهتمام.
القطاة: مقعد الردف من الدابة اللطاة: دائرة في الجبهة الحو واللو لا يفرق في الكلام بين ما يفهم وما لا يفهم الزفيان السعدي شاعر إسلامي الرقبان: شاعر جاهلي.
|
|
|
|
|