| أفاق اسلامية
أصبحت وسائل الاتصال اليوم جزءاً مهما من حياة كل فرد يتلقى منها الخبر والمعلومة والرأي، وبالتالي فإن ثمة آثاراً إيجابية حققتها هذه الوسائل للفرد في مجتمعاتنا، الأمر الذي لايمكن معه تصور إمكانية الاستغناء عنها بحال ولذا فمن غير العدل النظر إلى ما تقدمه على أنها جميعاً لا تقدم سوى المضمون السيىء الذي يسعى فقط لإفساد المجتمع إذ ذلك خطأ من الناحية المنهجية لأنه يقوم على أساس أحادية السبب وهو ما يعد أمراً غير مقبول في الدراسات التربوية والاجتماعية، كما أنه من جهة اخرى ينظر إلى ممارسات وسائل الاتصال الجماهيري وتأثيراتها وما تقدمه لجمهورها من جانب واحد فقط من بين جوانب عدة.
ومع هذا فلا أنكر أن لهذه الوسائل العديد من الممارسات التي أصبحت تسير في اتجاه معاكس للاحتياجات الحقيقية للفرد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، إذ إن من أبرز مايواجهه الشاب اليوم ذلك التدفق الهائل للمطبوعات ذات الاهتمامات الهامشية وكذلك الكم الكبير لبرامج التلفزيون الفنية والترفيهية، لاسيما بعد تعدد وانتشار القنوات التلفزيونية الفضائية العربية وغير العربية، إذ تؤكد العديد من الدراسات الميدانية تنامي وارتفاع حجم استخدامها من قبل كثير من الشباب على نحو أصبحت فيه اهتماماتها الهامشية محور اهتمامات اولئك الشباب، ويكفي أن يجري المرء دراسة مسحية على غالبية مواد تلك المطبوعات وبرامج تلك القنوات ونوعية اهتماماتها ليدرك أنها وهي تقول لمشاهديها حتى الصباح (ابقوا معنا) تعمل على إعادة ترتيب اهتمامات أولئك الشباب لتصبح الاهتمامات الثقافية والفكرية والعلمية في مؤخرة تلك الاهتمامات، وتلك نتيجة طبعية للاهتمامات التجارية عندما تغيب عنها مراقبة الله وحب الخير للآخرين والمسؤولية الذاتية والاجتماعية أو عندما تغيب الممارسة الصحيحة لها، بل إن عدداً من أهل العلم والتربويين كانوا يتطلعون إلى هذه المطبوعات والقنوات بوصفها ذات رأس مال عربي على أنها ستسهم في ماتقدمه من مواد وبرامج في مواجهة التدفق الإعلامي الغربي المغاير في كثير من مضمونه وشكله لقيم ومعتقدات وسلوكيات مجتمعاتنا الإسلامية، فوجدوا أن الوسائل العربية أضحت تفوقها وتتفوق عليها في ممارسة التغريب الثقافي والإغراق في الاهتمامات الهامشية.
ولعل مما أضحت عدد من تلك القنوات التلفزيونية تروج له عبر إعلاناتها التي لا تنقطع الدعوة إلى أن يشارك المشاهد أو المشاهدة الآخرين بالاتصال على بعض الأرقام الهاتفية وهو ما سمي ب (خط أو خطوط الصداقة) إذ سيجد من يتحدث إليه في الفن! والرياضة! وكل مايرغب الحديث فيه!!، وهي شباك ومصيدة يراد أن يقع في حبائلها بعض الشباب والفتيات وقد وقع منهم من وقع في حبائل ذلك، حتى بلغت مبالغ الفواتير الهاتفية الخاصة بهم اثر هذا الاستخدام أرقاماً خيالية جلها سيذهب إلى تلك الشركات الذي أرادت أن تستغل سذاجة البعض من شبابنا وفتياتنا.
وحتى لو لم يترتب على هذا الاتصال مبالغ مالية طائلة بمعنى حتى لو نجحت تلك الشركات في أن تكون الجهات التي يتصل عليها بها قريبة من المملكة ومن ثم قلت التكلفة فإن من أسوأ الأشياء أن تظل هذه الظاهرة تنمو وتزداد في غياب من ولي الأمر الأب أو الأم حتى يصبح أحد أبنائهم معلقا بأوهام استطاعت تلك الفتاة أو استطاع ذلك الشاب أن يرسمها في أذهانهم، أو أن تكون تلك العناصر التي هاتفها سواء طالت المكالمة أم قصرت قد جرأته او علمته الحديث في جوانب أربأ بهذا الموقع عن ذكرها,,.
بيد إني هنا أود الإشارة إلى أن غالبية إن لم يكن كل من يستخدمون تلك الخطوط ليتحدثوا مع الجنس الآخر هم في تقديري من اعتادوا البحث عن أرقام محلية يهاتفون عبرها عناصر تتفق معهم في الرغبة أو يؤذون فيها بيوتا محافظة بعيدة عن تلك الممارسات، وأعني بهذا أن جهودنا ينبغي أن تركز على نحو أكبر على أبنائنا وبناتنا للحد من ممارساتهم تلك والعمل على استصلاحهم ومن ثم بعد ذلك العمل على توجيه الدعوة إلى تلك القنوات وبعض المطبوعات أن لاتعمل على نشر اعلانات تلك الخطوط استجابة للاحتياجات الحقيقية للأفراد وتجسيداً للوظائف المناطة بها.
إذن من المهم قبل أن نتحدث عن عوامل خارجية أخرى نرى أنها أسهمت في وجود تلك الممارسات وفقا لما يصفه علماء النفس بالإسقاط، أن نتحدث على نحو مفصل عن أساليبنا التربوية التي يتنامى لدى الكثيرين أخطاؤها وتضعف قيمتها ويقل محبوها من الأبناء إضافة إلى تقصيرنا الواضح في دعم السلوك الجيد لدى الشباب في مقابل مفاهيم وممارسات أخلاقية تعكس واقع مجتمعات أخرى، إننا ينبغي أن نعلم ونتعلم أن كثيراً مما نجده من ممارسات مغايرة للسلوك السوي لدى بعض الشباب هو في أغلب الأحيان يرجع إلى تقصيرنا وأخطائنا!!
د, مساعد بن عبدالله المحيا * عضو هيئة التدريس في قسم الإعلام كلية الدعوة والإعلام.
|
|
|
|
|