| مقـالات
,, لا بل إن منظمة حماس قد اقتربت من هذا التهديد ومن اعادة الربط هذه، ولرغبتنا في القضاء على مصدر التهديد هذا وفي الوقت نفسه ننفذ خططنا في قدر اكبر من الهدوء، ونظراً لكون اسرائيل اصبحت في ورطة حقيقية امام شعب يتسابق جميع افراده الى الاستشهاد، فقد وجدنا انفسنا إبان انتفاضة الثمانينات امام اختيارين لا ثالث لهما:
التدخل بجيوشنا الى جانب اسرائيل لسحق هذه المنظمة وهو ما سيكشف عداءنا للعرب بشكل سافر وواضح لهم رغم سذاجتهم, وعند هذا نخسر فرصة تحقيق استراتيجياتنا في الحالة المعروفة من عدم الاتفاق والوعي العربي بما إذا كنا اعداء أم اصدقاء,, ويجعل الحرب المباشرة وسيلتنا الوحيدة بعد ذلك لتحقيق تلك الاستراتيجيات والاهداف، ويدخلنا في دوامة من حرب العصابات او ما يسميه المسلمون بالاستشهاد تلعب برؤوسنا كما حدث في فيتنام وتضاعف خسائرنا.
التضحية المؤقتة ببعض المصالح الإسرائيلية البسيطة في سبيل مواجهة الشعب الفلسطيني والأمة العربية بالحيلة والتآمر والغدر.
وبغير ما جهد تحليلي يذكر أخذنا بالاختيار الثاني, فاستدرجنا منظمة التحرير الفلسطينية الى اتفاقية سلام زائفة وأقنعنا اسرائيل بالموافقة على البعض من شروط تلك المنظمة الإرهابية ومن اخطر تلك الشروط قيام دولة فلسطينية بعد مضي مدة من الزمن على بعض أراضي ماقبل 1967م بحيث يطبق هذا الاتفاق على مراحل تبدأ بانتقال مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية الى غزة وتسمى السلطة الوطنية الفلسطينية، على الا يحين موعد قيام هذه الدولة إلا وقد اجهزت السلطة الفلسطينية على منظمة حماس, وعلى الجانب الامريكي نكون قد حققنا اهم اهدافنا في الوطن العربي وفي كل ارجاء العالم بعد أن أقصينا روسيا والصين وفرنسا عن ممارسة أي دور فعال في القضايا الحساسة, ولضمان استمرار سيطرتنا على الامور والحيلولة دون انفلاتها والخروج عن المسار المحدد وتجسيدا للانفراد بالهيمنة على الشرق الاوسط قمنا بدور الوسيط والضامن لتطبيق بنود هذه الاتفاقية, وقبل ان يسألني أحدكم: كيف ستتخلص اسرائيل وامريكا من التزاماتهما تجاه هذه الاتفاقية, اريد القول بأن ذلك سهل جدا طالما ان امريكا هي الضامن الوحيد, وقد تركنا في هذه الاتفاقية مفاصل يمكن من خلالها إقناع الرأي العام الغربي في الوقت المناسب بأن الفلسطينيين قد تخلوا عن عملية السلام وخرقوا تلك الاتفاقية.
بموجب هذه الاتفاقية منحت اسرائيل السلطة الفلسطينية قطعة ارض في غزة, ومولنا إنشاء مكاتب لهذه السلطة فوق معتقلات من المفترض ان يسجن فيها اعضاء من منظمة حماس ستسلم إسرائيل قوائم بأسمائم الى السلطة, ومن كانت شعبيته تفوق قدرة السلطة على اعتقاله، فيكفي أن تزودنا السلطة بمعلومات عن أماكن تواجده او تساعدنا بزراعة اجهزة إلكترونية في بعض مستلزماته تسهل عملية اغتياله، وسوف تقوم الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية باللازم,, وقد نفذت السلطة التزاماتها بشكل جيد الا ان الموعد المحدد لقيام الدولة قد اقترب ومنظمة حماس لا تزال قوية, والاهداف الامريكية المرحلية في الوطن العربي لم تتحقق جميعها, وحين بحثنا عن الاسباب فيما يتعلق بعدم تحقيق كل اهدافنا وجدنا أنها متعددة ومعقدة ومن اهمها العقبات الثقافية والسياسية التي اعترضت مسيرة فخ العولمة والنظام العالمي الجديد وارتياب الشعوب العربية من النوايا الأمريكية,, اما فيما يتعلق بمنظمة حماس فقد وجدنا انه حصل التفاف على اهدافنا من قبل هذه المنظمة وبعض المسؤولين في السلطة الفلسطينية الذين يبدو أنهم أدركوا اننا لم نكن ننوي قيام دولة فلسطينية فوق اي ارض وتحت اي سماء، وأننا لم نكن ننظر للسلطة الفلسطينية بأكثر من كونها مركز شرطة عربية ينفذ توجيهات إسرائيلية وامريكية, ورغم اننا استشطنا غضبا من سرقة هؤلاء المسؤولين لماركة التآمر الغربية إلا ان تقييم خبرائنا للأمور اقنعنا بأنه ليس من مصلحة امريكا واسرائيل التراجع عن عملية السلام بشكل كامل في الوقت الحاضر، ونحن ندرك حجم الضغوط التي يتعرض لها ياسر عرفات من الشارع الفلسطيني وحفنة من مسؤولي السلطة بهدف دفعه الى اعلان الدولة الفلسطينية في الموعد المحدد,, وندرك أيضا ان اسرائيل في ورطة، فالفراغ الذي ستتركه السلطة الوطنية في ما لو تم حلها او غادر اعضاؤها احتجاجا على عدم اعلان الدولة الفلسطينية في موعدها ستملؤه منظمة حماس, ونحن أيضاً في ورطة، فلو اعلن عن قيام الدولة الفلسطينية من جانب واحد فسيؤثر ذلك على كبريائنا ويقلل من دورنا في هذا العالم,, وأمام هذه المتناقضات رأينا ضرورة تقديم وعود جديدة بإجراء مفاوضات للاتفاق على موعد مناسب لإعلان قيام هذه الدولة ولكن ليس وفق اي بند من بنود اتفاقية اوسلو، لأن المتشددين والمعارضين الاسرائيليين لم ولن يقبلوا بهذه الاتفاقية,, وسيغرون بباراك، ونحن لانريد ان يقتل, وفي جانب آخر نعلم ان الشعب الفلسطيني وبعض اعضاء السلطة الوطنية في ظروف ما قبل زيارة شارون للمسجد الاقصى لن يتنازلوا عن حرف واحد مما بقي من بنود الاتفاقية، فقد مُحصت كثيرا الى درجة ان زيادة كلمة او إنقاصها من شأنه الإغراء بياسر عرفات ونحن لا نريد ان يقتل أيضاً، فلا احد يمكن ان يقبل بما قبل به, وإزاء هذا التعارض بين المصالح وهذا التعقيد الشديد إضافة الى حمى الانتخابات الامريكية وحاجة المرشح الديموقراطي الى اصوات الجالية العربية واللوبي الصهيوني في امريكا رأينا انه لابد من استمرار الوضع الفلسطيني في عملية سلام لا تدوم أبدا ولا تنهار سريعا في الوقت الذي نتخلص فيه من الموعد السابق لإعلان قيام الدولة الفلسطينية! عملية سلام جديدة يقبل بها الإسرائيليون والفلسطينيون رغم تناقض وتنافر مطالبهم, ويبدو ذلك لغير الامريكيين ضربا من المستحيل, اما نحن فإن اهتمامنا بمثل هذه الحيل المعقدة قد أكسبنا خبرة واسعة فاهتدينا الى ان الامر يتطلب تدبير حدث ما يجعل الاحزاب والمتشددين في اسرائيل يقبلون بأن يقدم باراك تنازلات معينة تتمثل في تجديد الوعد بقيام دولة فلسطينية، ويجعل الشعب الفلسطيني والعناصر المتشددة في السلطة يقبلون بأي تنازلات يقدمها عرفات تنصب على تأجيل الموعد السابق وحذف بعض البنود المتبقية من اتفاقية أوسلو وأهمها الارض ومدى السيادة, هذا الحدث يتمثل في قيام اسرائيل بأعمال مفزعة ومروعة توقع خسائر فادحة في الارواح والممتلكات والروح المعنوية للشعب الفسطيني، وعلى الجانب الاسرائيلي توقع بعض الخسائر في الارواح والاقتصاد, وتؤثر على الرأي العام الغربي لكون تلك الاعمال ستفوق في وحشيتها ما حدث في البلقان من اعمال مهدنا بها لتدخلنا في سراييفو وكوسوفا, وهنا تصبح الصهيونية في كل مكان وبخاصة في امريكا امام واقع يفرض عليها قبول وعد بقيام الدولة الفلسطينية, فقط نريد مبررا لتباشر اسرائيل تنفيذ تلك الاعمال، ولما كنا نعلم ويعلم الاسرائيليون كذلك ان انتفاضة الثمانينات لم تنته وأنها لا تزال متقدة كالجمر تحت الرماد ولايلزمها سوى نفخة بسيطة كي تظهر وتشتعل من جديد لتوفر لنا المبرر المطلوب لتبدأ اسرائيل في تنفيذ تلك الأعمال,, ولما لم نجد افضل من شارون ليكون القربة التي ننفخ بها الرماد من فوق ذلك الجمر المتقد، أشرنا عليه بزيارة المسجد الاقصى, ولكي نسيطر على الامور ونحد من ردود الافعال ونحدث الارتباك والحيرة ونمارس الضغوط رتبنا لاجتماع شرم الشيخ، ويجري الآن ترتيب أعلى لاجتماع في واشنطن بين عرفات وكلينتون، وهكذا تلاحظون أننا حرصنا على الاجتماع بعرفات قبل مؤتمر القمة العربية الطارئة الذي عقد في القاهرة بدعوة من حسني مبارك رغم أننا حذرناه,, ونحرص الآن على الاجتماع بعرفات قبل انعقاد قمة المؤتمر الإسلامي في الدوحة للأسباب نفسها، فنحن لانريد تعقيد الامور، لأننا في عجلة من امرنا بسبب الإيقاع السريع للتغيرات العالمية التي تفرض علينا الإسراع في تنفيذ عملياتنا بغية تحقيق اهدافنا قبل ظهور بعض التغيرات المتوقعة او ظهور عوامل لم تكن في الحسبان, ولاشك ان قضية فلسطين تزعجنا وتربكنا على المستويين العربي والاسلامي ولو استطعنا تحقيق إغفاءة لهذه القضية بدون تحديد موعد جديد لقيام دولة فلسطينية، لكان مكسبا كبيرا لنا,, وفي إطار محاولاتنا لتحقيق ذلك أوحينا إلى السلطة الفلسطينية بواسطة أحد الأصدقاء المخلصين ويوجد بينكم الآن في هذه القاعة بمسألة الحماية الدولية للفلسطينيين عن طريق نشر قوات للأمم المتحدة في الأراضي الواقعة تحت إشراف السلطة حاليا, وأظهرنا معارضة شديدة لهذه الفكرة حتى يكون ثمن موافقتنا هو عدم تحديد موعد لقيام الدولة الفلسطينية, وسنقنع السلطة الفلسطينية وما أسهل إقناع بعض النخب العربية بأنه من غير اللائق الجمع بين إعلان قيام الدولة حسب الموعد السابق او تحديد موعد جديد لهذا الإعلان وطلب قوات دولية لحماية الفلسطينيين من فرق الإعدام الإسرائيلية، وعليهم أن يختاروا بين الاعلان عن قيام الدولة الفلسطينية من جانب واحد، ومن ثم استمرار الحصار وعمليات القتل الإسرائيلية ضد شعبهم، وبين تأجيل الإعلان وترك الموعد مفتوحا ومن ثم الفوز بموافقتنا على نشر قوات من الأمم المتحدة وتوقف عمليات القتل والحصار، وهناك دلائل على أن خطتنا هذه تسير في الاتجاه الصحيح رغم وجود معارضة من بعض أعضاء السلطة لكنها في النهاية ستنجح, فنحن الصديق والعدو، والمحارب والمسالم، والمفاوض والوسيط، والمدعي والمحقق والقاضي، والشاهد والحكم والضامن, وعلى الفلسطينيين ألا يفوتوا هذه الفرصة، لأننا في المستقبل سننشغل بتوظيف حادثة لوكربي لتركيع سوريا وإيران بعد أن تم تحقيق الأهداف على الجانب الليبي، كما أننا بصدد البحث عن أفضل الطرق لتوظيف حادث انفجار الخبر وتفجير المدمرة كول ونسف سفارتينا في أفريقيا, على الرغم من أن شيئا من ذلك لن يكتمل توظيفه قبل مغادرتي لوزارة الخارجية, لكن على أصدقائنا أن يطمئنوا إلى أن مغادرتي لن تؤثر شيئاً لكون إدارة خلق الأزمات في وكالة الاستخبارات الأمريكية قد رسمت استراتيجية عامة للتجارة بالإرهاب لا تتأثر بتغير الاشخاص, ودور السياسي في تنفيذها قد لايتجاوز التهيئة السياسية للدول والحكومات والإيحاء لها بكيفية التعامل مع ما نعلن عنه من نوايا واتهامات,, لعل إجابتي واضحة,, هل من اسئلة اخرى؟
كان الجميع في حالة ذهول,, رفعت يدي طالبا الإذن بتوجيه سؤال فأذنت,, حاولت الوقوف وقد خيل إليَّ أن ركبتيَّ لا يمكنهما حملي، وحين اصبحت واقفا قلت: لديّ عدد كبير من الاسئلة سأوجهها تباعا,, فقاطعتني قائلة: أنت عربي، هذه صفتكم الغالبة, أمة صوتية, اخفض صوتك ولا تزد على ثلاثة اسئلة,, تمالكت نفسي وسألت:
لديّ كثير من المبررات التي تجعلني أشك في مصداقية الأهداف التي أعلنتم بأنها تحكم تصرفاتكم ومواقفكم إبان الحرب العراقية/ الإيرانية وإبان حرب تحرير الكويت، منها أنني اشك في صدق رغبتكم في القضاء على التهديد العراقي لدول الخليج, فهل شكّي في محله؟
لو أن دول الخليج العربية طلبت من أمريكا إسقاط النظام العراقي خلال شهر من بداية حرب تحرير الكويت وربطت كثير من مساعداتها وتمويلها للعمليات الحربية بهذا الشرط، وفي حالة عدم تحقيقه تغادر جميع القوات الأمريكية والبريطانية منطقة الخليج مباشرة,, فهل كنتم ستوافقون؟
أنا مقتنع بأن امريكا وافقت مسبقاً على جميع الرحلات الجوية الأخيرة من وإلى العراق, وداخل العراق, وأن موقفكم المعلن من هذه الرحلات ليس إلا موقف سياسي بحت، مما يعني أنكم تعدُّون العدة وتهيئون الظروف ليقوم العراق بدور ما تجاه بعض الدول في الخليج أو داخل منظمة أوبك, فهلا تفضلت وأوضحت لنا الأمر؟لقد كانت على وشك الإجابة إلا أن طفلا من شهداء الانتفاضة سبق إلى التحدث قائلا: في ما يخص فلسطين من حديثك أود أن أسأل: أيمكن أن يكون الإنسان بهذه القسوة والوحشية؟ من السهل علينا أن نصدق أنكم كذلك لكن كيف نصدق بأن بعض أهلنا يوافقون على قتلنا لإجبار الشعب الفلسطيني على تمرير سياسات معينة؟ فأجابته بسرعة: انتظر نتائج اجتماعنا القادم بعرفات في واشنطن ويمكنك ان تعرف بعض هذه النتائج على وجه الدقة إذا أجريت عملية ربط بين ما سيعلن عنه من قرارات وما يستجد من إجراءات على أرض فلسطين و,,لكن ذلك الطفل قاطع حديثها بتنهيدة عميقة ثم صوب نظره إلى جميع الشهداء وقال: ماحدث لنا فيه الكفاية ,, هيا يا رفاقي لنعد إلى قبورنا حتى تستمر قلوبنا وأرواحنا تنبض بالحياة والإنسانية ودعوا هؤلاء فإنهم موتى,! وفجأة صرخت مادلين أولبرايت: من هذا الذي ضحك دون إذن؟ قف,, وأشارت إليَّ فاستيقظت من نومي وأنا واقف في حالة ذعر, ووجدت أنه لابد من تغيير ثيابي.
|
|
|
|
|