| تحقيقات
تحقيق: عبدالرحمن إبراهيم الرميح
تظهر من آونة إلى أخرى أنباء عن ارتفاع أجور العمالة المنزلية وارتفاع تكاليفها، وقد كثر الحديث عن هذه الارتفاعات والشروط الكثيرة التي تفرضها الدول المصدرة للعمالة، من باب استغلال حاجة المجتمع السعودي إلى هذه العمالة؛ ولذلك جاء هذا التحقيق ليكشف عن حقيقة هذه الارتفاعات ومن المسؤول عنها وما دور مكاتب الاستقدام السعودية في الحد من هذه الظاهرة، ولماذا لا يتم دمج مكاتب الاستقدام الفردية في عدة شركات لتكون قادرة على فرض شروطها على تلك الدول بدل ما هو حاصل الآن، فجاء التحقيق كالتالي,.
المواطن هو المسؤول
في البداية طرحنا السؤال التالي وهو من المسؤول عن عملية ارتفاع وانخفاض الأجور والتكاليف من وقت إلى آخر؟ فأجاب عبدالله التركي صاحب مكتب التركي للاستقدام: من المعروف ان اقتصاد المملكة اقتصاد حر مبني على التنافس، فكلما زاد الطلب على الأيدي العاملة ارتفعت أجورها وكلما انخفض الطلب عليها انخفضت أجورها، فهي خاضعة لقاعدة العرض والطلب، واعتقد ان المواطن هو المسؤول عن عملية الارتفاع أو الانخفاض فهو الحكم في هذه العملية.
واضاف: ففي العشر سنوات الأخيرة انخفضت تكاليف الاستقدام وخاصة من اندونيسيا، فتكلفة استقدام العمالة الاندونيسية في السابق كانت تصل إلى ستة آلاف ريال أما الآن فهي ما بين 2800 ريال إلى 3800 ريال، أما الأجور فهي ثابتة لم تتغير وهي 600 ريال، ولعل انخفاض قيمة التكلفة راجع إلى زيادة عدد مكاتب الاستقدام وظهور المنافسة القوية بينها، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت دول شرق آسيا ومن بينها اندونيسيا.
المكاتب الخارجية هي السبب
واتفق معه في ذلك إبراهيم المشرف صاحب مكتب المشرف للاستقدام حيث ذكر ان ارتفاع أجور وتكاليف الاستقدام راجع إلى عدة أسباب منها: ارتفاع التكاليف في البلدان المصدرة للعمالة مثل: التقرير الطبي وتكاليف جواز السفر والتدريب وما شابه ذلك، ولكن من الملاحظ ان اتحاد الشركات المصدرة للعمالة إلى المملكة سبب رئيس في زيادة تكاليف الاستقدام واختلاق الأزمات ما بين فترة وأخرى وخاصة في المواسم التي تكون هناك حاجة ماسة لها مثل: قبيل رمضان وقبل الحج، ومن الأسباب أيضا ارتفاع تكاليف المعيشة في بلدانهم ورغبة الدول في زيادة دخلها القومي.
وقال عبدالله النقير نائب مدير مكتب النقير للاستقدام ان مما لا شك فيه ان ظاهرة ارتفاع أجور العمالة المنزلية في الآونة الأخيرة سببها يعود إلى الدول المصدرة لهذه العمالة إلى المملكة حيث ان هذه العمالة تعتبر من مصادر الدخل القومي لهذه الدول لما تدره هذه العمالة من تحويلات مالية هائلة تؤدي إلى رفع مستوى المعيشة بهذه الدول وبالتالي فهي حريصة على رفع أجور عمالتها لإحساسها بحاجة المجتمع السعودي والخليجي بصفة عامة لخدمات هذه العمالة، وأيضا يرجع السبب إلى ان الدول المصدرة للعمالة محدودة وتضع شروطها باستمرار.
دور المكاتب ضعيف
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن ما دور مكاتب الاستقدام السعودية في الحد من الظاهرة التي تتكرر من وقت لآخر، قال إبراهيم المشرف: إن دور مكاتب الاستقدام في الحد من هذه الظاهرة ضعيف جداً حيث لا تستطيع أن تعمل شيئا في سبيل الحد من هذه الظاهرة بالشكل المطلوب، ولكن بتضافر الجهود ما بين مكاتب الاستقدام السعودية ولجنة الاستقدام الوطنية بالغرف التجارية سيكون لها الأثر الكبير في الحد من هذه الظاهرة والتقليل منها، وبين ان دور مكاتب الاستقدام للحد من هذه الظاهرة يكون من خلال تنويع مصادر استقدام الأيدي العاملة وفتح أبواب الاستقدام من الدول ذات العمالة صاحبة الأجور القليلة مع الاحتفاظ بمستوى رقي الخدمة المقدمة للمواطن.
فتح قنوات جديدة
ويرى عبدالله الحمود مدير مكتب الحمود للاستقدام ان دور مكاتب الاستقدام الأهلية في هذا الأمر هو توجهها إلى الدخول في الوساطة في استقدام الأيدي العاملة من العديد من الدول خصوصا بعد ان تم السماح أخيرا بالاستقدام من أكثر من (28) دولة الأمر الذي يساعد أو يجبر تلك الدول التي اعتادت على ذلك المنوال ان تتراجع في سياستها الرامية إلى الزيادة أو الثبات في الأجور والرواتب.
وعوّل عبدالله التركي على مكاتب الاستقدام أهمية كبيرة في الحد من هذا الأمر وذلك من خلال فتح قنوات جديدة للاستقدام وعدم حصر الاستقدام على دول معينة ومحددة، فمكتبنا في الوقت الحاضر أخذ يركز على الاستقدام من دول افريقية مثل تنزانيا وكينيا وغيرها، وذلك من أجل إيجاد البدائل للعمالة.
الاندماج مطلب ضروري
ولكن في ظل كثرة مكاتب الاستقدام الفردية المنتشرة في مدن المملكة لماذا لا يتم دمجها في عدة شركات وذلك منعا لحدوث الارتباك والمشاكل التي يتعرض لها المواطن إضافة إلى انها ستكون قوية تفاوضيا مع مكاتب الاستقدام الخارجية وتفرض شروطها عليها، فأجاب إبراهيم المشرف: لا شك ان عملية اندماج مكاتب الاستقدام السعودية في عدة شركات سيؤدي إلى تقديم أفضل الخدمات لعملائها، وسيؤدي إلى القضاء على العديد من السلبيات التي تعاني منها المكاتب الفردية التي ينقصها التمويل، ونرجو ان ترى هذه الشركات النور في القريب العاجل وان يكون تنافسها لما يخدم مصلحة الوطن والمواطن.
وأوضح عبدالله الحمود ان الاندماج في المرحلة الحالية سمة من سمات المجتمعات الاقتصادية المتقدمة ودون اللجوء إلى هذا التوجه هو بطبيعة الحال خسارة لمكاتب الاستقدام الأهلية التي قد لا تستطيع ان تصمد أمام التكتلات الدولية القادمة خصوصا وان المملكة على مشارف الدخول في منظمة التجارة العالمية الأمر الذي يتوجب من خلاله تحرك هذه المكاتب نحو هذا التوجه الاقتصادي الواعد، ومما لا شك فيه ان هذا التوجه فيه من الإيجابيات ما يسهم في تحسين الخدمة والرقي في تقديم نوعيتها.
سيؤدي إلى الاحتكار
ولكن كان لعبد الله التركي رأي آخر حول اندماج مكاتب الاستقدام حيث ذكر ان مسألة اندماج المكاتب في عدة شركات سيؤدي إلى الاحتكار في عملية الاستقدام حتى ولو كان عددها خمس أو ست شركات، حيث ان ذلك ليس في مصلحة المواطن حيث ان تكلفة الاستقدام سترتفع نتيجة لقلة عدد الشركات التي ستندمج فيها مكاتب الاستقدام، ولا أرى أن قيام شركات للاستقدام ستكون عملية ناجحة.
انخفاض لا ارتفاع
ولتوضيح الرؤية حول هذه النقاط السابقة توجهنا إلى الأستاذ وليد بن عبداللطيف السويدان صاحب مكتب السويدان للاستقدام ورئيس اللجنة الوطنية للاستقدام بمجلس الغرف السعودية ورئيس لجنة مكاتب الاستقدام لغرفة تجارة وصناعة الرياض، فسألناه عن ظاهرة ارتفاع أجور وتكاليف العمالة المنزلية فقال: إن الأجور أو الرواتب لم يطرأ عليها تغيير بل هي ثابتة منذ وقت طويل، أما تكاليف الاستقدام فهي التي حصل فيها تغيير خاصة في العمالة الإندونيسية، وهذا التغيير كان بالانخفاض لا إلى الارتفاع وذلك راجع إلى عدة أسباب: أولاً الأزمة الاقتصادية التي أثرت في أغلب دول شرق آسيا ومنها إندونيسيا حيث أثرت على عملتها وأدت إلى انخفاضها وبالتالي أدت إلى انخفاض تكلفة الاستقدام، فعند النظر إلى تكلفة الاستقدام لعام 1997 مقارنة بهذا العام نلاحظ انخفاضا في تكلفة الاستقدام بنسبة تصل إلى 40%، أما بالنسبة للدول الأخرى فلم يطرأ عليها أي تغيير لعدم تعرضها للهزة الاقتصادية التي حدثت، ثانياً عملية العرض والطلب ففي بعض الأوقات من السنة تقل نسبة الطلب فتنخفض التكاليف، وفي أحيان أخرى يزيد الطلب فتزيد التكلفة فالعملية طردية راجعة لقاعدة العرض والطلب كما ذكرت.
وأضاف: من المعلوم ان مكاتب الاستقدام السعودية تبني تكلفة الاستقدام على أسعار مكاتب العمالة في الدول المصدرة، فهذه المكاتب هي التي تحدد الأسعار وتسيطر عليها، ولكن عند فتح قنوات جديدة للاستقدام سيؤدي إلى الضغط على الدول التي ترفع تكلفة عمالتها وستعمل على تخفيض نسبة التكلفة حتى تستطيع أن تستمر في تصدير العمالة لمواجهة المنافذ الجديدة من الدول الأخرى.
عصر الاندماج والعولمة
وبعد ذلك سألناه عن فكرة اندماج الاستقدام في شركات متعددة فقال: إن هذه الفكرة موجودة، فكما هو معروف ان عالم اليوم هو عالم الاندماج أو العولمة، واللجنه الوطنية للاستقدام تحث مكاتب الاستقدام على الاندماج وتكوين كيانات اقتصادية قوية، فالمؤسسات الفردية غالبا ما تكون ضعيفة بقدراتها المالية والإدارية، فعندما تندمج تلك المكاتب في عدة شركات بقيادة إدارية قوية وواعية وتلكم رأس مال قوي سيؤدي إلى مواجهة مكاتب الدول المصدرة للعمالة بقوة وتفرض عليها شروطها بدل العكس، إضافة إلى ان المواطن سيثق في هذه الشركات الكبيرة أكثر من تلك المكاتب الفردية كما سيكون بامكان هذه الشركات فتح مراكز للتدريب والتأهيل في تلك الدول لعمل التدريبات والاختبارات المطلوبة للعمالة المرغوبة.
واشار السويدان إلى الأهمية القصوى لعملية الاندماج حيث ان السعودية ستدخل في منظمة التجارة العالمية والتي ستسمح بفتح فروع للمكاتب الخارجية داخل المملكة، وهذا سبب رئيس وقوي لعملية الاندماج بين المكاتب السعودية.
آثارها عديدة وخطيرة
ومن ناحية الآثار الاقتصادية التي تجلبها عملية الاستقدام ذكر الدكتور عبدالله بن سليمان الباحوث من قسم الاقتصاد الإسلامي في كلية الشريعة بجامعة الإمام بالرياض ان هذه الآثار تختلف من أسرة إلى أخرى بحسب البيئة والظروف المحيطة بهذه العمالة، ولكن يمكن اجمال تلك الآثار في النقاط التالية:
أولاً: استنزاف جزء من ثروات البلد ممثلا في رواتب وأجور العلاج وتكاليف الاستقدام مما يترتب عليه تحويل أموال طائلة للخارج وحرمان اقتصاد البلد من الانفاق بها واستثمارها خارجيا.
ثانيا: تنشئة أفراد الأسرة تنشئة اقتصادية غير سليمة حيث يعتادون على الكسل والدعة والخمول والاعتماد على الغير في جميع أمورهم.
ثالثا: أثرها على سلوكيات العمل، حيث يلاحظ انصراف الشباب من الجنسين إلى اللهو ووسائل الترفيه واهدار الوقت وترك كل الأعمال التي تتطلب الجهد أو العمل اليدوي أوالحرفي، وذلك نتيجة الاعتماد على العمالة الوافدة في كل شؤونهم.
رابعا: ضياع جزء من الدخل القومي للبلد، فمن المعلوم اقتصاديا ان عمل المرأة داخل المنزل يعد عملا منتجا من الناحية الاقتصادية، وقد قدرت إحدى الدراسات (وذلك في الثمانينات الميلادية في الولايات المتحدة) قدرت ذلك بحوالي 40% من الدخل القومي للدولة، واعتماد ربة المنزل على الخادمة اهدار لهذه الثروة.
خامسا: التبديد الكبير للموارد والإسراف الناتج عن هذه العمالة أثناء تأدية أعمالها سواء في استهلاك المياه أو المنظفات أو الكهرباء أو غيرها.
سادسا: اهدار جزء كبير من طاقات ربات البيوت فيما لا فائدة فيه، نظرا للفراغ الكبير الذي يعشنه، فهنا تضطر ربة المنزل إلى إجراء المكالمات الهاتفية المطولة أو الخروج من المنزل سواء للاسواق أو الزيارات أو غيرها.
سابعا: الترهل والسمنة التي تصيب أفراد الأسرة نتيجة قلة الحركة والعمل، والنتيجة ضياع جزء من أموال هذه الأسر في علاج مثل تلك الحالات التي لم تكن لتوجد لولا هؤلاء الخدم.
هدر لأموال البلد
واتفق معه على ذلك الدكتور عبدالله الباتل من قسم الاقتصاد بجامعة الملك سعود الذي شدد على أهمية التحويلات المالية كالأجور والرواتب والمدخرات التي تحصل عليها العمالة الوافدة، وهذه التحويلات للخارج تعتبر هدرا لأموال البلد حيث ان هذه الأموال تم اقتطاعها من اقتصاد البلد وارسالها إلى بلد آخر ولهذا فقد حرم البلد الذي حولت منه الأموال من جزء من دخله الذي يمكن ان يكون منتجا لو بقيت داخل البلد.
وأضاف: ولا يمكن ان نغفل الآثار الأخرى لعملية الاستقدام فمن الناحية الأمنية فهذه العمالة ليست لديها الوطنية الكافية لتحاشي اسباب الجريمة بأنواعها ويسهل عليها القيام بذلك لعدم انتمائها للوطن، ومن الناحية الاجتماعية فوجود هذا العدد الهائل من العمالة وخصوصا العمالة المنزلية مثل الخادمات والسواقين له تأثير كبير على الحياة الاجتماعية وفي التأثير على أبناء البلد من جراء نقل ثقافتهم إلينا.
التشديد في الاستقدام
وعن كيفية إيجاد البدائل لهذه العمالة ذكر الدكتور الباحوث ان هذا الموضوع واسع ومتشعب، ويصعب على الأقل في الأجل القصير نظرا لأن العادات الاجتماعية من الصعب تغييرها بسهولة، ولكن يمكن ذكر بعض العوامل التي تقلل من استقدام هذه العمالة في المملكة، ومنها:
1, التوسع في إنشاء دور الحضانة الحكومية.
2, إيجاد الوسائل والآليات التي تقلل من خروج المرأة من منزلها سواء بتقليل ساعات العمل أو الاستفادة من التقنيات الحديثة كالإنترنت في قيام المرأة بجزء من عملها أو دراستها من خلال المنزل.
3, تنمية وعي المجتمع بكل فئاته بخطورة هذه العمالة وآثارها الاقتصادية السلبية سواء من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية أو الدينية,,,ألخ.
4, وجوب التشديد على الحاجة الفعلية عند المستقدم لهذه العمالة ووضع الأنظمة التي تقيد وتقنن استقدام العمالة وبخاصة المنزلية.
5, دراسة بعض الحلول التي قد تغني عن جزء من هذه العمالة بحيث تتوافر هناك مؤسسات تقدم العمالة لبعض الوقت (عدة ساعات في اليوم مثلا).
وطالب الدكتور الباتل بالحد من هذه العمالة بكل السبل الممكنة، وذلك بوضع آليات وشروط تكشف عن مدى حاجة المستقدم الماسة لهذه العمالة، إضافة إلى ذلك أهمية نشر الوعي بين أفراد المجتمع بأهمية بقاء هذه التحويلات المالية التي تذهب يومياً إلى خارج المملكة وأهمية بقائها داخل البلد حتى يمكن استثمارها داخلياً ويعم نفعها على الاقتصاد الوطني؛ بما يحقق ارتفاع في مستوى المعيشة لدى أفراد المجتمع.
|
|
|
|
|