| الثقافية
بدأت معرفتي بالأستاذ عبدالكريم الجهيمان من طرف واحد ذات مساء قبل سنين خلت حين زار سيدي الوالد - رحمه الله - في منزلنا بالرياض,, كنت يومئذ طالباً في اليمامة الثانوية، وكنت أتابع بانتظام ما يكتبه الجهيمان في اليمامة الصحيفة، واقترنت تلك المتابعة بقدر غير هيّن من الاعجاب!
تمنيت ليلتئذٍ أن أعرف هوية الزائر الجالس إلى جانب سيدي الوالد، بعد أن لاحظت احتفاءه به، وسعادته بزيارته المفاجئة، كان الجهيمان في حديثه مقتضباً، وكان في زيّه وقوراً, لم تدم الزيارة طويلاً، واستأذن الزائر بالانصراف، فودعه سيدي الوالد بمثل ما استقبله به من حفاوة، وعاد إلى مجلسه، وقد أخذ مني الفضول كل مأخذ، فبادرت سيدي الوالد بالسؤال: من هو هذا الرجل؟ وجاء رده عاجلاً: من ذا الذي لا يعرف عبدالكريم الجهيمان؟ فقلت وأنا أغالب دهشتي: أوَهذا عبدالكريم الجهيمان الذي تحمل اسمه قوافل الكلام؟ فرد والدي: نعم إنه هو بلحمه ودمه!
ونبت في خاطري منذئذٍ شعور قوي بالتحدي للتعرف على الأستاذ الجهيمان عن كثب، وكان لي ما اردت بعد ذلك المساء بعامين تقريباً، عبر صحيفة القصيم أولاً، ثم أخبار الظهران فيما بعد، وكان بعد ذلك ما كان!
مبادرة حميدة وجهد محمود سنّهما مركز بن صالح الثقافي بمدينة عنيزة لتكريم واحد من أوائل رواد المشهد الثقافي في بلادنا، هو الأديب والكاتب المعروف الأستاذ عبدالكريم الجهيمان, ونتمنى ان تُحتذى هذه المبادرة من لدن القادرين في قطاعنا الأهلي وأن تتعدد لتكريم المبدعين أمثاله في بلادنا.
***
لقد سعدت جداً بهذه المبادرة لسببين رئيسيين:
أولهما: ان الاستاذ عبدالكريم الجهيمان جدير بهذا التكريم، ولأنه لم يزل بحمد الله حاضراً بيننا يطرب الحي بفكره وقلمه ولسانه منذ أكثر من خمسين عاماً، ورغم بلوغه مرحلة متقدمة من عمره المديد، إلا أنه لا ينفك يغرد فوق دوح هذا الوطن ومسافاته بأساطير الأمس، وهواجس اليوم، وأحلام الغد، لم يغير طبعه عبء السنين، ولم يثلم ريشته وهن العمر، ولم تطفئ شعلته شيخوخة الأيام!
***
ثانياً: ان هذا التكريم يلبي حاجة ملحة جداً للاشادة بفضل من له فضل في خدمة هذه البلاد وأهلها، وهو مناسب جداً، هدفاً وتوقيتاً وقدراً، فمثلي كثيرون جداً كانوا يتمنون منذ زمن ليس بالقريب أن يكرم الأستاذ عبدالكريم الجهيمان وأمثاله وهم أحياء يرزقون:
تعريفاً بهم،
وعرفاناً لهم،
واعترافاً بالفضل الذي صنعوه لمصلحة هذا الوطن، بدلاً من أن نهملهم حتى يدركهم الحق,, ثم نستيقظ فجأة كي ننتشلهم من قبضة النسيان، نذكر محاسنهم، ونتذكر أفعالهم,, ونكرمهم غيابياً بعد أن صاروا رفاتاً وعظاماً!
***
لقد كنت وما زلت تلميذاً في مدرسة الجهيمان الأدبية منذ أن اقتحمت لجة العبث بأصداف الحرف في صباي البعيد,, كان الجهيمان وقتئذ يتدفق أدباً وعطاءً وحضوراً,, وكان قدوة لي ومعلماً يوم كنت أعمل معه عن بُعدٍ في رحاب صحيفة القصيم ! وكان يلهب الصفحة الاخيرة من القصيم عبر زاويته الأسبوعية المعتدل والمايل يتناول من خلالها تضاريس الحياة والأحياء، سلباً وايجاباً! ثم سافرت للدراسة الجامعية في أمريكا,, فلم تغادرني ذكراه سنين!
***
وبعد,, فالحمد لله الذي منح استاذنا الجهيمان بسطة في العمر كي يشهد تكريمه بنفسه، ونشهده معه، وليقرأ ويسمع ما قيل ويقال عنه في هذه المناسبة، ثم الشكر لمركز ابن صالح الثقافي صاحب هذه المبادرة الكريمة وراعيها والداعي إليها، والشكر.
أخيراً، وليس آخراً لصحيفة الجزيرة عبر صفحتها الثقافية التي احيت هذا الحدث تكريماً لصاحبه واشادة به، ونتمنى لأستاذنا الجليل عبدالكريم الجهيمان مزيداً من العمر مقروناً بالصحة والسعادة، ومزيداً من التألق والتكريم بإذن الله.
عبدالرحمن بن محمد السدحان
|
|
|
|
|