أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 17th November,2000العدد:10277الطبعةالاولـيالجمعة 21 ,شعبان 1421

ملحق البيعة

خادم الحرمين الشريفين والقضية الفلسطينية
عادل أبوهاشم *
(نحن نعتبر المعركة معركتنا,, لأن القضية قضيتنا,, ومن الخطأ تجزئة القضية كما انه من الخطأ تجزئة المسؤولية والأصوب توزيع وتحديد الأدوار حسب الإمكانيات والقدرات وعلى هذا الأساس نعتبر أنفسنا في مواجهة دائمة مع العدو الصهيوني في كل موقع وعلى كل صعيد حتى تتحقق آمال الأمة العربية في جلاء الغاصب .
خادم الحرمين الملك فهد بن عبدالعزيز
موقف المملكة العربية السعودية من فلسطين الشعب والأرض والمقدسات ثابت لا يتغير وهو ينبع من أصالة عربية ومسؤولية إسلامية طالما تحلت بهما المملكة قيادة وحكومة وشعبا منذ عهد مؤسسها وباني وحدتها ودولتها الحديثة جلالة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه إلى هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز أطال الله في عمره.
فلم تحظ قضية عربية باهتمام المملكة مثلما حظيت قضية فلسطين.
وإذا كان أبناء الملك عبدالعزيز: سعود وفيصل وخالد طيب الله ثراهم قد جعلوا من التمسك بالمبدأ الذي أرساه موحد هذه البلاد بالنسبة لفلسطين مبدأ لهم فإن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله وسيرا منه على نهج والده ومن سبقه من أشقائه البررة قد جعل من الدعوة لتحرير فلسطين وحق شعبها في تقرير مصيره منطلقا لتوجهات الأمة الإسلامية نحو فلسطين.
لقد سخر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وبكل إخلاص وأمانة جهده ووقته من أجل القضية الفلسطينية ووضع إمكانات المملكة وبنى تحركاتها السياسية في سبيل ايجاد الحل العادل لها.
لقد وجدت القضية الفلسطينية في هذا العهد الميمون قوة داعمة جعلتها تزداد صمودا وصلابة في وجه العدو وقوة وعزيمة لشباب الانتفاضة الباسلة في فلسطين المحتلة.
بعد غزو إسرائيل للبنان في حزيران/يونيو 1982م ومحاولتها القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وبعد الصمود الأسطوري للمقاتلين الفلسطينيين والحركة اللبنانية أمام الآلة العسكرية الصهيونية تنادى زعماء وقادة الدول العربية وقرروا عقد المؤتمر الثاني عشر للقمة العربية وفي هذا المؤتمر قرر الزعماء العرب تبني مشروع الملك فهد للسلام في الشرق الأوسط.
وبتكون المشروع العربي للسلام من 8 نقاط رئيسية تعكس في مجملها المبادئ التي تقدم بها الملك فهد في مبادرته الشهيرة وبعد اتفاق الزعماء العرب على مضمون هذه المبادرة أصبح المشروع العربي للسلام يتكون من المبادئ التالية:
1 انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967م في الأراضي العربية.
2 ازالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل بعد عام 1967م في الأراضي العربية.
3 ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة.
4 تأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وممارسة حقوقه الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ممثله الشرعي الوحيد وتعويض من لا يرغب في العودة.
5 تخضع الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية تحت إشراف الأمم المتحدة لا تزيد عن بضعة أشهر.
6 قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس.
7 يضع مجلس الأمن الدولي ضمانات بين جميع دول المنطقة بما فيها الدولة الفلسطينية.
8 يقوم مجلس الأمن الدولي بضمان تلك المبادئ.
وإذا كان العرب قد اتفقوا لأول مرة على مشروع سلام واضح لحل قضية الشرق الأوسط فإن الفضل في ذلك يعود بلاشك إلى المبادرة السعودية التي طرحها الملك فهد في 7/8/1981م التي عرفت بمبادرة الملك فهد للسلام.
لقد أقر الزعماء العرب هذه المبادرة بعد إدخال بعض التعديلات عليها وأصبحت تعرف فيما بعد بمشروع السلام العربي.
إن مبادرة الملك فهد للسلام هي دليل قاطع على مدى الاهتمام السعودي بفلسطين قضية وشعبا على السواء.
وإن مشروع السلام العربي كان في الواقع وليد إرادة المملكة العربية السعودية في ان يصل الفلسطينيون بعد عشرات السنوات من اخراجهم من وطنهم إلى حل يضمن لهم العدالة والحق، ولقد أكد خادم الحرمين الشريفين دائما موقف المملكة العربية السعودية الثابت من القضية الفلسطينية حيث قال: ان موقفنا جلي وعبرنا عنه دوما ونحن مع الشرعية النابعة من قرار الشعب الفلسطيني .
وأضاف حفظه الله ان حقوق الشعب الفلسطيني في استرجاع وطنه ثابتة وان المجموعة الدولية اعترفت بها .
لقد ظلت قضية أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين في مقدمة أولويات القيادة السعودية الحكيمة، بل انها قضيتها الاولى، التي لم تدخر جهدا إلا قدمته لهذه القضية عبر تاريخها الطويل ولقد كانت المملكة العربية السعودية في مقدمة دول العالم العربي والإسلامي التي استنكرت قرار حكومة إسرائيل بضم القدس واعتبارها عاصمة للدولة اليهودية وقد أصدر الديوان الملكي السعودي بيانا ندد فيه بهذا القرار الإسرائيلي واعتبره خطوة عدوانية ضد الأمة العربية والإسلامية وقال: ان هذه الخطوة تعتبر قرارا خطيرا يستوجب صحوة الضمير العالمي للوقوف ضد هذا الإجراء الإجرامي الذي يهدف إلى تدنيس القدس الشريف ووضعه إلى الأبد تحت السيطرة الإسرائيلية .
وأكد البيان ان المملكة العربية السعودية تؤمن إيمانا مطلقا بأن لا سلام ولا استقرار في المنطقة ما لم يتحقق السلام العادل الذي يعطي الفلسطينيين حقهم في تقرير مصيرهم واقامة دولتهم المستقلة على أرضهم ووطنهم وعودة الأراضي العربية إلى ما كانت عليه قبل عام 1967م .
وفور صدور هذا البيان بدأت المملكة اتصالات مكثفة عربيا وإسلاميا ودوليا لمواجهة إجراءات الحكومة الإسرائيلية في ضم القدس.
ان المملكة العربية السعودية تعتبر ان لديها مسؤولية خاصة تجاه القدس الشريف لذلك كانت مواقفها من وضع القدس خصوصا وقضية فلسطين عموما واضحة وثابتة باستمرار.
يقول خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله ان المملكة وقفت ولاتزال ضد سياسة الاستيطان البغيض في فلسطين المحتلة والانتهاك الصريح لحقوق الشعب الفلسطيني، لقد اختلفت المملكة مع الولايات المتحدة في هذا الصدد وأعلنت رأيا صريحا حول خطورة استمرار تجاهل الحكومة الأمريكية للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني مع استمرار دعمها لإسرائيل واعلنا رأينا للعالم عن وجوب عودة القدس إلى الوضع الذي كانت عليه قبل الاعتداءات الإسرائيلية .
كانت المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين ولا زالت السباقة في تحركاتها ومبادراتها السياسية ونضالها المستمر في كل المحافل الاقليمية والدولية من أجل القضية الفلسطينية فكان لذلك الأثر الكبير في تصعيد النضال الفلسطيني داخل وخارج الأراضي المحتلة مما عزز مكانة فلسطين الدولية التي ثبتت الحق الفلسطيني وتطلعاته العادلة في العودة وحق تقرير المصير واقامة دولته الفلسطينية على ارضه وعاصمتها القدس الشريف.
في أحد أحاديثه عن القضية الفلسطينية قال خادم الحرمين الشريفين: ,, ان المبادئ الأساسية لا خلاف عليها فنحن نطالب بتحرير الاراضي العربية المحتلة وبحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وباقامة دولة فلسطينية وعلى العرب ان يبحثوا عن حل لمشكلاتهم الرئيسية ولن يجدوا هذا الحل إلا اذا استطاعوا توحيد صفوفهم والوقوف في وجه المشكلة أمة واحدة متحدة الكلمة,,
ان التضامن العربي الحقيقي والفعلي هو وحده الطريق الصحيح إلى العمل الموحد فإذا استطعنا ان نقف في مشكلاتنا موقف رجل واحد استطعنا ان نحمل العالم على احترامنا فينظر إلى مشكلاتنا نظرة جادة فيتيح لنا ذلك ان نكسب مزيدا من الاصدقاء وان نرغم الاعداء على ان يحسبوا لنا حسابا يقسرهم على ارجاع الحق لأصحابه,, ان اقتناع الرأي العام العالمي بحقنا المشروع في فلسطين وفي ارجاع الشعب الفلسطيني المشرد إلى موطنه وحريته في تقرير مصيره واقامته دولته كل ذلك توفره وحدة صفوفنا ومواقفنا وقدرتنا على العمل الواحد وعلى رفض احتلال ارض شعب بالقوة وهو الشعب الفلسطيني وحقه المشروع في تقرير مصيره في أرضه ووطنه .

تشكيل اللجان الشعبية لمساعدة مجاهدي فلسطين
المملكة العربية السعودية هي الدولة العربية الإسلامية الأولى ان لم تكن الوحيدة التي شكلت لجانا شعبية اختارت رئيسا لها صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض لاضفاء الأهمية على هذه اللجان حتى تجد التشجيع المنشود من أفراد شعب المملكة في كل منطقة من بلاده، فالمملكة لها اليد الطولى في تقديم الدعم المالي للثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني من خلال اللجان الشعبية التي يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز والأمير سلمان بن عبدالعزيز وإخوانه أصحاب فضل كبير في رعاية ابناء الشعب الفلسطيني والاهتمام بمصالحهم وحل مشاكلهم وهو صاحب شعار ادفع ريالا تنقذ عربيا ردا على الشعار الذي رفعته الصهيونية ادفع دولارا تقتل عربيا .
يقول سلمان بن عبدالعزيز: ان هذه البلاد ملكا وحكومة وشعبا لا تقف من القضية بقصد ابراز شعارات بل تقف موقف عقيدة إسلامية تؤمن بها وتعتبر مكة والمدينة والقدس شقيقات ثلاث ولا فرق بين الرياض ونابلس فالموقف تفرضه عروبتنا الصادقة ويمليه علينا المصير.
وهناك فرق بين رفقاء الطريق ورفقاء المصير رفقاء الطريق تفرقوا ورفاق المصير معكم أمس واليوم وغدا.
ان المحور الأساسي لسياسة هذه البلاد هو القضية الفلسطينية فإن عادينا فإننا نعادي في سبيلها وان جاملنا فإننا نجامل في سبيل مصلحتها.
انني احمل عهدا من هذه البلاد عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، عهد ولي عهده الأمير عبدالله، عهد شعب المملكة العربية السعودية بأننا رفقاء مصير لا رفقاء طريق .
وقد وصلت ايرادات اللجنة الشعبية منذ تأسيسها عام 1388ه وإلى الآن ما يقارب ملياري ريال ويرى المراقبون في عمل اللجنة الشعبية منارة في العلاقات السعودية الفلسطينية تعبر أصدق تعبير عن التلاحم بين فلسطين والمملكة وبين الديار المقدسة والأرض المباركة بصخرتها وأقصاها.
ان المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة التي أوفت بجميع التزاماتها المادية تجاه الشعب الفلسطيني هذا الدعم الذي لعب دورا هاما وبارزا في صمود وجهاد الشعب الفلسطيني حتى وصل إلى ما وصل اليه الآن.
لقد التزمت المملكة بدعم منظمة التحرير الفلسطينية بناء على قرارات قمة بغداد لعام 1978م بتقديم دعم سنوي ولمدة عشر سنوات عن طريق اقساط ثلث سنوية بواقع 28,371 مليون دولار وقد أوفت المملكة بجميع التزاماتها كاملة لمنظمة التحرير الفلسطينية حتى بلغت قيمتها 855 مليون دولار، إضافة إلى الدعم الذي كانت تقدمه المملكة إلى اللجان الأردنية الفلسطينية المشتركة التي كانت المملكة حريصة على تنشيطها باستمرار كلما تعرقل عملها وتقدم لها دعما ماليا إضافيا يمكنها من استمرار التزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة.
وقد بلغ مجموع المبالغ التي دفعتها المملكة للمنظمة منذ عام 1978م 1100 مليون دولار.
وبانتهاء فترة العشر سنوات التي حددتها قمة بغداد استأنفت المملكة تقديم دعم للمنظمة بمقدار 6 ملايين وعشرين ألف دولار شهريا وهي حصتها من الدعم العربي الذي قررته قمة الجزائر عام 1988م لدعم الانتفاضة الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأضافت المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز موقفا إنسانيا رائعا لمواقفها المشرفة تجاه الشعب الفلسطيني عندما أصدر حفظه الله أوامره بمواساة عوائل شهداء مجزرة الحرم الإبراهيمي بالخليل عندما أقدم عليها المستوطنون صباح يوم الجمعة 15 رمضان 1414ه الموافق 25 فبراير 1994م باطلاق الرصاص على المواطنين الفلسطينيين فيما كانوا يؤدون الصلاة فقتلوا وجرحوا العشرات في مجزرة اعتبرت ابشع مذبحة في الأراضي المحتلة منذ العام 1967م.
فحرصا من خادم الحرمين الشريفين على الاسهام في مواساة عوائل شهداء المجزرة الأليمة أصدر حفظه الله أوامره الكريمة بتقديم مبلغ 200 ألف ريال لكل عائلة من عوائل أولئك الشهداء الذين أودت بحياتهم الغالية يد الغدر والجبن والخيانة في أبشع جريمة ترتكب في حق الإنسانية.
كما أمر خادم الحرمين الشريفين الجهات الطبية باستقبال ومعالجة بعض الحالات المستعصية من الجرحى واخلائهم بالطائرات الطبية إلى المستشفيات المدنية والعسكرية بالمملكة العربية السعودية بالتنسيق مع منظمة التحرير الفلسطينية رغبة منه أيده الله في تخفيف آلامهم وتمكينهم من الشفاء العاجل بإذن الله.


المملكة وسلام الشرق الأوسط
لم يكن اهتمام المملكة العربية السعودية بالقضايا العربية والإسلامية وليد مرحلة من المراحل بل كان موقفا ثابتا تميزت به السياسة السعودية منذ قيام المملكة على يد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه اضطلاعا منها بمهام المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقها باعتبارها رائدة التضامن الإسلامي التي تنطلق بها من مهوى افئدة المسلمين ومنطلق الدعوة الإسلامية.
فقد ظلت المملكة في جميع مواقفها وسياساتها تشكل صمام أمان يحول دون اندفاع الامة العربية والإسلامية في سبل لا تصون حقوقها او في معالجات تحوم حول نتائجها الشكوك ومثل هذه السياسة والمواقف كانت ولاتزال نصيرا كبيرا لقضايا الأمة ورفض التفريط في أي من حقوقها.
لقد حرصت المملكة على دعم عملية السلام في الشرق الأوسط منذ بدء جولتها الأولى في مدريد ووظفت ثقلها السياسي الكبير لانجاحها إيمانا منها بأنها عملية تمثل خيارا استراتيجيا للعرب شريطة أن يكون السلام المنشود مرتكزا على أسس ثابتة من العدل والديمومة والشمول وان يحقق عودة الحقوق العربية كاملة غير منقوصة لاصحابها وان يلزم إسرائيل بعدم العدوان على الأراضي العربية.
وعندما اسهمت المملكة بقدراتها وإمكاناتها في استقرار الأمن العالمي والعربي والاقليمي وسعت دوما إلى البحث عن الوسائل المناسبة لاستقرار منطقة الشرق الأوسط فإنها كانت تدرك انها بحجم دورها ومكانتها وقدرتها تتحمل العبء الأكبر في السعي نحو استقرار عادل للمنطقة في ظل المتغيرات والتحولات التي تحدث في أرجاء العالم وهي بذلك السعي لم تكن تحاول تحقيق مصلحة آنية لها او الحصول على مكاسب خاصة بكيانها بل كانت دوما سباقة في إيثار الآخرين على نفسها وفي إقرار حقوق المنطقة وكان هذا السبب هو الذي أعطى لسياسة المملكة هذه المصداقية وهذه الثقة التي تتمتع بها في العالم أجمع، وقد بذلت المملكة جهودا بناءة عربيا ودوليا من أجل دفع مسيرة السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط على أساس تطبيق القرارات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن فسعت عبر دبلوماسيتها الهادئة والنشطة إلى تكريس المفهوم الصحيح للقضية الفلسطينية على انها قضية شعب شرد من أرض وطنه ووطن اغتصب من أصحابه الشرعيين.
ان المراقب لتطور عملية السلام في الشرق الأوسط يلاحظ ان المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الامين قد وضعت علاقاتها الدولية ووزنها الدولي وراء جهود اقرار السلام العادل والدائم لأزمة الشرق الأوسط من أجل تمكين العرب من استرداد حقوقهم المشروعة.
وقد شدد خادم الحرمين الشريفين على تطبيق القرارين 242، 338 في إطار حل نزاع المنطقة ونزع فتيل الحروب التي استمرت زهاء نصف قرن واستنفذت خلالها الطاقة البشرية والمادية والاقتصادية وارساء سلام يتجاوز مقولات الأمن وسياسات التمدد والتوسع الإسرائيلي التي لم تعد مقبولة من المجتمع الدولي.
فقبل أيام من انعقاد الجلسة الأولى للمفاوضات في مدريد في اواخر شهر اكتوبر 1991م قال خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله في اجتماع مجلس الوزراء السعودي: لقد بذلنا جهودا متواصلة ولانزال نبذل الكثير بالتعاون مع الأشقاء والأصدقاء على طريق نصرة القضية الفلسطينية حتى ينال الشعب الفلسطيني حقوقه العادلة والمشروعة انطلاقا من قراري مجلس الامن 242، 338 وانعقاد مؤتمر السلام في مدريد يعتبر واقعة من أهم المنجزات التاريخية لمنطقة الشرق الأوسط وتأمل ان يستمر تضافر الجهود العربية والدولية في اتجاه السلام الدائم والشامل والعادل لهذه المنطقة .
لقد برز الدور الرائد للمملكة في مفاوضات مدريد عبر وجود صاحب السمو الملكي الامير بندر بن سلطان سفير المملكة لدى الولايات المتحدة الأمريكية موفدا من قِبل خادم الحرمين الشريفين حيث أمضى أياما وليالي من المحادثات الشاقة مع الوفود العربية ووزير خارجيتي واشنطن وموسكو.
وقد أكد الكثير من المراقبين السياسيين انه لولا متابعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز لفعاليات المؤتمر لفشل في الساعات الأولى وطيلة أيام مؤتمر مدريد ظل خادم الحرمين الشريفين على اتصال بالرئيس الامريكي جورج بوش لتذليل أي عقبة تقف أمام المتفاوضين.
ولعل الدليل الواضح على هذا الدور السعودي ما جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي السابق جيمس بيكر الذي قال: أشكر الملك فهد الذي أثبت بالقول والفعل ان هناك فرصا للسلام العربي الإسرائيلي بعد حرب الخليج والذي تمثل في شخصه هذا التوجه الجديد في العالم العربي .
لقد استخدمت المملكة كل مصداقيتها في العالم وثقلها في السياسة الدولية لانجاح مؤتمر السلام في مدريد وقد تناقلت وكالات الأنباء ما دار في حفل عشاء أقامه السفير المصري في إسبانيا للأمير بندر بن سلطان وضم الوفود العربية المشاركة في مؤتمر السلام فقد قال الدكتور حيدر عبدالشافي رئيس الوفد الفلسطيني بصوت مسموع للأمير بندر: يا سمو الأمير نريد كلمة من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد في أذن الرئيس بوش من أجل وضع حد لغطرسة إسرائيل .
وإذا بالامير بندر بن سلطان يرد عليه بنفس النبرة المسموعة أمام الجميع قائلا: لولا هذه الكلمة لما كنت موجودا هنا في مدريد .
وقد أجاب الامير بندر بن سلطان عن سؤال حول دور المملكة العربية السعودية في إنجاح مفاوضات السلام قائلا: كانت توجيهات خادم الحرمين الشريفين بضرورة تسخير الإمكانيات الممكنة لخدمة الأمة العربية والسلام القائم على الشرعية الدولية واضحة ومحددة منذ البداية، وقد قام خادم الحرمين الشريفين بإجراء اتصالات مكثفة مع الرئيسين بوش وغورباتشوف كما أجرى اتصالات اخرى مع العرب لدفع عملية السلام .
وحين تطورت مفاوضات السلام وانتقلت إلى واشنطن وقفت المملكة بجانب المفاوض الفلسطيني والمفاوض العربي تدعمه ماديا ومعنويا لمواجهة أساليب المراوغة الإسرائيلية وشكلت المملكة ولاتزال العمق الاستراتيجي في التفاوض.
وقد جسد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز تطلعاته في هذا الشأن حينما قال في أحد تصريحاته الصحفية: ان ما نريده ونتطلع إليه هو ان تتوفر النوايا المخلصة لانجاح هذه المفاوضات بعد ان أثبت قادة الأمة العربية انهم دعاة سلام ومحبة وانهم راغبون في اقرار حالة السلم مع إسرائيل دون تفريط في حقوقهم الشرعية والعادلة .
وأضاف ان المملكة العربية السعودية تقف بكل إمكاناتها خلف كل تقدم يحققه المتفاوضون ومن شأنه ان يعيد لأصحاب الحق حقوقهم ويؤمن منطقتنا من ويلات الحرب والدمار .
وبعد المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي انتهت إلى توقيع إعلان المبادئ الفلسطينية الإسرائيلية في العاصمة الأمريكية في 13/9/1993م أعربت المملكة عن أملها بأن تؤدي هذه الخطوة إلى قيام سلام عادل ودائم وشامل للقضية الفلسطينية على أساس القرارين 242 و338 ومبدأ الأرض مقابل السلام مع تحقيق الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها القدس الشريف.
وتؤكد المملكة العربية السعودية التزامها التام والمتواصل لمساعدة التنمية في الأراضي الفلسطينية حيث تعلق أهمية كبرى على تطوير البنية الأساسية الحالية وبناء البنيات الأساسية المطلوبة حديثا فيما يتعلق بتحقيق أهداف تنمية الاقتصاد الفلسطيني، وقد تعهدت المملكة بتقديم مبلغ خمسمائة مليون دولار أمريكي خلال خمسة أعوام لبرنامج البنك الدولي لتلبية المتطلبات العاجلة لتنمية الاقتصاد الفلسطيني وتلقى الصندوق السعودي للتنمية التعليمات بالتنسيق مع البنك الدولي في تمويل برنامج التنمية في الأراضي المحتلة.
وعقب التوقيع على الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي في واشنطن في سبتمبر 1995م وهو ما عرف باتفاق أوسلو 2 أكد صاحب السمو الملكي الامير سعود الفيصل وزير الخارجية ان المملكة ساهمت وظلت تساهم وتشارك في عملية السلام وتدعم الاخوان والاشقاء العرب.
وأكد سموه ان المملكة العربية السعودية ساهمت في عملية السلام في الشرق الأوسط منذ قيامها بتطوير الموقف العربي واصفا مشروع الملك فهد ومؤتمر فاس بأنه الخطوة الأولى لتكوين استراتيجية عربية للسلام وان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يؤكد دائما في كل مجال على ضرورة احراز السلام والتقدم على المسار السوري والفلسطيني وهذا ما يعمل له بشكل دؤوب ومستمر.
وفي مواجهة الصلف والمماطلة الإسرائيلية في تنفيذ الاتفاقات الموقعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين أكد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز موقف المملكة من عملية السلام الساعي على الدوام إلى ارساء أسس السلام في مختلف أرجاء العالم على المستويين العربي والإسلامي.
حيث أعرب عن قلق المملكة وأسفها لتباطؤ الجانب الإسرائيلي في تنفيذ اتفاق واي بلانتيشن، مؤكدا على الدور المهم للولايات المتحدة في ضرورة تطبيق إسرائيل بما تم الاتفاق عليه وعدم افساح المجال للتهرب من الوفاء بتعداتها تحت أي ذرائع تختلقها لاجهاض عملية السلام الذي أصبح مطلبا استراتيجيا للحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وقد شدد الملك فهد بن عبدالعزيز على ضرورة استئناف المفاوضات على المسار السوري والتي توقفت بسبب تعنت إسرائيل التي لا ترغب في تحقيق السلام وفق الشرعية الدولية وما تم الاتفاق عليه بين مختلف الأطراف بما يضمن استعادة الحقوق العربية كافة.
وفي القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة من الفترة من 21 22 اكتوبر 2000م والتي اطلق عليها قمة الأقصى أكد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني ورئيس وفد المملكة للقمة على ان الظروف التي تمر بها الأمة العربية تحمل في طياتها الكثير من النذر التي تهدد باحتمالات التفجير والانزلاق في دوامة العنف وعدم الاستقرار.
وقال سموه ان الخيار أمامنا هو خيار صعب ودقيق وهو خيار الوقوف بثبات وصمود متمسكين بمبادئنا وحقوقنا المشروعة,, انه الخيار الذي يرفض الرضوخ لأي ضغوط سياسية كانت او عسكرية,, انه خيار الاستقلالية في العمل.
ودعا سموه الى التوقف عن اقامة أي علاقات مع إسرائيل والغاء أي نوع من العلاقات او الصلات التي تنشأ في ظل عملية السلام التي استهانت إسرائيل بكل متطلباتها.
وأكد على ضرورة ربط أي استئناف لهذه العلاقات بإحراز إنجاز حقيقي ليس فقط على المسار الفلسطيني بل بكافة مسارات هذه العملية.
وفي مؤتمر القمة الإسلامي التاسع في الدوحة أكد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ان إسرائيل ماضية في تحويل عملية السلام إلى حرب ضد الشعب الفلسطيني مستخدمة القوة العسكرية لحصاره وقمعه داخل أرضه.
وطالب سموه من الدول الإسلامية التي تربطها علاقات أو صلات بإسرائيل ان تتخذ موقفا يرتفع إلى مستوى التحدي الكبير المفروض علينا جميعا من إسرائيل التي أدارت ظهرها لعملية السلام وان اقل ما نتوقعه من هذه الدول هو تقليص علاقاتها مع إسرائيل إلى أدنى حد ممكن وتجميدها تماما وربط أي تعامل مستقبلي مع إسرائيل بإحراز تقدم فعلي وملموس في عملية السلام ليس فقط على المسار الفلسطيني بل وكافة مسارات هذه العملية.

المملكة وقضية القدس الشريف
ليس أمرا جديدا ان تقف المملكة العربية السعودية مع الحقوق الفلسطينية لأن هذا من طبيعتها وتمليه عليها اصالة عروبتها ومبادئها.
وليس غريبا ان تهتم المملكة بالأقصى وقبة الصخرة في القدس الشريف فقد ظلت قضية أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين في مقدمات أولويات القيادة السعودية بل انها قضيتها الأولى التي لم تدخر جهدا في سبيلها عبر تاريخها الطويل حيث تجسد قضية القدس ذروة الاهتمام بالجانب الإسلامي الفلسطيني.
وليس أمرا مستهجنا هذه اللفتة الأبوية الحانية من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز تجاه جرحى انتفاضة القدس لأنه عود ابناءه أبناء الشعب الفلسطيني دائما ان يمد يد العون والمعونة والمساعدة والمساندة لهم في جميع الظروف والأحوال.
فالمملكة العربية السعودية لا تساوم على قضايا مصيرية تبني مواقفها منها على قواعد الدين والأخلاق والمسؤولية التاريخية لها كدولة رائدة للعمل العربي والإسلامي ورائدة في الدفاع عن تلك القضايا التي يرتبط بها حاضر ومستقبل ومصير الأمة العربية والإسلامية.
لقد كان من أهم دواعي قلق المملكة العربية السعودية من تطورات الصراع العربي الإسرائيلي عام 1967م احتلال إسرائيل للقطاع الشرقي من المدينة المقدسة والدخول في تهويد المدينة.
فقد تبنت المملكة العربية السعودية قضية القدس الأرض والشعب والمقدسات نصرا ودعما ودفاعا منذ عهد المؤسس الباني الملك عبدالعزيز آل سعود حفظه الله إلى هذا العهد الميمون عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله ووقفت بكل صلابة في مواجهة المؤامرات الصهيونية ضد المدينة ومقدساتها ومحاولات طمس تاريخها الإسلامي واغتصاب أرضها وتهجير أهلها وصولا إلى إحداث تغيير ديمغرافي يرجح الكفة اليهودية.
وقد انطلقت المواقف السعودية بشأن القدس من اقتناع راسخ بأن القدس هي صلب القضية الفلسطينية التي هي محور الصراع العربي الإسرائيلي.
فلا تمر مناسبة محلية أو عالمية تكون لها صلة بالأمة العربية والإسلامية دون ان تؤكد المملكة قولا وفعلا وتجدد موقفها المبدئي والثابت من قضية الشعب الفلسطيني وحقوقهم المشروعة.
وإذا كان موقف المملكة المميز والرائد من الصراع العربي الإسرائيلي لا يحتاج إلى دليل فإن موقفها من القدس يكتب لها بأحرف من نور في سجلات التاريخ.
فقد دعمت تمسك المواطنين الفلسطينيين بأرضهم ومقدساتهم ووقفت إلى جانبهم تخفف عنهم وطأة الاجراءات التعسفية التي تمارسها السلطات الإسرائيلية ضدهم.
فالمملكة في مقدمة دول العالم العربي والإسلامي التي استنكرت قرار الحكومة الإسرائيلية بضم مدينة القدس واعتبارها عاصمة ابدية لإسرائيل وقد أصدر الديوان الملكي السعودي بيانا ندد فيه بالقرار الإسرائيلي واعتبره خطوة عدوانية ضد الأمة العربية والإسلامية وجاء في البيان: ان هذه الخطوة تعتبر قرارا خطيرا يستوجب صحوة الضمير العالمي للوقوف ضد هذا الاجراء الإجرامي الذي يهدف إلى تدنيس القدس الشريف ووضعه إلى الأبد تحت السيطرة الإسرائيلية .
وأكد البيان ان المملكة العربية السعودية تؤمن إيمانا مطلقا بأن لا سلام ولا استقرار في المنطقة ما لم يتحقق السلام العادل الذي يعطي الفلسطينيين حقهم في تقرير مصيرهم واقامة دولتهم المستقلة على أرضهم ووطنهم وعودة الأراضي العربية إلى ما كانت عليه قبل عام 1967م .
وفور صدور هذا البيان بدأت المملكة اتصالات مكثفة عربيا وإسلاميا ودوليا لمواجهة إجراءات الحكومة الإسرائيلية في ضم القدس.
وتعاونت المملكة مع الدول الإسلامية حتى صدر قرار مجلس الأمن رقم 478 في عام 1980م الذي يطالب جميع الدول التي أقامت بعثات دبلوماسية في القدس بسحبها فورا، وهو القرار الذي اجمعت مختلف الأوساط على اعتباره نصرا للدبلوماسية الإسلامية واحباطا للخطة الصهيونية تجاه مدينة القدس.
وبادرت المملكة العربية السعودية إلى تنظيم ندوة عالمية خاصة حول قضية القدس دعت إليها قادة الفكر والرأي ورجال السياسة والأساتذة المختصين فاجتمعوا في العاصمة البريطانية في ديسمبر 1979م وفي الرسالة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حين كان وليا للعهد أعلن فيها قضية القدس هي أهم المرتكزات لسياسة المملكة الخارجية.
وكانت النداءات المتكررة من صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس اللجنة الشعبية لمساعدة مجاهدي فلسطين للتبرع لصندوق القدس صونا لمقدسات المسلمين في القدس الشريف من الاندثار، كانت هذه النداءات هي البلسم الشافي لسكان المدينة المقدسة انتظارا لتحريرها وفك أسرها من براثن الاحتلال الصهيوني.
ومن منطلق رسالة المملكة ودورها الإسلامي وحرصها على مدينة القدس كحرصها على مكة المكرمة والمدينة المنورة والحرمين الشريفين واستشعارا منها بالمسؤولية الإسلامية جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بتحمل المملكة نفقات ترميم واصلاح قبة الصخرة والمسجد الأقصى ومسجد الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه ومساكن الأئمة والمؤذنين بالقدس في ابريل 1992م بمثابة موقف حازم يعكس الاهتمام العميق بالمقدسات الإسلامية وان هذه المقدسات تجد اليوم من يحميها ويصونها ويدافع عنها ضد مخططات أعداء الإسلام والمسلمين.
وجاء تبرع الملك فهد بن عبدالعزيز بمبلغ عشرة ملايين دولار لدعم صندوق القدس الشريف في المؤتمر الحادي والعشرين لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي الذي انعقد في كراتشي في ابريل 1993م ليؤكد صدق وثبات توجيهات مبادئ المملكة العربية السعودية في ان القضية الفلسطينية هي قضية سعودية.
وجاءت كلمة الملك فهد بن عبدالعزيز في افتتاح الدورة الثالثة والثلاثين للمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في ديسمبر 1993م التي أعلن فيها من أن المملكة لن يهدأ لها بال حتى يعود المسجد الأقصى المبارك إلى المسلمين لتؤكد من جديد ان المملكة العربية السعودية التي جعلت من قضية القدس الشريف قضية كل مسلم لن ترضى إلا بإزالة كل العدوان عن المدينة المقدسة وعودتها إلى اصحابها الشرعيين وانه إذا لم تتحرر القدس فما من عربي او مسلم سيشعر بهدوء النفس والضمير لتشكل انسجاما مع مواقف المملكة التاريخية والراسخة ازاء قضية القدس.
وفي فبراير 1994م صدرت تعليمات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز إلى صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن عبدالعزيز برعاية حملة تبرعات شعبية على مستوى جميع مناطق المملكة يخصص ريعها وايرادها لأغراض إعمار وانقاذ المقدسات الإسلامية في القدس الشريف من جراء الإجراءات الإسرائيلية الهادفة إلى طمس هوية القدس العربية والإسلامية حيث حملت هذه الحملة اسم حملة انقاذ القدس الشريف .
وقد وجه سمو الأمير سلمان نداء للتبرع للقدس جاء فيه: ان القدس تناديكم لتسارعوا إلى نجدتها وانقاذها وإعمارها بالتبرع بما تجود به نفوسكم من مال وتستنهض هممكم العالية التي عودتنا الاستجابة لكل دواعي الخير كلما دعاكم الضمير لنصرة قضية إسلامية وهذا عهدنا بكم دائما .
ان المملكة العربية السعودية تعتبر ان لديها مسؤولية خاصة تجاه القدس الشريف، لذلك كانت مواقفها من وضع القدس خصوصا وقضية فلسطين عموما واضحة وثابتة باستمرار.
يقول خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ان المملكة وقفت ولاتزال ضد سياسات الاستيطان البغيض في فلسطين المحتلة والانتهاك الصريح لحقوق الشعب الفلسطيني لقد اختلفت المملكة مع الولايات المتحدة في هذا الصدد وأعلنت رأيا صريحا حول خطورة استمرار تجاهل الحكومة الأمريكية للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني مع استمرار دعمها لإسرائيل، وأعلنا رأينا للعالم عن وجوب عودة القدس إلى الوضع الذي كانت عليه قبل الاعتداءات الإسرائيلية .
وفي مؤتمر القمة الإسلامية السابعة التي انعقدت في الدار البيضاء في المملكة المغربية في ديسمبر 1994م أكد صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني رئيس وفد المملكة المشارك في القمة على ان قضية القدس الشريف تمثل جوهر النزاع العربي الإسرائيلي إلى جانب كونها قضية المسلمين الأولى وليس من الممكن او المعقول قيام سلام شامل ودائم في الشرق دون التوصل إلى حل عادل لهذه القضية .
وفي إطار السياق العام والتوجهات السياسية الثابتة تجاه مدينة القدس وجه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس اللجنة الشعبية لمساعدة مجاهدي فلسطين نداء في 17/2/1995م لانقاذ القدس الشريف وقد تبرع الأمير سلمان بن عبدالعزيز بمبلغ نصف مليون ريال لمدينة القدس.
وفي الندوة العالمية لشؤون القدس التي عقدت في روما في مارس 1997م أكد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ان المملكة العربية السعودية دائما في موقع الأحداث في كل ما يتعلق بقضية القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث المسجدين الشريفين لما لها من قدسية خاصة حيث هي الأرض التي أسرى إليها رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس ومنها معراجه عليه الصلاة والسلام إلى السماء ، وقد أعرب خادم الحرمين الشريفين عن قلق المملكة البالغ لما قامت به إسرائيل من فتح نفق على طول اساسات المسجد الأقصى مما يقدم دليلا جديدا على قيامها بالعمل على تهويد مدينة القدس الأمر الذي يتنافى مع الواقع الديموغرافي لمدينة القدس الشرقية التي هي جزء من الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967م.
وعندما اتخذ الكونجرس الأمريكي في يونيو 1997م قرارا باعتبار مدينة القدس عاصمة موحدة لإسرائيل وتخصيص مائة مليون دولار لنقل السفارة الأمريكية من تل ابيب إلى القدس أعلنت المملكة العربية السعودية معارضتها لهذا القرار واعتبرت هذا القرار انحيازا واضحا ضد ترسيخ أسس السلام في المنطقة وفق مرجعية مدريد واوسلو وواشنطن.
وعندما أقدمت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتينياهو في يونيو 1998م على اتخاذ قرار بتوسيع حدود مدينة القدس المحتلة وتوسيع سلطات بلديتها أدانت المملكة هذه الخطوة واعتبرت هذا القرار غير شرعي وغير قانوني ويشكل انتهاكا خطيرا للمعاهدات والاتفاقات الدولية، وأدانت ما اتخذته السلطات الإسرائيلية من سياسات واجراءات بهدف إحداث تغييرات سكانية ومؤسسية من شأنها تهويد القدس العربية وتغيير الواقع القانوني والتاريخي والديني والحضاري لها، ودعت المملكة مجلس الأمن الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه السلام والعدل للقضية الفلسطينية وخاصة نحو الموقف الخطير في مدينة القدس والانتهاكات التي تواصلها سلطات الاحتلال تجاهها مما يهدد المنطقة كلها بأفدح العواقب.
وجاءت جولة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني الأخيرة إلى كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين واليابان وكوريا الجنوبية والباكستان لدعم قضايا الأمتين العربية والإسلامية وبخاصة القضية الفلسطينية والقدس الشريف، حيث أكد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في لقائه مع قادة هذه الدول على رفض المملكة العربية السعودية التام لأي إجراءات أو سياسات أو أعمال تمس مدينة القدس وتغيير هويتها العربية وان ما تقوم به إسرائيل في مدينة القدس من أعمال لتهويد المدينة المقدسة وتغيير معالمها وتوسيع سلطات بلديتها بالاستيلاء على مزيد من الأراضي بالقهر هو امتداد للعمل الإجرامي والمشين المتمثل بالمحاولة الصهيونية بحرق المسجد الأقصى، مؤكدا في الوقت نفسه على وقوف المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يحفظه الله إلى جانب فلسطين أرضا وشعبا لاسترداد كامل حقوقها وفي طليعتها اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف، وموقف سموه في واشنطن يؤكد من جديد ان الخطاب السياسي والإسلامي للمملكة تجاه فلسطين والقضية والمقدسات الإسلامية في القدس ثابت لا يتغير حيث شدد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بعد اطلاعه على صيغة البيان السعودي الامريكي المشترك وخلوه من ذكر القدس وعودتها للفلسطينيين اجاب بحزم بأنه لا يوقع بيانا لا يذكر فيه القدس فكان لسموه ما أراد.
وفي قمة الألفية الثالثة التي نظمتها هيئة الأمم المتحدة بمقرها في نيويورك في شهر سبتمبر الحالي أعلن صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني ان القدس الشريف جزء لا يتجزأ من الأراضي العربية المحتلة عام 1967م وينطبق عليها قرار مجلس الأمن رقم 242 وهو ما أكده سموه خلال لقائه مع رؤساء الجمعيات العربية والإسلامية وكبار المفكرين من أصل عربي في الولايات المتحدة الأمريكية حيث أكد ان القدس موضوع ليس فيه أخذ ولا عطاء فهو شيء واجب ومفروض على كل عربي وكل مسلم وكل إنسان فيه إنسانية لابد ان يكون مع القدس لأن القدس تاريخ وأصل ولا يمكن التخلي عنها أبدا أبدا مهما كان.
وفي انتفاضة القدس المباركة هذه الأيام وازاء ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من اعتداءات وحشية من العدو الإسرائيلي أدت إلى سقوط العشرات من الشهداء وآلاف الجرحى من الأطفال والنساء والشيوخ أصدر خادم الحرمين الشريفين توجيهاته بارسال طائرات الاخلاء الطبي إلى مدينتي عمان والعريش لنقل خمسين من المصابين الفلسطينيين لعلاجهم في مستشفيات المملكة وامر كذلك بارسال فريق طبي سعودي متخصص إلى الضفة الغربية وقطاع غزة للمساهمة في علاج المصابين وتقديم المساعدة الطبية لهم.
وقد أصدرت وزارة الخارجية في المملكة العربية السعودية بيانا أدانت فيه الممارسات العدوانية الغاشمة التي تقوم بها القوات الإسرائيلية وقتل أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل على مرأى ومسمع من العالم.
وقد حمل البيان الحكومة الإسرائيلية كافة نتائج هذه الممارسات اللاإنسانية ضد الشعب الفلسطيني والتي أكدت من جديد تنكر إسرائيل للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة وضربها عرض الحائط بمبادئ عملية السلام في الشرق الأوسط مما يهدد الأمن والسلام في المنطقة.
وطالبت حكومة المملكة العربية السعودية المجتمع الدولي ومجلس الأمن وأعضاءه الدائمين ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية بتحمل مسؤولياتها واتخاذ كافة التدابير اللازمة بموجب أحكام ميثاق الأمم المتحدة بما في ذلك الفصل السابع.
وقد وصل عدد من جرحى الانتفاضة الفلسطينية إلى مستشفيات المملكة للعلاج على طائرات الاخلاء الطبي من العريش وعمان وقام صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز بتفقد الجرحى وقلدهم وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة تقديرا لمواقفهم النضالية البطولية.
وقدم الأمير عبدالله بن عبدالعزيز التعازي الحارة من حكومة وشعب المملكة في شهداء القدس وقال ان ما تحملون من جراح لا يعد إصابة بل وساما كريما حصلتم عليه بشجاعتكم ونضالكم فكل قطرة دم عربية اريقت على أرض فلسطين هي سقيا لنبوت الكبرياء والمروءة وبطولة لن تنضب بحول الله وقوته .
وناشد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز كل إنسان سعودي وعربي ومسلم ومحب للسلام والعدل على أرض المملكة العربية السعودية ان يبادر في لحظته هذه بمساندة أشقائنا في فلسطين العروبة والإسلام من خلال التبرع ماديا وهو أبسط ما يمكن ان يقدم عملا لا قولا او شعارا دعما لهم ولقضيتنا المشتركة .
وأضاف الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ان الوطن العربي والإسلامي تمثله فلسطين في لحظاتها هذه والارادة العربية تنطق بكل وضوح في انتفاضة اشقائنا في الأراضي العربية المحتلة ولا أبلغ ولا أعظم من تعبير رافض ساخط أدواته حجر في كف طفل وصرخة من قبل امرأة وصدور تستقبل حتفها بكل إيمان واقتدار وعزة سعيا إلى الفوز بالشهادة أو النصر ولن يضيع حق وراءه مطالب ونحن أصحاب حق تاريخي شرعي وقضية عادلة مشروعة، ولقد آن الاوان للطرف الإسرائيلي ولكل من تعنيه عملية السلام ان يدرك ما يعنيه الأقصى بالنسبة لنا عربا ومسلمين تاريخيا وانتماء ودلالة عقائدية لا مساومة حولها او عليها .
وأصدر خادم الحرمين الشريفين توجيها إلى الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية بتعميد أمراء المناطق لفتح باب التبرعات لصندوق القدس لأبطال الانتفاضة في فلسطين انتفاضة القدس ، وأصدر الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض نداء للمواطنين والمقيمين ان يهبوا لتقديم كل عون ومساعدة لشعب فلسطين في انتفاضتهم المباركة وقد تبرع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بمبلغ 30 مليون ريال وتبرع الامير عبدالله بن عبدالعزيز بمبلغ 10 مليون ريال والأمير سلطان بن عبدالعزيز بمبلغ 10 مليون ريال وقد بلغت جملة التبرعات أكثر من 150 مليون ريال لصالح انتفاضة القدس كذلك سلمت المملكة 30 طنا من الأدوية السعودية و20 سيارة اسعاف مجهزة بمستلزماتها لوزارة الصحة الفلسطينية.
وفي مؤتمر القمة العربية في القاهرة حدد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز جوانب الموقف الذي يجب الخروج به من المؤتمر وهي ألا تنحصر مناصرة الشعب الفلسطيني في إطار الدعم المعنوي والسياسي بل يجب ان تكون المساندة لهم بكل الوسائل.
وقد اقترح الامير عبدالله بن عبدالعزيز إنشاء صندوق يحمل اسم صندوق انتفاضة القدس برأسمال قدره مئتا مليون دولار ويخصص للانفاق على أسر الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا في الانتفاضة وتهيئة السبل لرعاية وتعليم ابنائهم، كما اقترح سموه إنشاء صندوق يحمل اسم صندوق الأقصى يخصص له ثمانمائة مليون دولار لتمويل مشاريع تحافظ على الهوية العربية والإسلامية للقدس والحيلولة دون طمسها وتمكين الاخوة الفلسطينيين من الفكاك من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي.
وقد أعلن الامير عبدالله بن عبدالعزيز باسم خادم الحرمين الشريفين وباسم الشعب السعودي بأن المملكة العربية السعودية ستسهم بربع المبلغ المخصص لهذين الصندوقين كما أعلن ان شعب المملكة وفي مقدمته خادم الحرمين الشريفين سيتكفل بدعم ألف أسرة فلسطينية من أسر شهداء وجرحى انتفاضة الاقصى.
وقد أكد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ان القدس الشرقية قضية عربية إسلامية غير قابلة للتنازل او المساومة ولا يمكن بأي حال من الأحوال التخلي عنها ونعتبرها جزءا لا يتجزأ من الأراضي العربية المحتلة التي تسري عليها قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وان المسؤولية في الحفاظ على القدس وتحرير الأراضي المحتلة تقع علينا جميعا وليس هناك من أمل للاضطلاع بهذا الدور ما لم نقف صفا واحدا ونتجاوز الخلافات ونقف في وجه من يحاول ان يضعف تضامننا وينشر بذور الفتنة بيننا.
وقد اختتمت القمة العربية بإقرار مقترح المملكة العربية السعودية في دعم الانتفاضة والحفاظ على الهوية العربية للقدس.
وفي مؤتمر القمة الإسلامي التاسع الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة في الفترة من 12 13 نوفمبر 2000م اعلن صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز ان مصير مدينة القدس والأراضي المحتلة أمانة في اعناق القادة والزعماء العرب والمسلمين، وينتظر الفلسطينيون ان يخرج هذا المؤتمر بالأفعال قبل الأقوال,, وأكد سموه على ضرورة قطع العلاقات الدبلوماسية مع أي دولة تنقل سفارتها إلى القدس المحتلة، وتوفير كل وسائل الدعم للإخوة الفلسطينيين وتعبئة الإمكانات وتهيئة المؤسسات المالية والاقتصادية لتمويل مشاريع يكون هدفها الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية للقدس والحيلولة دون طمسها.
من هنا نلاحظ ان قضية القدس هي القضية المحورية التي تمثل عمق البعد الروحي لدى المملكة العربية السعودية وانها تأتي في مقدمة مرتكزات السياسة الخارجية للمملكة.
* كاتب وصحفي فلسطيني

أعلـىالصفحةرجوع












[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved