| العالم اليوم
المسكنات لا تنقذ مريضاً ولا تشفي مرضاً، كل ما تستطيع فعله، أن تجعل المريض يتحمل الآلام، وتؤخر بإذن الله الوفاة في الحالات الميؤوسة,, وباراك في السياسة الاسرائيلية والأوضاع التي آلت إليها الخارطة السياسية في الكيان الاسرائيلي يعد من وجهة النظر التحليلية حالة ميؤوسة تماما، واعتبرت حياته السياسية في حكم المنتهية، منذ فشل مباحثات كمب ديفيد الثانية، إذ ان الاسرائيليين الذين صور لهم باراك بأنه قدم لعرفات كل ما يمكن أن يقدمه من تنازلات، بل اضاف بأنه لا يمكن أن يقدم ما قدمه أي زعيم سياسي اسرائيلي لا قبله ولا بعده، وبما أن عروض باراك لم تجد قبولا من القيادة الفلسطينية التي رفضت بتأييد أو بنصح، أو لنقل بتحذير عربي بعدم التفريط بالقدس.
نقول انه بما أن عروض باراك لم تجد قبولا من عرفات، وأن تلك العروض وباعتراف باراك نفسه بأنها التنازلات الأكبر من قبل زعيم سياسي اسرائيلي، فإن ذلك قد اعطى المصداقية والاعتراف بصحة مواقف الذين تخلوا عن باراك من وزراء شاس وحزب المهاجرين الروس والأحزاب الدينية والقومية وشريكه السابق ديفيد ليفي، بل حتى ليا رابين التي رثاها أبوعمار، والتي يزعمون بأنها من أنصار السلام، قد انتقدت باراك كونه قدم تنازلات حركت رابين في قبره,,!!
وهكذا فقد اصبح باراك شبه وحيد في مواجهة معارضيه من الليكود وشاس والمهاجرين الروس والمتدينين والأصوليين والقوميين المتشددين والمستوطنين ويرتكب باراك أفدح اخطائه بابتلاع الطعم الليكودي ويوافق على قيام آريل شارون بزيارة المسجد الأقصى بحراسة جنود باراك، وكانت النتيجة اندلاع الانتفاضة الفلسطينية التي ما تزال تتطور ويمكن أن تعجل بنهاية اسرائيل وليس باراك فقط.
كما أن الانتفاضة الفلسطينية التي فجرت التناقض الذي يمارسه باراك في سعيه للسلام,, في الوقت الذي يرتكب كل هذه الجرائم من أعمال قتل وتوسيع للاستيطان منذ اليوم الأول لوصوله لسدة الحكم، قد جعلت النواب العرب الاثني عشر في الكنيست يصوتون ضده وهذا ما رفع عدد المطالبين باقصائه.
كل هذه التداعيات، بدءاً من فشل مباحثات كامب ديفيد الثانية التي شارك الأمريكيون في صنع الفشل لها قبل أن تبدأ بطرحه مواضيع القدس واللاجئين والمستوطنات ومطالبتهم لعرفات بالتنازل عن ذلك مقابل الموافقة على قيام الدولة الفلسطينية واقامة عاصمة صورية في ضواحي القدس تحت مسمى القدس يعرف الفلسطينيون زيفه، حكمت على مباحثات كامب ديفيد الثانية بالفشل حتى قبل بدايتها، وتأكد الفشل أكثر بعد تحذيرات القادة العرب المهمين لعرفات بعدم الاقدام على مثل هذا العمل,, ورغم أن الأمريكيين وحتى الأوروبيين قد حاولوا ثني عرفات عن موقفه هذا، إلا أن أبوعمار الذي وعي التحذيرات العربية ويفهم نبض الشارع الفلسطيني تجنب الاقدام على خطوة تلغي كل رصيده النضالي ليأتي الخطأ الأكبر لباراك بموافقته لشارون على اقتحام المسجد الأقصى وتندلع الانتفاضة الفلسطينية التي رفعت سقف المطالب الفلسطينية بحيث أصبح متعذراً على أي زعيم فلسطيني القبول بأقل مما تطالب به الجماهير الفلسطينية التي تقدم ثمن الحصول على حقوقها مسبقا في مئات الشهداء والتي أصبحت مهرجانات تشييع جنازاتها مناسبة يومية للتذكير بالمطالب المشروعة التي لا يمكن التنازل عنها، ومن أهمها الحفاظ على القدس عربية اسلامية فلسطينية وهو مالا يمكن أن يتفق عليه باراك، فلا الظرف يسمح بذلك ولا قناعاته تدفعه الى مثل هذا العمل.
إذن فالقول بأن باراك يناور لتأخير موعد اجراء الانتخابات حتى يستطيع التوصل مع عرفات الى اتفاق سلام,, هو قول لا معنى له, فكلا الاثنين في مأزق: باراك الذي لا يمثل أي قيمة سياسية نوعية وعليه أن يكافح لازاحة المنافسين له ليس على رئاسة الحكومة فقط بل على رئاسة حزبه أيضا ومثل هذا الشخص لا يستطيع أن يبرم أي اتفاق، كما أن عرفات لا يمكن أن يجازف ويقبل بأقل مما تطالب به جماهير شعبه التي تتحمل تقديم الشهداء وتتحمل المعاناة والصبر الذي يصبح بلا معنى بدون عودة القدس وقيام دولة حقيقية مستقلة.
مراسلة الكاتب على البريد الإلكتروني jaser@al-jazirah.com
|
|
|
|
|