أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 2nd December,2000العدد:10292الطبعةالاولـيالسبت 6 ,رمضان 1421

مقـالات

أحاديث شهر رمضان المبارك:1 - 4
1 سفر أيوب، والكذب على الله:
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: ما ضمن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يطلعه على علم كل مغيب، وقد نص ربنا سبحانه في القرآن الكريم على أنه لم يقص عليه أسماأَ وأنباأَ بعض الرسل,, قال الله تعالى: ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك (سورة النساإ/164)، وقال تعالى: منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك (سورة غافر/ 78),, وكل رسول ذكره الله في القرآن لم يضمن الله أن يبيِّن لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم جميع أخباره، وما ورد من أخبار عن رسول معين فلم يضمن الله أن يفسر كل خبر,, وإنما ضمن لنا ربنا الهداية الشرعية الإيضاحية، والهداية الكونية في تعاملنا الدنيوي مع الطبيعة من أناسي وحيوان ونبات وتراب,, إلخ، وضمن لنا سبحانه الهداية الشرعية الإيضاحية عما نحاسب عليه في آخرتنا من اعتقاد أو قول أو فعل.
قال أبو عبدالرحمن: وقصة أيوب عليه السلام مما يُرقِّق القلوب في هذا الشهر المبارك، وقد ذُكرت في القرآن الكريم تفصيلاً في موضعين، وذُكر أيوب عليه السلام في عدة مواضع,, وليس جمهور ما في كتب التفسير صحيحاً لا من جهة الخبر، ولا من جهة اللغة,, ولما أنعمت النظر فيها وجدت مصادر الخبر عن قصة أيوب عليه السلام إيراداً وتفسيراً خمسة مصادر هي: القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسفر أيوب المختلق من كتب العهد القديم,, هذان هما المصدران إيراداً، وصحاح الأحاديث عن المصطفى عليه الصلاة والسلام وما ينطق عن الهوى، وأسانيد ومتون لا تقوم بها حجة، ولغة العرب وما أنتجته أصول علم الدلالة,, وهذه هي المصادر تفسيراً.
والمنهج ان نُفسِّر كلام الله بكلام الله، ثم بصحاح الأحاديث، ثم بلغة العرب وأصول دلالاتها,, ولا نلتفت إلى الروايات التي لا تقوم بها حجة لا سنداً ولا متناً,.
والعجيب أن القاضي الشوكاني وهو إمام فحل ممسوح الغرة، وتفسيره من التفاسير المقدمة، وهو يجمع بين الرواية والدراية أورد الروايات الباطلة عن قصة أيوب في آخر سورة ص، وترك الأحاديث الصحيحة,, وقبله سلك هذا المسلك آخرون مثل محيي السنة البغوي؛ فقد شحن تفسيره للآية من سورة الأنبياإ بالإسرائيليات، ولم يذكر سوى سطر من حديث أنس رضي الله عنه عن مدة بلاإ أيوب عليه السلام.
وأما ما في الكتب المقدسة فنتوقف فيما لم يقم برهان صحته أو بطلانه جاعلينه على الاحتمال طاعة لربنا سبحانه كما في سورة العنكبوت؛ لأنها كتب مدخولة، وأصلها من عند الله؛ فكلا الأمرين (الصدق، والكذب) محتمل,, وما قام برهان بطلانه نرده بيقين، ونحتفظ به برهاناً على ما أخبر الله عنه من التحريف والتبديل الطارإ عليها,, وما قام برهان صحته زائداً على الشرع فهو حجة عقلية، فإن كان موافقاً للشرع جعلناه برهاناً على أن الأصل من عند الله.
وقد رأيت أولاً أن أحقق قصة أيوب وتفسيرها من أسفار أهل الكتاب؛ لأعلم: أهي حق نعتمد عليه في تفسير كتاب الله القرآن الكريم، أم باطل نرده؟,, ثم أعطف عليها بصحاح الأحاديث؛ لأنها أَولا ما يفسر به القرآن، ثم استغني عن الروايات الباطلة في كتب التفسير، والاستنباطات التلفيقية بالتفسير بلغة العرب وفق أصول علم الدلالة.
أما عن أسفار أهل الكتاب فقد جاأت قصة أيوب عليه السلام في سفر كامل بالعهد القديم عرف بسفر أيوب بين سفري أستير والمزامير المطبوع بالعربية في مجلدين ضخمين بعنوان العهد العتيق طبعه المرسلين اليسوعيين ببيروت عام 1880م (1) في اثنين وأربعين فصلاً,, وملخصه: أن أيوب عليه السلام رجل في أرض عوص، سليم مستقيم يتقي الله، وله: سبعة بنين، وثلاث بنات، وسبعة آلاف من الغنم، وثلاثة آلاف من الإبل، وخمسمأة فدان بقر، وخمسمأة أتان، وعبيد كثيرون جداً,, وهم من أعظم أبناإ المشرق، وكان كل واحد من بنيه يعمل مأدبة في بيته في نوبته ويدعون أخواتهم الثلاث، وكان أيوب يبعث فيبارك عليهم، ثم يُكَفِّر عنهم خشية أن يكونوا أخطأوا,, ثم وردت قصة محاورة الشيطان لربه، وأن أيوب لم يكن يتقي الله مجاناً، بل من أجل سعة رزق الله عليه، وأن الله إن سلطه على ماله فسيجدِّف,, ثم جاأ التسليط بأخذ أهل سبإ بقَرهُ، وأخذ الكلدانيين إبله,, إلخ,, وأن أيوب شق رداأه، وسجد، وقال: عرياناً خرجت من جوف أمي، وعرياناً أعود إلى هناك,, الرب أعطى، والرب أخذ,, الخ,, ثم جاأت المحاورة الثانية حيث طلب الشيطان من الرب سبحانه بأن يصيب جسد أيوب، وحينئذ يُجَدِّف، وأن الله سلط الشيطان فأصاب أيوب بقرح خبيث، وأنه طُرح على رماد,, ولم يحدد الفصل الثاني مدة البلاإ، بل ذكر أنه صبر ولم يجدِّف، وأنه بعد ذلك فتح فاه، ولعن يومه وقال: لا كان نهار ولدت فيه,, واستمر الفصل الثالث يذكر سخط أيوب على القدر مما ينافي خبر الله عنه في القرآن الكريم وثنائه على صبره,, وذكر الفصل الرابع والخامس وعظ أليفاز التيماني له بأن يصبر ويدعو ربه,, والفصل السادس ذكرٌ لجواب أيوب عليه السلام، وهو إصرار منه على سلامة موقفه من العتب على القدر، والفصل السابع كغيره كذب على أيوب في العتب على القدر بتفنن بلاغي، والفصل الثامن عتب من بِلدد الشوخي لأيوب على جزعه!!,, والفصل التاسع الآفك دعوى على أيوب بتصويبه جزعه مع تفنن جديد في معاتبة الرب,, وهكذا الفصل العاشر، ويأتي الفصل الحادي عشر مناجاة من صُوَفَر النَّعماتي يُقنع أيوب بحكمة الله في قدره,, ويأتي الفصل الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر متمسكاً بموقفه من تصويبه لنفسه، وعتبه على ربه,, ثم يعود أليفاز التيماني في الفصل الخامس عشر يحاور أيوب وينتقده، فيأتي الفصل السادس عشر والسابع عشر عن إمعان أيوب كرمه الله عما يقول الآفكون في تأييد موقفه، زائداً في سخطه!!,, ونفس الحوار يتجدد إلى نهاية الفصل الحادي والثلاثين حيث أيسوا من إقناعه، وأقسم أيوب أن لا يتأمل في عذراأَ,, وبالفصل الثاني والثلاثين يدخل شخص ثالث غضب على أيوب لاستمراره على موقفه، وغضب على محاوريه لنفاد أجوبتهم!!,, وذلك هو أَلِيهو بن بَرَكئيل من عشيرة رام,, واستمر في طرحه إلى نهاية الفصل السابع والثلاثين يفصِّل القول عن عدل الله وحكمته,, وبالفصل الثامن والثلاثين إلى بداية الفصل الثاني والأربعين محاجة الله لأيوب بقول مفصل عن حكمة الله وعدله وقدرته مع تقريع محاوري أيوب؛ لأنهم لم ينطقوا بالصواب,, وخُتم سفر أيوب بهذا النص: وكان بعد أن كلَّم الرَّبُّ أيوب بهذا الكلام أن قال الرب لأاليفاز التيماني: إن غضبي قد اضطرم عليك وعلى كلا صاحبيك؛ لأنكم لم تتكلموا أمامي بحسب الحق كعبدي أيوب * والآن فخذوا لكم سبعة ثيران وسبعة كباش وانطلقوا إلى عبدي أيوب وأصعدوا مُحرقة عنكم وعبدي أيوب يصلي من أجلكم فإني أرفع وجهه لألا أعاملكم بحسب حماقتكم لأنكم لم تتكلموا أمامي بحسب الحق كعبدي أيوب * فانطلق أليفازُ التيماني وبلددُ الشوحيُّ وصُوفرُ النعماتيُّ وصنعوا ما أمرهم الرب به ورفع الرب وجه أيوب* ورد الرب أيوب من جلآئهِ حين صلى لأجل أخلآئهِ وزاد الله أيوب ضعف ما كان له قبلاً* وزاره جميع إخوته وأخواته وكلُّ من كان يعرفه من قبل وأكلوا معه خبزا في بيته ورثوا له وعزَّوه عن كل البلوا التي انزلها الرب به وأهدا له كل منهم نعجة وخُرصا من ذهب* وبارك الرب آخِرة أيوب أكثر من أولاه فكان له من الغنم أربعة عشر ألفا ومن الإبل ستة آلاف وألف فدان من البقر وألف أتان* وكان له سبعة بنين وثلاث بنات* وسمى الأُولا يميمةَ والثانية قصيعة والثالثة قرن الفُوك* ولم تُوجد نسآأٌ في الحُسن كبنات أيوب في الأرض كلها واعطاهن أبوهن ميراثا بين إخوتهن* وعاش أيوب بعد هذا مئة وأربعين سنة ورأى بنيه وبني بنيه الى أربعة أجيال* ثم مات أيوب شيخا قد شبع من الأيام (2) .
قال أبو عبدالرحمن: هذا نص محال التصور أن يكون من كلام الله؛ لما فيه من شناعات لا تليق بالله وبرسله عليهم الصلاة والسلام وقد تركت ما جاأ فيه من ذكر أبناإ الله تعالى الله وتقدس وشرب الخمور,, وفي إشارات القرآن الكريم عن أيوب عليه السلام تفاصيل ليست في هذا السفر الطويل,, وكل نصوص القرآن الكريم عن أيوب عليه السلام ثناأٌ عليه لصبره وأوبته وتوحيده وقوة ايمانه، وهذا السفر مصادم لكلام الله، وهذا السفر جعل للشيطان تسلطا مباشرا على أيوب في ماله وجسمه,, على أن الأستاذ عباس محمود العقاد رحمه الله خُدع بنصوص من هذا السفر فقال: أما عقيدة أيوب كما تفهم من سفره المجموع في العهد القديم فغاية في السمو والكرم والتنزيه,, انه ينكر عبادة الشمس والقمر، ويصف الله القدير بأنه أعلا من السماوات وأعمق من الهاوية وأعرض من البحر، وسوَّى بين الحُر والعبد قائلا: أو ليس صانعي في البطن صانعه وقد صورنا واحد في الرحم؟,, ويحمد من الغني ان يكون أبا للفقراإ وان تكتئب نفسه على المساكين، وان يبكي لمن عسر يومه، ويستعيذ بالله ان ينظر انسان الى امرأة غير امرأته وان يطمع في مال غير ماله,, وأجلُّ من ذلك شأنا في تاريخ العقيدة الدينية انه كان أول من نص على البعث في كتب العهد القديم، وكانت تربيته الإلاهية التي انتهى منها الى هذه العقيدة تربية طويلة صبر فيها على نكبات المرض والبوار وخيانة الأقربين والأبناإ، وتدرَّج من القول بالزوال والعدم الى القول برؤية الله بعد فناإ الجسد (3) .
قال أبو عبدالرحمن: معيار الصدق ان لا يكون فيه شائبة من الكذب ومعيار الكذب ان يكون كذبا بحتا او مموها بشيإٍ من الصدق,, وما في سفر أيوب من شائبة صدق: مما أبقاه الله في كتابهم الذي حرفوه وبدَّلوه، ثم كان الكفر والتحريف والتبديل والإضافة في التفاصيل,, وما أملح هذه الكلمة للدكتور محمد علي البار,, قال: ويعلن مُألف هذا السفر كفره مرارا على لسان أيوب، ولا نجد ذكرا لليوم الآخر على الاطلاق، ويصل الكفر إلى درجة إنكار وجود الله,, ثم يعود ويُأمن بالله بعدما يظهر له الرب ذاته، ويكلِّمه ويوبخه ويوضح له عجائب صنعه، فيقر أيوب ويعترف بذنبه,, وهاهنا يستغل الرب الفرصة تعالى الله عن ذلك فيوجِّه لأصحاب أيوب (وهم من غير اليهود) تهمة إيذاإ أيوب وشتم الرب، ويطلب منهم سبعة ثيران وسبعة كباش يصعدونها محرقة؛ لأن له مدة طويلة من رائحة الشواإ,, وأيوب مريض طوال هذه المدة ولم يُقدَّم له محارقُ ولا احد في الوادي كله يقدم له المحارق,, إذن على هاأُلاإ أصحاب أيوب ان يتحملوا ذلك، ويصعدوا له بالثيران والكباش ويحرقوها حتى يتنسَّم نسيم الرضا، وإلا انزل غضبه بهم وسحقهم، فلما فعلوا ذلك أعلن رضاه عن أيوب وضاعف له ثروته وأمواله كلها، واعطاه بنين وبنات وعاش مأة وأربعين سنة أخرا حتى مات وهو شبعان أياما,, هذه أهم نقطة في العهد القديم كله منذ ابراهيم (عليه السلام) الى آخر ملوكهم وأنبيائهم (عليهم السلام): ان يتنعَّموا في الدنيا بأكبر قدر مستطاع من المتع، وان تطول حياتهم بأقصى مدة ممكنة، وان يموتوا وقد شبعوا من الدنيا ومن متعها؛ إذ ليس بعد ذلك الا الهاوية والظلام والنسيان التام (4) .
وجنح الشيخ عبدالوهاب النجار رحمه الله الى تأويل ما في سفر أيوب من الكفر؛ لأنه يشبه قصائد شعرية والشعر في كل لغة ميدان المبالغة (5) .
قال أبو عبدالرحمن: لو جاز التأويل بلا برهان: لكان السفر كله مُأولا، ولما صح أي قول يحمل على حقيقته,, ولو كان سفر أيوب وحياً من الله لتنزه عن المبالغة؛ لأن الذي في الوحي بلوغ الغاية لا المبالغة,, والتجوز اذا وقع يكون في الأداإ لا في المخبر عنه، ولا يكون الا بصحة لغوية وبلاغية مع برهان صارف عن الحقيقة، وبرهان معيِّن للمجاز المراد، ومن موانع المجاز ان يكون الظاهر كفرا صُراحا,, وورد في تفاسير المسلمين أسانيد لا تقوم بها الحجة في ذاتها جمعت التوفيق بين هذا السفر ونصوص القرآن المعصوم، والاستنباط الباطل برجم الظنون؛ ولهذا فهي مردودة سندا ومتنا,, بل ان ابن جرير رحمه الله اورد في تفسيره معظم سفر أيوب، وهكذا كتاب قصص القرآن لمحمد جاد المولى وزملائه، فانما هو عرض مفصل للإسرائيليات.
وفي هذا السفر الطويل حوار بلاغي فلسفي عن الإيمان والإلحاد، والقضاإ والقدر حكمة وعدلا او تجهيلا وتجويرا,, وكل هذا سهَّل امر الالحاد في دول اهل الكتاب، وكان نواة لأمثال الاخوة كارامازوف,, قال الدكتور محمد علي البار: واذا فهمنا اسفار العهد القديم فإننا نكون قد فهمنا العقلية اليهودية فهماً جيدا كما اننا سنفهم تماما تأثيراتها على الغرب ومدى تغلغل هذا الفكر اليهودي فيها,, والواقع ان مصدر كثير من هذه الأفكار اليهودية عقائد الأمم السابقة على اليهود مثل قدماء المصريين والبابليين والفرس والآشوريين واليونان,, ولليونان تأثير خاص؛ لأن أسفار العهد القديم نقلت من العبرية القديمة الى اليونانية، وضاعت كل تلك الأسفار ثم تُرجمت من اليونانية الى العبرية والى غيرها من اللغات؛ لهذا دخل الفكر اليوناني بكثافة الى الفكر اليهودي، وسيطر الفكر اليوناني واليهودي على الفكر الاوروبي المسيحي وعلى الفكر الحديث سيطرة كاملة,, ولا يستطيع الانسان ان يفهم الفكر الأوروبي الحديث وفلسفاته الا اذا فهم الفكر اليوناني، ودرس دراسة وافية اسفار العهد القديم ففيها مفتاح العقلية الاوروبية الحديثة (6) .
وقال: والأدباأُ والباحثون الغربيون مغرمون جداً بهذا السفر المليإ بالشك والبهتان والكفر الصريح (7) .
وقال العقاد: ولا عجب أن يشيع هذا الكتاب العجيب حيث تسامع به الناس، فإنه عزاأ صالح للمتعزين، وعبرة صالحة للمعتبرين,, ولاتزال قصة أيوب منظومة شائعة يتغنّا بها شعراأُ اللغة العربية الدارجة في مصر والشام، ولا نعرف كتاباً من كتب التوراة ظفر في رأي النقاد الغربيين بالإعجاب الأدبي الذي ظفر به سفر أيوب؛ فقال توماس كارليل عنه: إنه واحد من أجلِّ الأشياإ التي وعتها الكتابة، وإنه أقدم المأثورات عن تلك القضية التي لا تنتهي,, قضية الإنسان والقدر والأساليب الإلاهية معه على هذه الأرض، ولا أحسب أن شيأً كتب مما يضارعه في قيمته الأدبية.
وقال فيكتور هيجو: إنه ربما كان أعظم آية أخرجتها بصيرة الإنسان,, وقال شاف: إنه يرتفع كالهرم في تاريخ الأدب بلا سابقة وبغير نظير (8) .
قال أبو عبدالرحمن: وذلك الفصل الذي ختمت به استعراضي لسفر أيوب هو الإصحاح الثاني والأربعون فيما طبع باسم العهد القديم، وهذا نصه: فأجاب أيُّوبُ الرَّبَّ فقال: قد علمت أنك تستطيع كل شيإٍ ولا يعسُرُ عليك أمره فمن ذا الذي يخفي القضاأ بلا معرفة* ولكني قد نطقت بما لم أفهم بعجائب فوقي لم أعرضها* أسمع الآن وأنا أتكلم* أسألك فتُعلمني* بسمعِ الأذُنِ قد سمعتُ عنك والآن رأتك عيني* لذلك أرفض وأندم في الترابِ والرَّمادِ.
وكان بعدما تكلم الرب مع أيوب بهذا الكلام أن الرب قال لأليفازَ التيماني قد احتمى غضبي عليك وعلى كلا صاحبيك لأنكم لم تقولوا في الصواب كعبدي أيوب* والآن فخذوا لأنفسكم سبعة ثيران وسبعة كباشٍ واذهبوا إلى عبدي أيوب وأَصعدوا مُحرَقة لأجل أنفسكم وعبدي أيوب يُصلي من أجلكم لأني أرفع وجههُ لألا أصنع معكم حسب حماقتكم لأنكم لم تقولوا في الصواب كعبدي أيوب* فذهب أليفازُ التيماني وبِلدَدُ الشُّوحيُّ وصُوفَرُ النعماتي وفعلوا كما قال الرَّبُّ لهم ورفع الرب وجه أيوب* وردب الربُّ سبي أيوب لما صلاّ لأجل أصحابه وزاد الرَّبُّ على كل ما كان لأيوب ضعفاً* فجاأ إليه كلُّ إخوتِه وكلُّ معارفه من قبل وأكلوا معه خُبزاً في بيته ورثوا له وعزوهُ عن كل الشَّر الذي جلبهُ الربُّ عليه وأعطاه كل منهم قَسيِطةً واحدة وكل واحد قُرطاً من ذهب* وبارك الرب آخِرَةَ أيوب أكثر من أولاهُ وكان له أربعة عشر ألفاً من الغنم وستة آلاف من الإبل وألف فدان من البقر وألف أتانِ* وكان له سبعة بنين وثلاث بنات* وسمى اسم الأُولا يميمة واسم الثانية قَصيِعَةَ واسم الثالثة قرن هَفُّوك * ولم تُوجد نساءٌ جميلات كبنات أيوب في كل الأرض وأعطاهن أبوهُن ميراثاً ما بين إخوتهن, وعاش أيوب بعد هذا مأة وأربعين سنة ورأى بنيه وبني بنيه إلى أربعة أجيال* ثم مات أيوب شيخاً وشبعاً من الأيام (9) .
وفي العهد القديم ما يشعر بأن قومه عصوه؛ لأن أيوب قُورن بنوح عليهما السلام في معرض التهديد للأمم إن عصوا وهذا هو النص: وكانت إليَّ كلمة الرب قائلة: يا ابن آدم إن أخطأت إليَّ أرضٌ وخانت خيانة فمددت يدي عليها وكسرتُ لها قِوام الخبزِ وأرسلتُ عليها الجوع وقطعتُ منها الإنسان والحيوان* وكان فيها هاأُلاإ الرجال الثلاثة نُوحٌ ودانيآل وأيُّوبُ فإنهم إنما يُخلصون انفسهم ببرِّهم يقول السيد الرَّبُّ* إن عَبَّرتُ في الأرض وحوشاً رديئة فأثكلوها وصارت خراباً بلا عابر بسبب الوحوش* وفي وسطها هاأُلاإ الرجال الثلاثة فحيٌّ أنا يقول السيد الرب إنهم لا يُخلصُونَ بنين ولا بنات* هم وحدهم يَخلصُونَ والأرض تصير خَرِبَةَ* أو إن جبلتُ سيفا على تلك الأرض وقلت يا سيف أعبر في الأرض وقطعت منها الإنسان والحيوان* وفي وسطها هاأُلاإ الرجال الثلاثة فحيٌّ أنا يقول السيد الرَّبُّ إنهم لا يُخلصون بنين ولا بنات بل هم وحدهم يَخلصون* أو إن أرسلت وباأً على تلك الأرض وسكبتُ غضبي عليها بالدَّمِ لأقطع منها الإنسان والحيوان* وفي وسطها نُوحٌ ودانيآل وأيوب فحيٌّ أنا يقول السيد الرَّبُّ إنهم لا يُخصلون ابناً ولا ابنةً* إنما يُخلِّصون أنفسهم ببرهم (10) .
ولقد شرح الفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون القرطبي مسائل من العذاب والآلام، وأنه يُبتلا الصالح بالآلام وإن لم يكن منه إثم، وحلل سفر أيوب مثالاً لذلك (11) ، ولكنه قال: في صدر بحثه: وقد علمتَ تصريحهم وقول بعضهم: أيوب لم يكن موجوداً ولا خُلق,, إلا أنه كان مثلاً,, والذي زعم أنه كان وخلق، وأنها قصة جرت لم يعلم له (أي لأيوب) لا زماناً ولا مكاناً إلا بعض الحكماإ : يقول: إنه كان في أيام الآباإ,, وبعضهم قال: إنه كان في أيام موسى,, وبعضهم قال: إنه كان في أيام داوود,, وبعضهم قال: إنه كان من مهاجري بابل,, وهذا مما يُأكِّد قول من قال: إنه لم يكن، ولم يخلق (12) .
الحواشي:
(1) أما السفر الثالث فهو الكتاب المقدس,, أي الأناجيل العهد الجديد .
(2) العهد العتيق 2/45 46.
(3) أبو الأنبياإ ص 161 ضمن المجلد الحادي عشر من المجموعة الكاملة نشر دار الكتاب اللبناني/ الطبعة الأولى عام 1978م.
(4) الله والأنبياأُ في التوراة والعهد القديم 2/500 نشر دار القلم بدمشق، والدار الشامية/ الطبعة الأولى عام 1410ه.
(5) قصص الأنبياإ ص 473 طبع دار الكتب العلمية ببيروت/ الطبعة الثالثة.
(6) الله والأنبياأُ 2/500501.
(7) الله والأنبياأُ 2/482.
(8) أبو الأنبياإ ضمن المجموعة الكاملة 11/162.
(9) الكتاب المقدس يجمع العهد القديم والعهد الجديد ص 832 833,, ولم تُذكر هوية الطبعة.
(10) حزقيال/ الإصحاح 14/13 20.
(11) دلالة الحائرين ص 545 559 تحقيق الدكتور حسين أتاي ونشر مكتبة الثقافة الدينية بالقاهرة.
(12) دلالة الحائرين ص 544 545,, والقرآن الكريم يُكذب هذا الزعم، وعن شخصية أيوب عليه السلام، وعصره، وهل هو من بني إسرائيل أو عربي، وبلده، ومتى كتب سفره، وهل السفر ثابت عن الله: انظر قصة الحضارة لول ديورانت 2/390 391 بترجمة محمد بدران نشر دار الجيل، ورسالة في اللاهوت والسياسة للفيلسوف اليهودي الملحد سبينوزا ص 315 316 بترجمة الدكتور حسن حنفي، ومراجعة الدكتور فُآد زكريا نشر مكتبة الأنجلو المصرية/ الطبعة الثالثة 1991م,, وإظهار الحق لرحمة الله الهندي 1/137 بتحقيق الدكتور محمد ملكاوي نشر دار أُلِي النهار ودار الوطن عام 1412ه، و 2/527 528 و591593، والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد علي 1/631 634 الطبعة الثانية عام 1412ه وقد ساعدت جامعة بغداد على نشره، وأبو الأنبياإ للعقاد ضمن المجموعة الكاملة 11/160 163، والفكر الديني اليهودي/ أطواره ومذاهبه للدكتور حسن ظاظا رحمه الله ص 46 و47 48، والكتب السماوية وشروط صحتها لعبدالوهاب عبدالسلام طويلة ص 235 طبع دار القبلة، ومُأسسة علوم القرآن عام 1410ه، والله والأنبياأ للبار 2/480 482، وبنو إسرائيل للدكتور محمد بيومي مهران 3/61 67 نشر دار المعرفة الجامعية بالاسكندرية عام 1999م، وكرر ذلك كما هي عادته في كتبه بكتابه دراسات تاريخية من القرآن الكريم 3/223 229 طبع دار النهضة العربية للطباعة والنشر ببيروت/ الطبعة الثانية عام 1408ه,

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved