| متابعة
السلام بالمفهوم الاسرائيلي ليس حالة إنسانية يسعى الانسان من خلالها للعيش بأمان وسلام حتى يتسنى له بناء حضارته بمختلف نواحيها وانما هو حالة تسعى من خلالها اسرائيل الى تحقيق ما لم تستطع تحقيقه بالحرب، عبر المحاولات الدائمة لاقتطاع هامش من حقوق الاطراف الآخرة، ثم العمل على تكييف الاوضاع مع هذا الاقتطاع والبدء من جديد باقتطاع آخر.
هذا المفهوم يؤكده تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي ففي كل هدنة بين الطرفين لا يلجأ الاسرائيليون الى السعي لمحاولة ايجاد حل سلمي للصراع والتفكير بحقوق الآخرين، وإنما بالتفكير بكيفية التعدي على حقوق واراضي الآخرين وتبرير هذا التعدي فحالة السلام بالنسبة لاسرائيل تعني التفكير بطرق جديدة (سياسية، اقتصادية، ثقافية,,) بالاضافة الى الطرق العسكرية والارهابية، لتحقيق التعديات والاقطاعيات بوصفها مطلب دائم ومتجدد.
فبعد حرب 1967 وهزيمة العرب وصدور القرار 242 بضغط امريكي وبالرغم من قبول العرب بهذا القرار الذي حاولت القوى الغربية ان تجعل منه ضربة قاصمة للعرب وبالرغم من الجهود الجبارة التي بذلتها امريكا والقوى الداعمة لاسرائيل لتحقيق النصر الاسرائيلي، فإن اسرائيل لا تقبل حتى بتسوية تأخذ انتصارها وتفوقها بعين الاعتبار.
وقد تمثل الرد الاسرائيلي على القرار 242 بتقديم مجموعة من المشاريع المقترحة من قبل اسرائيل واعوانها كان من اهم هذه المشاريع مشروع آلون لحل الصراع على اساس اقامة كيان فلسطيني تحت اشراف الامم المتحدة او جامعة الدول العربية بينما الاشراف الحقيقي هو لاسرائيل، حيث قامت هذه المشاريع بتكبيل الكيان الفلسطيني المقترح بمجموعة من الاجراءات والاتفاقات بحيث يبدو معه من المتعذر النظر الى هذا الكيان بمعزل عن اسرائيل.
كما حاولت اسرائيل تقديم هذه المشاريع على انها تحمل مكاسب وامتيازات كبيرة اذا قبل الفلسطينيون بها وبالفعل انطلت اللعبة على البعض وانخرطوا في تيار متعاون مع اسرائيل ولكي تموه اسرائيل على اهدافها وغاياتها بشكل كبير لجأت الى مجموعة من الاجراءات تمثلت بالسماح باصدار بعض الجرائد وبث اجواء ليبرالية توحي بأن اسرائيل دولة حضارية تحترم الغير ولا تلجأ الى القوة الا مجبرة.
غير ان الغالبية العظمي تنطلي عليها اللعبة وسرعان ما فضحت حقيقة الاهداف والمخططات الاسرائيلية، واستمرت رحلة النضال والخلاف المسلح ضد اسرائيل وبدأت رحلة طويلة من الذبح والتصفية والتهجير للشعب الفلسطيني وبدأت عمليات التصفية تأخذ طابعا متزايدا من الهمجية في محاولة للقضاء على القوى الوطنية الفلسطينية واجبارها على القبول أوحت التعاطي مع المشاريع الاسرائيلية الموضوعة بالتعاون مع أعوانها ونسيت اسرائيل ان القرار 242 اتخذ بضغط من حلفائها وانه اتى لتثبيت انتصارها في حرب حزيران.
هكذا اعادت اسرائيل المنطقة الى التوتر وامكانات اندلاع الحرب في اية لحظة بسبب ما قامت به وبشكل دائم من تصفية وقتل للفلسطينيين ولرفضها تطبيق قرارات الامم المتحدة.
غيران المقاومة الفلسطينية كانت على مستوى المسؤولية في تلك الفترة حيث خاضت مرحلة صعبة من النضال والكفاح المسلح ولم تكن المساعدات العربية للفلسطينيين على مستوى التحديات وقد استمرت هذه المقاومة في ظل استمرار تصاعد الهمجية الاسرائيلية وعمليات التآمر حيث ازدادت وتائر المقاومة التي اعادت للشعب الفلسطيني ثقته بنفسه وقوة ايمانه بامكانية استعادة ارضه وحقوقه.
اما المثال الثاني على المفهوم الاسرائيلي فهو ما يحصل منذ مؤتمر مدريد عام 1990 وكيفية تعامل اسرائيل مع عملية السلام.
فمنذ انعقاد مؤتمر مدريد واسرائيل تراوغ وتماطل في تنفيذ قرارات الامم المتحدة ودخلت مع الاطراف العربية في نقاشات بيزنطية حول تفسير هذه المادة وتلك الكلمة، الامر الذي يعكس عدم رغبة اسرائيل بالسلام الحقيقي، بالرغم من التنازلات التي قدمتها الاطراف العربية في بانوراما المفاوضات من مدريد الى شرم الشيخ.
واليوم تحاول اسرائيل كعادتها في صف تنازلات جديدة على الاطراف الاخرى من خلال حرب غير معلنة على الفلسطينيين يسقط فيها الشهداء والجرحى يوميا بسبب وحشية الجيش الاسرائيلي وتماديه في الاعتماد على استعمال القوة.
ولكن لماذا ترفض اسرائيل السلام دائما مع العرب.
الجواب في القصة التالية:
عندما طلب كيسنجر من الاسرائيليين توقيع اتفاق سلام مع العرب قالوا له اننا أضعف من العرب والسلام معهم يجبرنا على تقديم تنازلات، وهذا دفع كيسنجر الى قيادة حملة كبيرة لمساعدة اسرائيل وعدها بمختلف انواع المساعدة العسكرية والاقتصادية وعندما اصبحت اسرائيل اقوى من العرب،اعاد كيسنجر طلبه من بيغن عقد سلام مع العرب، اجابه بيغن بأننا الاقوى وبالتالي فلسنا بحاجة للسلام!!!!
فإسرائيل اذا لا توقع اتفاقا للسلام لانها الاقوى!!
وهذا ما شعر به الفلسطينيون الذين دشنوا انتفاضتهم الثانية التي تحاول اعادة ماء الوجه للعرب، فلا سبيل الى التوازن مع اسرائيل الا بمقاومة شعبية عارمة تبين لاسرائيل أن الشعب الفلسطيني قادر على العطاء وعلى المقاومة وعلى التضحية، وإن اسرائيل قد تملك كل شيء ولكنها لا تملك الارادة التي يمتلكها الشعب الفلسطيني، ولا القدرة على التضحية التي يمتلكها الفلسطينيون، ولا القدرة على التشبث بالارض وتزداد قوة يوما بعد يوم ولن تتوقف ما لم تغير اسرائيل مفهومها للسلام وتعرف ان قوة الشعب والمقاومة الشعبية هي الرقم الصعب في المعادلة.
|
|
|
|
|