| الاخيــرة
من غير نور لا عدمت حلي حياءها في الحب وجواهر جرأتها في الحق يمدني بطاقة الوفاء كلما استهلكتها حياتنا اليومية.
من غير نور يملك هذه الحساسية الروحية الممتدة من عالم الاموات الى عالم الاحياء.
في كل مرة كانت احدى فاتنات الحرف تحزم امرها وتذهب لملاقاة بارئها,, كانت نور تفتح الهاتف من جدة الى الرياض لتعزيني في فقد كل امرأة من اولئك النساء تعزية شخصية وكأنها تحدس او هي بالفعل تشعر بذلك الحزام الجريء الحارق الذي يربط ارواح الكتاب والكاتبات ببعضها البعض على لوح الكتابة ولان نور ترى ان ملء مكان امرأة انتزعته في الغالب من بوارق السيوف هو مسؤولية كل النساء فقد كانت تسكب في دورتي الدموية مباشرة كيف يكون الوفاء لمسيرة هؤلاء النساء.
فكيف طاوعت مشاغلي وابتعدت عن تعاليم امي؟
لقد ذهبت بنت الشاطئ الدكتورة والاديبة عائشة عبدالرحمن الى رحمة ربها وبقى رجع موجع يتردد في ضميري انني لم اكتب عن فقد تلك المرأة التي رشقت طفولتنا بامواجها وتركنا نحيا حب البحر بقية العمر.
لقد غادرت الاديبة لطيفة الزيات بعد صراع عنيف مع الالم وكأن صاحبة الباب المفتوح تصر على ان تبقي الباب مفتوحا الى آخر لحظة في حياتها، ولم اكتب عن كتابتها ولا عن ذلك الحنان الامومي الذي كانت توزعه قبل موتها بأسابيع على كل من تعرف ولا تعرف من النساء فكنت كلما صادفت كتابا من كتبها في مكتبي اذوب في نفسي من نفسي ومنها من الحياء وعلمت في وقت متأخر بوفاة سميره لاري اول صحفية سعودية فانفجعت مرتين غير انني لم اكتب عنها كما وعدت نفسي وبقى فراغ مكانها ينكأ في ضميري الام الجحود.
وذهبت الشاعرة ملك عبدالعزيز من هذه الدنيا بطريقة مزيج بين الخليل والخيال وايضا بقى وبعد ما يقارب من عام على فقدها طيف الشاعرة يترصدني كلما خلوت او لم اخل الى نفسي.
وقبل البارحة لم تكتف اطياف ملك عبدالعزيز بملاحقتي في احلام الصحو فحضرت في احلام المنام.
كانت الشاعرة ملك عبدالعزيز كما قابلتها لاول مرة في مهرجان الخنساء الشعري بمسقط للعام 99 امرأة ثمانينية في اوج الشباب بشالها القرمزي وضفيرتها الفضية وقصائدها المشتقة من تسبيح ا لشجر للواحد الاحد غير انها لم تكن تتكئ على عصا بل على العكس كانت ممشوقه تماماً وكأنها للتو ستبدأ في كتابة قصيدة جديدة.
فكيف ذهبت مرة ثانية ولم تلتفت حين ناديتها وكأنها تريدني ان ألحق بها؟
كصبية الاسطورة التي تموت بشكة الابرة التي كانت تحيك بها ثوب عرسها كحوريات البحر اللواتي يمتن بالتفاف امواج البحر على اعناقهن المائية.
كما تفرح المشتق من الشمس والمنتحر بشعاعها هكذا ذهبت شاعرة الشجر تحت شجرة من الاشجار التي احتفت فيها بشعرها.
هل خطر للشاعرة ملك عبدالعزيز وهي تنتظر في الشارع القاهري المزدحم تحت شجرة وحيدة قدوم سيارة تنقلها الى وجهة ما ان ترأف بوحدة الشجرة فتتشاركان المصير وان تغيرت وجهة الرحلة ام ان الشجرة لم تر اجمل من جسد الشاعرة لتتكفن به الى مثواها الاخير او ربما ان ملك رأت ان تموت موتا شعريا يشبه افتتان شعرها بالطبيعة فقررت ان تتكفن بالشجرة.
في عمان لم تكن القصة قد غمضت الى هذا الحد المعقد لاسألها عن التفاصيل.
كانت الشاعرة تتوكأ على عصا وكنت اتوكأ على عكازين لكسر تعرضت له قدمي في اللحظة التي وضعتها على ارض المطار وكنا نمشي على الشاطئ فكانت تضحك الشاعرة ضحكتها الهامسة التي تكشف عن فم طفلة يقطر حياءها رحيقاً مرحاً على الفراغ الذي تركه سقوط اسنان اللبن وهي تقول لي: تخيلي امرأتين بسبعة اجنحة,, فتلتقط الشاعرة العمانية سعيدة خاطر الصورة المدهشة وتقول بضحكة يسمع فيها صوت قواقع البحر سأنشرها في قصيدتي القادمة .
كانت الشاعرة ملك عبدالعزيز لمشتركات الرحلة الشعرية تقضي معظم وقتها مع الشاعرة فدوى طوقان فكنت لا اكاد اصدق عيوني وهي تريني طفلتين عام 1919 لا تزالان تلعبان برغاوي الشعر بكل شقاوة بينما تدخل الشاعرة العراقية الى المشهد المدهش بسنوات عمرية اقل بكثير ولكن بشجن شعري في بعد ثان للمشهد وكنت اشعر بزهو الحظ لان يجمع قول الشعر امرأة من جيلي باجيال هؤلاء النساء المجبولات من جبهة القرن ومن رحم التحولات ومن حرير الاحلام وحدائقها.
هذا ولله الامر من قبل ومن بعد.
فوزية أبو خالد |
|
|
|
|