لحروف فوزية أبو خالد وقع زخّات المطر حين تبلِّل الجبهةَ الظامئة للندى، والرواء,,.
أنتظرها بلهفة المشوق للقمة الرغيف الساخن وهو يخرج من الشُّواء فيستحلب حركة الجوع في الخواء,.
ولأنها جاءت اليوم فجر الخميس (الأمس) مع زخات المطر، في الجو الضبابي الجميل وكأنني معها فوق شاطئ طويل من عبور الآمال في مراكبها السحائبية اللانهائية، مثل كلِّ مرة تمرِّرني فيها على تلك الدروب الحالمة مع وقع حروفها، أو صوتها، أو خطها المنمنم وهي تنقش به بياض أو ألوان القزح الورقية حين تهفو لمخاطبتي عن بعد، في المرات القليلة القريبة، أو الكثيرة البعيدة,, فإنني أنتظرها على رصيف الأسبوع، بكوب القهوة، وأبخرتها التي تأخذني إلى تفاصيل ما خلف وأمام سطورها وكأني أتمشى معها في تلك الشوارع المترامية تحت أعمدة النور في إسكان الجامعة، حيث هي ترسل أنفاسها وعبير أفكارها، وتتحلّق حول طموح طفول، وأحلام غسان,, امرأة لها وهج الشمس، وعنفوان الكلام، وأحلام الدروب.
ولفوزية أبو خالد قدرة الصيّاد وهو يقف على الدروب اللامتناهية يلتقط من ركام نتف الضباب ما يختبئ من نبوءة المطر، ومن زخات المزون ما يبقى فوق جروح التراب، أو ثقوب الأجواء، أو تفاصيل الخفايا,,, تلتقط بسنارتها النورانية شيئا لا يتنبَّه له إلا الذين يدركون وعورة المشقات في الحصول على تراكمية هذا الكم الجميل في حصيلة هذه الطامحة فوزية, فجر هذا الخميس الضبابي، المطري، الثلجي الجميل,,, كنت مع وفاء هذه الفوزية التي لا تغفل عن وقفة صدق مع قوافل المحطات كي تلقي بالتحيَّة على العابرين الباصمين، ولقد ظلَّت لها ذاكرة دومية لا تتفلَّت عن التفاتة الوفاء، وهي كذلك مع مخيمات صبرا، وشاتيلا، وسناء محيدلي، ووجع القدس، وجراح بيروت، ونزيف الوعود، وأحلام الطاولات، ومراثي الأوراق، وامرأة تنحت أحلامها من عذوق النخيل، وتصنعها من ثماره، ورجل لا يفتأ أن يطرق الألم في صدور الحارات، وشعلة نور تنسحب ضياءً في أوجه الصغيرات، ودماء تتجمد فوق النعوش،,,,و,,.
وتجيء مع المطر,, بمطر الوفاء,,.
فوزية هذا الفجر فجّرت لدي شهوة الكلام,,.
تذكرتُ المحطات,,, وعبرتُ بقوافل الطريق,,.
عدتُ أفتش كالأطفال في تفاصيل الأمهات لأوراقي التي كانت تتدفأ من لفحات الفجر الباردة داخل ملفاتها الصامتة,,, أنقِّب عن شيء من فوزية,,, تلك الممشوقة في روضة الكلام، الفارهة في أودية التعبير، الجميلة بين صيادي الحروف,,,
أحبها لأنها نقية،
وأحبها لأنها صادقة،
وأحبها لأنها وفية,,.
هذه عائشة عبدالرحمن، وتلك لطيفة الزيات، والمستقيمة اليوم واقفة فوق مساحة كلامها ملك عبدالعزيز وسميرة لاري التي مضت بصمت تلقي عليهن تحيَّة الوفاء، وتلوِّح بحسرة الصمت,,,، ومن منَّا قد توقَّف عند نبع التذكُّر واحتلب ذاكرته كي يهمي بما يليق؟ وهذه الدوَّامات الزمنية تأخذنا في ركض اللاهثين دون أن نعود إلى جذر التكوين الذي نصبَتاه النوران فينا,,, ولعل من أجمل ما يربطني بفوزية أبو خالد أن نور اسم مشترك لفاعلتي الحياة فينا,,.
ونور الشامخة فيَّ,,.
ونور الشامخة فيها,,,، من نعم الله علينا أنَّهما من النبع ذاته، وبالمعين ذاته أسقتانا، فما السر الذي جاءني مع أبخرة كوب القهوة في فجر شتائي,,, أرسلت إليَّ فيه فوزية قطعة حلوى، ألتقمتها مع كلماتها,,, وفرشت شالها القرمزي كي أتدفأ في عراء اللا وفاء الذي يفرشه أبناء هذه المحطات، ويرحلون مع قوافل الصمت والنسيان؟
لحروف فوزية زخم خاص,,.
وليوم تكتب احتفاء ذاتي,,.
ولست وحدي من يدري كيف هي هذه الحنطية من قاع الألم,,, ترفع رأسها تتوكأ على الأمل، وأدري أننا نبذره معاً بيدين رسمت خطوط كفَّيّهما نوران ما خبَّأ وقيد شعلتهما صمت السحر، ولا هجدة النائمين، ولا غمام شتاءٍ لا تدرُّ فيه القطرات، ولا ظلمة ليل لا ينتهي مع غفوة الصامتين عن الأحلام,,, وأجمل ما يربط الإنسان بالإنسان حسٌّ,, ينبض، وأحلام تشاغب المنافذ كي ترحل في أبعاد المدى نحو أن تكون، أو تستقر في ذاكرة لا تنسى,,, حتى إذا ما دلقت بما فيها,,, ندت معها قطرات ,,, نقوشاً في لوح التذكُّر الذي يقيم الحاجز بين الوفاء والنكران,,.
بين قافلة مضت
وقافلة قادمة,,.
و ,,, صباح شتائي أرسل إليكِ مع أبخرة قهوته بأحلام الوفاء,,.
|