| ملحق البيعة
*
إعداد: القسم السياسي
تمر اليوم 21/ شبعان 1421ه تسع عشرة سنة على تولي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود أيده الله مسؤولية الحكم، ففي مثل هذا اليوم من عام 1402ه انتقل الى جوار ربه الملك خالد بن عبدالعزيز عليهما رحمة الله بعد أن أدى ما عليه من أدوار في رسالة بناء الدولة وخدمة الدين والأمة، لتنتقل مسؤولية الملك والقيادة بأكثر الأساليب العصرية يسرا وسلاسة، الى ولي عهده آنذاك، الأمير فهد بن عبدالعزيز الذي واصل مسيرة البناء ورسالة العطاء ومسؤولية الحكم،وخدمة الدين والوطن والأمة العربية والاسلامية,, وهي المسؤولية والأمانة اللتان ما زال يحملهما ويؤديهما بكفاءة واقتدار شهد له بهما حكماء العالم من قادة الدول ورؤساء الحكومات وعلماء المسلمين وخبراء مختلف الشؤون السياسية والاقتصادية والعلمية والأمنية والعسكرية,, المملكة في موقع متميز في موكب الدول المتقدمة.
وتحل هذه الذكرى اليوم والمملكة بحمد الله في موقع متميز في موكب دول المقدمة التي تتزاجم بالمناكب لتحتل مواقعها اللائقة بها في عصر التحديات المحسوبة وغير المحسوبة في القرن الميلادي الحادي والعشرين.
طرح استراتيجيته السياسية ونفذها
وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله بعدما بويع ملكا، وقائدا لمسيرة البناء والتطور الحضاري لم يبدأ من فراغ سياسي، كما لم يتكىء كل الاتكاء على الرصيد الضخم من التراث الذي خلفه والده المؤسس واخوانه الملوك الراحلون الذين تبادلوا تسلم راية الدعوة لله، والعمل لخير الوطن والأمة حتى سلموها له, وانما بدأ بطرح رؤيته السياسية الاستراتيجية البعيدة المدى لمستقبل المملكة ومستقبل أجيالها القادمة، وأيضا لمستقبل الأمة العربية اذا ما تضامن حكامها، واعتمدوا التضامن قاعدة للعمل المشترك بينهم، وايضا لمستقبل الأمة الاسلامية اذا ما تمسك حكامها وابناؤها من خلفهم بكتاب الله وسنة رسوله المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام.
وكذلك مستقبل الدعوة العالمية لدين الله الاسلام الذي لا خلاص للبشرية مما أصابها ويصيبها من علل وأدواء وفرقة وانقسامات وحروب وصراعات وقحط وكوارث ومجاعات وابتلاءات إلا بالعودة لله، والاهتداء بهدي تعاليم شريعته السمحة.
الأهداف الوطنية لاستراتيجيته السياسية
ولعل من آيات توفيق الله سبحانه وتعالى له في مبدأ مباشرته للعمل الوطني العام كملك وقائد للمسيرة المباركة أنه حدد منذ البداية أهدافه الوطنية التي جسدت طموحات الانسانية لخدمة الوطن والمواطن، وقد عبر عن ذلك في مواقف متعددة قد لا تحصى منها ما قاله عن الانسان السعودي ودوره في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تتضمنها استراتيجيته السياسية، حيث قال:ان صناعة الانسان هي الاساس فالمال يذهب والرجال وحدهم هم الذين يصنعون المال، وان كل أهدافنا في البناء والتطور، وتحقيق المجتمع المتقدم لن تتم اذا لم يتم القضاء على الجهل، واننا لنعتبرها مهمة من اقدس مهمات ومسؤوليات الحكم .
ولقد أصاب كبد الحقيقة بذلك إذ إنه بدون وفرة كوادر وطنية مؤهلة بالعلوم والمعارف والخبرات ستظل البلاد تعتمد في تنميتها وتطورها على سواعد قوى عاملة خارجية تعطي فقط بقدر مردود هذا العطاء عليها من المال والفوائد الأخرى.
حقق أهم أهداف سياسته الوطنية
ولهذا واصل في مجال التعليم ما بدأه منذ ان كان وزيرا للمعارف في العام 1373ه، إذ قاد حملة وطنية واسعة ومكثفة في مجال التعليم للبنين والبنات من مراحل الاساس الروضة والتمهيدي والتعليم العام (الابتدائي والمتوسط والثانوي) وحتى مراحل ما فوق التعليم الجامعي.
وخلال السنوات التسع عشرة التي مضت من قيادته للعمل الوطني العام، ارتفع بعدد الطلاب والطالبات في المدارس والمعاهد والكليات المتخصصة والجامعات من 35 ألف طالب وطالبة قبل ثلاثة عقود زمنية الى قرابة خمسة ملايين طالب وطالبة الآن، في حين ناف عدد خريجي وخريجات الجامعات الوطنية والخارجية على أكثر من نصف المليون خريج وخريجة خلال تلك العقود الثلاثة واصبحوا واصبحن في مواقع قيادية ادارية وتنفيذية وتخطيطية لمشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وهكذا حقق أول وأهم أهداف استراتيجيته السياسية في مجال بناء الانسان السعودي.
إعداد البنية الأساسية بعد تأهيل المواطن
وبعد تحقيق هدف بناء الانسان السعودي ليتولى مسؤوليات العمل العام في وطنه بناء وتنمية وعطاء التفت خادم الحرمين الشريفين الى جانب مشاريع التنمية الاقتصادية في قطاعيها الصناعي والزراعي.
وكانت رؤيته أن تقام بنية أساسية عصرية وقوية وعلى أحدث النظم والمواصفات الهندسية والفنية التي تستخدم أكثر معطيات تكنولوجيا الصناعة تطورا في العالم في مجالات النقل والمواصلات والاتصالات والبلديات والاسكان والطاقة والصناعة والزراعة واعتمد سياسة تسهيل العمل في هذه المجالات وتذليل كل الصعاب,, وقد صادف ذلك السنة الثانية من الخطة الخمسية الثانية (14001405ه) التي قال عنها في حديثه: ان الخطة الخمسية موجهة بشكل رئيسي لمشروعات التنمية والتصنيع لايجاد قاعدة صناعية متطورة مع تطوير امكانات المملكة الزراعية، والنهوض بقطاع الخدمات، وقد بذلت المملكة جهودا ملموسة في هذا المجال، وقطعت مراحل طيبة للوصول الى غايتها، كاقامة مدينة صناعية في كل من الجبيل وينبع وانشاء شركة الصناعات الأساسية سابك وتشجيع القطاع الخاص على الاتجاه الى الصناعة وتقديم القروض والاعفاء من الرسوم الجمركية، علاوة على تنفيذ المشروعات الانمائية والزراعية في الاحساء وحرض وجازان، والقطيف وغير ذلك من المدن والقرى في شتى أنحاء المملكة.
تنفيذ مشاريع أربع خطط خمسية
وفي عهده الميمون وخلال هذه السنوات التسع عشرة التي مضت على توليه مسؤولية الحكم، تم تنفيذ مشاريع خمس خطط خمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وقال في هذا المعنى: اننا نحمد الله على توفيقه في تنفيذ خطط للتنمية ركزت على ايجاد البنية الأساسية، فأصبح المواطنون ينعمون اليوم بخدمات تضاهي ما هو موجود في أكثر بلدان العالم تقدما، واعترف بذلك المراقبون الأجانب الذين شككوا في مقدرتنا على استيعاب التقنية الحديثة في الزمن القصير الذي تم فيه ذلك، واننا نسأل الله التوفيق في اكمال الخطط القادمة بالنجاح نفسه الذي حققناه في الخطة السابقة الثانية وبذلك ننجح بإذن الله في احداث تحول حقيقي في البنية الاقتصادية حيث تتنوع القاعدة الانتاجية وهو أمر بدأت تظهر بشائره ونحن نرقب النشاط الملموس في بناء الصناعات الأساسية وازدياد السلع المنتجة محليا وتكريس الجهود في التنقيب عن المعادن وظهور علامات ثروة معدنية هائلة، وكلنا نعتز بالنهضة الزراعية في شتى ربوع المملكة حتى ان كثيرين يتطلعون الى اليوم الذي نكتفي فيه ذاتيا من كثير من المنتجات الزراعية، وسوف تدعم الدولة ذلك الجهد بوصفه يحقق هدفا وطنيا مهما .
ويضيف: وستركز الخطط الخمسية القادمة على أمرين في بناء الانسان السعودي القادر على المساهمة في التنمية المستحق بجدارة أن ينعم بخيراتها، ثم تحسين البنية التي يعيش فيها وسيكون هدفنا دائما ان شاء الله هو حسن توزيع الدخل على المواطنين ليعم الخير كل فرد مهما نأت قريته عن العمران، أو بعدت عن مراكز النشاط والحركة والبناء والتصنيع، ومن أهدافنا أن يستمر نشر العلم بالسرعة التي يسير عليها ثم أن نركز على رفع مستوى التعليم فنعنى بالكيف عنايتنا بالكم، كما تنصرف عنياتنا الى رفع الكفاءة الادارية لدى موظفي الدولة، وتعديل الأنظمة المالية والادارية لتحقيق ذلك الهدف، ويأتي في مقدمة ما نهتم به أيها الأخوة دعم قواتنا المسلحة كي تكون رادعة لكل عدو تسول له نفسه المساس بأمن واستقرار هذا الوطن الكريم، ولن نبخل في سبيل ذلك بأي غال أو نفيس,, تلك آمالنا وأهدافنا أيها المواطنون وأريد منكم فردا فردا أن تعوا مسؤوليتكم تجاه دينكم ووطنكم، فالدولة تتكون من شعب وحكومة تمثله وتعمل من أجله وبمجهود الشعب ونضاله ترقى الأمم وتبلغ آمالها .
تغيير في ذهنية الحكم وتطوير مؤسساته
ولقد أحدث خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ثورة فكرية وتنظيمية في ذهنية الحكم وتطوير مؤسساته الدستورية,, وكان قد ألمح الى ذلك حتى قبل أن يتولى مسؤولية الملك، عندما كان وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء في عهد أخيه الراحل الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله ففي عام 1401ه الموافق 1981م أجرى صاحب ورئيس تحرير مجلة الحوادث اللبنانية الراحل سليم اللوزي حوارا مطولا معه، وفي احدى اجاباته على سؤال حول رؤيته لمستقبل الحكم في المملكة قال خادم الحرمين الشريفين:سيكون هناك تغيير في ذهنية الحكم,, اننا ندرس الآن أنظمة جديدة للحكم والمقاطعات والشورى وسنعلنها عندما تكتمل دراستها ويجيزها مجلس الوزراء .
وفي خطاب استراتيجيته السياسية الداخلية الذي القاه يوم 21 شعبان 1402ه يعزي فيها المواطنين والأمة العربية والاسلامية في وفاة الملك خالد رحمه الله قال عن ذهنية الحكم وتطوير أنظمته ومؤسساته في عهده:أيها الأخوة,, ومن منطلق الاسلام والدعوة اليه، تتحدد سياستنا في الداخل في جميع المرافق والمجالات، وأهمها على الاطلاق أسلوب الحكم وطريقته، والحكم في الاسلام شورى، يتلمس فيه الحاكم آراء أهل الحل والعقد، ويطلب مشورتهم، ويستعين بهم في ادارة دفة الحكم,, هذه سياستنا عليها سار أسلافنا,, ولما تطورت الحياة في مجتمعنا السعودي أصبح من الضروري أن يتطور معها أسلوب الحكم والشورى، وان يقنن النظام الأساسي للحكم فعين المغفور له الملك خالد لجنة من كبار المسؤولين وأهل الرأي ليضعوا المبادىء الرئيسية للنظام الأساسي للحكم ولمجلس الشورى، ثم يصوغونها في قالبها النهائي.
وقد أنهت اللجنة وضع تلك المبادىء ورفعتها اليه رحمه الله وحالت وفاته دون اكمال دراستها وسيكون بإذن الله في مقدمة ما نهتم به لتخرج بعدئذ في شكلها النهائي نظاما متكاملا للحكم، يوضح المسؤوليات والحقوق والواجبات، وينظم مؤسسات الحكم وسلطاتها على هدى كتاب الله، فهو دستورنا، وسنة نبيه منهج حياتنا، وسوف يصاحب ذلك أو يسبقه اكمال الاجراءات الضرورية لوضع نظام المقاطعات موضع التنفيذ فنكون قد استوفينا تنظيم اسلوب الحكم على مستوياته كافة.
وصدرت الأنظمة الثلاثة الموعودة
وفي عام 1412ه صدرت الأنظمة الجديدة للحكم مجلس الوزراء ومجلس الشورى، والمقاطعات وفاء بالوعد الذي قطعه الرائد الذي لا يكذب أهله.
وهاهو مجلس الشورى يؤدي رسالته على أكمل وجه معينا حقيقيا ناصحا ورقيبا لمسار سياسة الحكم في الداخل، وموجها بما يرى من نصح ومشورة,, وماداً يده الى المجالس المماثلة في العالم الاسلامي، أو البرلمانات وفق أنظمة دول العالم الأخرى للتعاون وليقدم لها نموذجا فريدا في الممارسة الشورية التي تتفوق على أرقى نظام ديمقراطي وضعي في العالم.
كما أن مجالس المقاطعات تؤدي رسالتها الوطنية في مقاطعتها ترعى شؤون المواطنين وتترجم آمالهم وآمانيهم وأحلامهم في الأمن والاستقرار والسلام، والرخاء والرفاهية الى حقائق واقعية يلمسونها ويعيشونها.
وكان خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله قد استن لهذه المجالس مجالس المقاطعات سنة حميدة غير مسبوقة في بدء توليه الحكم عندما كان يصل بنفسه الى مواطنيه في أماكن سكنهم ومواقع أعمالهم في المدن والقرى والهجر يستقبلهم في لقاءات شورية مكشوفة ليس بينه وبينهم حاجز أو حاجب يستمع اليهم ويتلمس احتياجاتهم ميدانيا، ثم يوجه المسؤولين المختصين بتنفيذها على الفور كل في مجال عمله ومسؤوليته.
جعل باب الحكم مفتوحاً كقلبه
وقد جعل بهذه السنة الحميدة باب الحاكم كقلبه مفتوحا أمام كل مواطن في الديوان أو حتى في البيت,, وتلك صورة من صور العلاقة الوطنية والانسانية بين الحاكم والمحكوم لا مثيل لها في عالم اليوم في غير المملكة التي اصبحت اليوم وبعد تسع عشرة سنة من قيادته للعمل الوطني الداخلي فيها واحدة من أكثر دول العالم العربي والاسلامي والأجنبي رقيا، وتطورا وازدهارا وسمعة وصيتا داويا، واصبحت قبلة قادة الدول ورؤساء الحكومات والعلماء وقادة الفكر وخبراء التخصصات، كما أصبحت تجاربها الناجحة في مجالات التنمية الاقتصادية التي حققت الاكتفاء الذاتي، والتنمية الاجتماعية التي وفرت أحدث وأرقى الخدمات الوطنية للانسان السعودي، في مجال الطب والوقاية والعلاج ووفرة متطلبات الاسكان العصري الحديث رفاهية حياته.
ما تحقق في 50 سنة في المملكة
وقد اجمع خبراء في شتى الشؤون الاقتصادية التنموية الصناعية والزراعية، وفي الخدمات الانسانية العامة على أن ما أراده قد تحقق في المملكة خلال أقل من خمسين سنة، يحتاج في غيرها الى قرن ونصف قرن,, كما أجمع قادة دول العالم ورؤساء حكوماته على أن خادم الحرمين الشريفين الذي قاد العمل الوطني الداخلي في بلاده خلال تسع عشرة سنة فقط وأوصلها الى ما أصبحت عليه الآن، من كفاية وقوة ونهضة حضارية شاملة لهو بحق رجل دولة عظيم .
|
|
|
|
|