| شرفات
بعد مجموعة كبيرة من الكتابات الفلسفية والسياسية التي قدمها الدكتور عبدالوهاب المسيري أستاذ الأدب الإنجليزي المقارن كان أهمها موسوعته الشهيرة اليهود واليهودية والصهيونية ، فاجأ المسيري القراء بنشر سلسلة من قصص الأطفال تحت عنوان حكايات هذا الزمان حصل بها على جائزة سوزان مبارك لأدب الطفل في مصر.
لم تكن المفاجأة مجرد سعي مفكر موسوعي دخول عالم الصغار، لكن المسيري عبر الحكايات التي نشرت حتى الآن وهو يراهن على وجدان طفولي يقظ مزج بين الأسطورة والواقع وجعل الأطفال شخصيات مشاركة في صنع قصصها.
عن هذه التجربة وعن رؤيته في تطورات القضية الفلسطينية كخبير في الشئون الإسرائيلية كان هذا الحوال:
* متى فكرت في الكتابة للأطفال؟ وكيف بدأت الفكرة؟
في الستينات كنت في الولايات المتحدة الأمريكية ورزقني الله بابنتي الأولى نور، وكنت أشتري لها عرائس أمريكية جميلة لا تختلف عن عرائس الأطفال البسيطة المصنوعة من القطن والبسيطة إلى حد التجريد، وفوجئت عام 1965 م بظهور باربي وهي عروسة مجسمة ذات طابع استهلاكي واضح، لأنها تغير ملابسها باستمرار ولها أصدقاء وأصبح لها في الفترة الأخيرة بوي فريند ، فوجدت أنني لو تركت ابنتي مع المجتمع الأمريكي الاستهلاكي فسيقضي على طفولتها، لأن العروسه باربي كما أرى ليست للأطفال ولكن الغرض منها إجهاض براءة الأطفال, فبدأت أنسج لها عالمها الأسطوري وبعد ذلك مع ابني ياسر وأكتب لهم الحكايات التي تربطهم بتراثهم وثقافتهم.
* لماذا تعتمد في حكاياتك على المزج بين الواقع والأسطورة؟ وهل لذلك ضرورة لطفل العصر الحالي؟
طبعا لو تركنا الطفل في عالم الواقع تماما كما يفعل بعض مؤلفي كتب الأطفال فمعنى ذلك أننا ندجنه ونروضه على تقبل الواقع دون تساؤل، فكان لابد أن أتقن عالم غير عالم الواقع يمكن أن يمارس فيه الطفل خياله وحريته وكيانه، عالم يخلط بين الواقع والأسطورة وجعلت أبطال قصصي دائما هم نور نفسها وأخوها ياسر وانضم لهم حفيدي نديم ولهم أخ رابع عبارة عن جمل اسمه ظريف والهدف من وجوده ربطهم بالتراث وبالبيئة وابعادهم عن الدب الغربي الشهيرتيدي بير الذي أعتبره رمزا للإمبريالية الغربية، هناك أيضا شخصية صديق لهم اسمه الديك حسن ووظيفته في القصة انه حينما يؤذن ينتهي عالم الاسطورة ويبدأ عالم الواقع، فما افعله انني ادخل الاطفال في عالم الأسطورة لكنهم يعرفون أنه عالم أسطورة ولا يفقدون فيه تماما ويدخلون في عالم الواقع وهم يدركون ذلك، ويعرفون أننا لا يجب أن نستسلم لعالم الواقع بل يجب أن نحلق بالخيال دائما لنتجاوز عالم المادة والمعطيات الحسية.
بين الواقع والأسطورة
* كيف استطعت المزج بين الأسطورة والواقع؟ وماهي وسائلك لتجعل الطفل مشاركا فاعلا في القصة؟
مثلا آخذ نور والأطفال إلى عالم الذئب فنور هي ذات الرداء الأحمر وتقابل الذئب وهذا هو عالم الأسطورة ولكنها أسطورة في العصر الحديث، ولذلك حينما يقابلها الذئب ويسألهاإلى أين أنت ذاهبة؟ ، تقول له إنها ذاهبة إلى جدتها كما تقول الأسطورة، لكن نور تركب الدراجة وتعرف طريقا آخر لبيت جدتها فتصل قبل الذئب الذي لا يزال يدور في عالم الأسطورة التقليدية فيفتح الكتاب ويبدأ يتبع الخطوات المطلوبة منه دون أن يدرك أن هناك طريقا جديدا وأن هناك معطيات جديدة وتغيرات كبيرة, ويتنكر الذئب في زي ذات الرداء الأحمر ولكنه يصل بيت جدتها بعد أن تكون قد وصلت نور وحكت للجميع أن الذئب في طريقه إليهم، وحينما يصل الذئب ويطرق الباب يقول أنا ذات الرداء الأحمر لأنه حسب القصة الحقيقية المفروض أن يقول ذلك وتفتح له الجدة فيلتهمها ويجلس مكانها فتأتي ذات الرداء الأحمر فيلتهمها هي الأخرى، لكنهم في هذه القصة يفتحون له الباب ويضربونه.
من الوسائل الأخرى التي ألجأ إليها حتى يكون الطفل مشاركا فاعلا في القصة هو أن أجعله يعي بأن القصة قصة فيتحكم في النهايات، على سبيل المثال هناك قصة ستصدر قريبا تحت عنوان الأميرة والشاعر وهي عبارة عن أميرة تصاب بالحزن ولا تأكل ويبدأ أبوها في حل مشكلتها فيأتي لها بالأطعمة المحلية والمستوردة فيقاطع الأطفال ويقولون في القصص لا توجد أطعمة مستوردة فيقول القاص وهو الجمل ظريف: في قصتي توجد أطعمة مستوردة, ويستمر إلى أن يأتي الشاعر فيشفي الأميرة من حزنها فيقول السلطان له سأزوجك ابنتي لكن الشاعر يقول لابد أن نسألها اولا فيسألون الأميرة فترفض وتقول إنني لا أريد أن أتزوج قبل إتمام دراستي الجامعية وتنتهي القصة، فيحتج الأطفال ويقولون هذه ليست نهاية سعيدة ونحن متعودون على النهايات السعيدة، ويقترحون أن تكون النهاية أن الأميرة بعد تخرجها في الجامعة قبلت أن تتزوج من الشاعر.
* قلت إن كتابتك لقصص الأطفال بدأت كنوع من الخوف على أبنائك من القصص الغربية,.
فما أهمية أن يكون لنا قصص اطفال عربية خاصة بنا تعبر عن تراثنا وتربط هؤلاء الأطفال بحضارتهم العربية والإسلامية؟
أفكر جديا في عمل ذلك وقد كلفت أحد الأصدقاء أن يبدأ في الاطلاع على التراث ويستخلص لي القصص التي يمكن أن أطورها بحيث تصبح صالحة للأطفال والتراث العربي غني جد لكننا للأسف قد أهملنا ما فيه من روائح.
الحوار المسلح
* الأوضاع الحالية تفرض علينا أن نتطرق للشأن الفلسطيني الإسرائيلي بوصفك خبير في ذلك، فمن خلال مؤلفاتك العديدة في الشأن الإسرائيلي كنت تحرص على أنسنة اليهود وإسقاط الصورة الأسطورية عنهم والتعامل معهم من خلال الواقع كبشر,, من وجهة نظرك ما أهمية ذلك لواضعي السياسة العربية وللمواطن العربي؟
حينما تصارع الشيطان فاحتمال أن تهزمه ضعيف جدا، بينما حينما تصارع البشر فأنك يمكن أن تهزمهم ويمكن أن تتفاهم معهم أيضا، أي أن البدائل كثيرة وأنا أدعو إلى هذا وإن اختلف مفهوم الحوار، بداية من المباحثات السلمية إلى الحوار المسلح بأن ألقي عليهم بقذائف وحجارة تشج رأسهم فيفيقون قليلا من غيبوبتهم الادراكية، وقد اكتشفت أنهم في حزب الله كان شعارهم هوإن كنتم تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون بمعنى أننا نؤكد إنسانية الآخر أيضا وأنه ليس شخصية عجائبية، وعلى صناع القرار العرب أن يدركوا أن اليهود ليسوا أخطبوطا يسيطر على العالم أو أنهم قوة حرب لا يمكن أن تهزم وحينما يتجاوز كل هذه الأساطير وينظر للواقع الإسرائيلي المتأزم فهناك تناقضات كبيرة وطموح جميع الأحزاب وصراعها على السلطة.
* هل تعتقد أن الخلافات الإسرائيلية الداخلية يمكن أن تصل إلى حد تقويض الكيان الصهيوني؟
أشك في ذلك لأن مقومات الحياة بالنسبة للكيان الصهيوني تأتي من خارجه متمثلة في الدعم الأمريكي والتأييد الغربي، وبالتالي فمقومات موته أيضا موجودة خارجه ، ورغم أن التناقضات الداخلية ضخمة ومن أهمها التناقض العلماني الديني لكنها لا تؤدي إلى التآكل والانهيار، وما يمكن أن يؤدي إلى ذلك هو الضغط والحصار العربي والجهاد الإسلامي بكل الوسائل وعمل لوبي عربي يحمي المصالح العربية في الغرب ويواجه ضغوط اللوبي اليهودي هناك.
* أيهما أكثر فعالية في وجهة نظرك، حرب عربية ضد إسرائيل أم مقاومة فلسطينية من الداخل؟
أعتقد أن الحرب الشاملة صعبة، كما أن الحرب النظامية أصبحت شيئا مقلقا ومكلفا للغاية في ظل التطور المذهل للأسلحة الفتاكة، وعليه فإن حرب استنزاف من النوع الذي يشنه الفلسطينيون إلى جانب دعم قوي عن طريق مقاطعة إسرائيل ومقاطعة البضائح الأمريكية وطرد السفير الإسرائيلي ووقف التطبيع، كل ذلك يكلف الكيان الصهيوني الكثير ويجعله يراجع مواقفه بعض الشيء.
محمد سامي
|
|
|
|
|