|
| الاقتصادية
باستثناء الأبجدية وآلة الطبع لانجد من بين المخترعات اختراعاً إضافة إلى المدنية اكثر مما اضافت إليه الابتكارات التي قصرت المسافة بين المواقع الانتاجية بعضها ببعض, وبحيث إذا قيدت وسائل النقل لأي قطر من اقطار العالم فانه يحجب كلياً من الوجود, ذلك ان عمليات الانتاج الاقتصادية من سلع وخدمات لايكون لها قيمة اقتصادية إلا بعد نقل تلك السلع والمنتجات إلى مناطق الاستهلاك, فالنقل والاتصال جزء لايتجزأ من الحياة البشرية, وهو جزء هام من الحضارات الإنسانية تكاد تتوقف بدونه كل الأنشطة الاقتصادية سواء كانت صناعية أو زراعية فكان النقل بأنواعه الثلاثة قديما ولايزال الوسيط الفعال في اتصال الأفراد وتبادل السلع والمنتجات والعلوم من موقع إلى آخر, فازدهرت بواسطته احجام ومعدلات التبادلات التجارية بين القارات (طريق الحرير) وازدادت مستويات تفاعلاتهم الحضارية المكانية والزمنية, كما ان طرق النقل تساعد على ابراز الهوية والشخصية المميزة لكل ثقافة على حدة حتى الوقت الحاضر فهناك الحضارات الشرقية وهناك الغربية، فكان من نتاجها ومنافعها ان تطورت المجتمعات الاستيطانية المستقرة في كل البقاع والطقوس المتباينة في فنونها وعلومها عبر حقبات التاريخ لتصل في مراحل تحديثها وتجديدها إلى ماوصلت إليه حاضراً من مستويات جيدة عالية الأداء والكفاءة في وظيفتها الموصلية بدرجة لم تعرفها البشرية من قبل,
كما ان معظم دول العالم المتمدن يمتلك منظومات وشبكات نقل واتصالات متقدمة تساعده في تغطية حركة التوزيع والتبادل والانتشار وبكل كثافة واسبقية انتاجية تقوم فيها هذه الشبكات بدور اكبر فعالية واكثر تأثيراً عند مقارنتها بانجازات بشرية أخرى موقعية.
ويعتبر العصر الحالي هو عصر الاتصالات لما لها من أهمية بالغة في جميع أوجه النشاطات الاقتصادية المرتبطة برخاء وانتعاش مواطنيها فهي تتفاعل وتؤثر في انتقالية وترويج السلع في المحيط التي حولها.
إن ظاهرة انتشار الاتصال العالمي هي ظاهرة ايجابية (القرية العالم) تكاد يقاس بها تقدم الشعوب ورفاهيتها بواسطتها تخدمها ليس فقط في نقل ثقافتها وأفكارها بل في تصدير منتجاتها إلى مختلف اللغات والجنسيات.
ومن الملاحظ أيضاً ان تقنية نهاية القرن العشرين قدمت للبشرية جمعاء ابعاداجغرافية جديدة تتمثل في كيفية استخدامها ونقلها إلى مجتمعاتها فاصبحت وسائل النقل تسير وتوجه حسب رغبات وأهداف المجتمعات المتباينة في طقوسها وعاداتها وأديانها.
فهناك وسيلة نقل واتصال تحافظ على القيم والمثل يمكن من خلالها نقل التبادلات التجارية عبر قنواتها وبمراعاة الاعراف والقيم الموجودة في الموقع ناقلة سلع تجارية ذات عائد ربحي مجز, وهناك وكلاء نقل عالميون لايلتزمون بقواعد وأنظمة الشحن مما نتج عنه كساد وتراجع في حجم التبادل بين مناطق الفائض والعجز أو بين مناطق العرض والطلب، وبذلك فقد تشكل وسائل النقل والاتصالات أحد العوامل المهمة التي تحرك الشعوب الأخرى نحو تراث القطر الواحد وضمن خطط مبرمجة سنوياً لتنسجم مع متطلبات العمل الانتاجي.
ويبدو هذا الدور أكثر أهمية ووضوحاً عندما تكون تكاليف وسائل النقل العالمية عائقاً أمام تحقيق سعر منافس للوحدة المنتجة في أي قطر كان.
ولهذا فانه يتوجب على شركات وسائل النقل التابعة للقطاع الخاص مراعاة المصلحة العليا والمتمثلة في انجاح عمليات الانتاج صناعيا كان أو زراعيا لأنها خدمة وطنية تشكل جزءاً من الناتج المحلي العام، فمصلحة الناتج المحلي ترجح على مصلحة الناتج بالنسبة لكل مؤسسة أو شركة نقل على حدة وهو الأمر الذي يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار وبحيث ان يؤخذ الاقتصاد ككل وان تكون تضحية تعض اجزائها أساساً لربح أجزاء أخرى وهنا يقاس مقدار ومستوى التضحية لشركات النقل الخاصة وأهميتها بمقدار تأثيرها على الناتج المحلي.
وقد نلاحظ ما قد تعانيه العديد من المؤسسات الغربية من أزمة ثقة تعكسها القياسات الدورية التي تقيمها المؤسسات التجارية للشحن والنقل والتوزيع لفقدانها مصداقيتها باستمرار نتيجة لما تنتهجه من سلوكية ابتزازية في تعريفاتها النقلية مستهدفة لاغراض ذاتية ربحية واضحة المعالم.
ويمكن تفسير ظاهرة عدم الثقة وفقدان المصداقية لما عرف هناك من سلسلة تغطيات ومخالفات قانونية دولية تم نقلها بواقع متغاير تماماً عن الحقيقة التي عرفها العملاء والمستهلكون بعد حين، وأدى هذا إلى ان التشكيك والريبة في استقلالية ونزاهة وسائل نقل السلع التجارية أصبح أمراً مفروغاً منه حالياً، وفي الوقت الذي تسهم فيه التطورات الهائلة التي يشهدها العالم في تكنولوجيا النقل والاتصالات وفي محاولات تضيق المسافات وتحطيم الحدود الحضارية بين دول العالم بل وتقريب الشعوب من بعضها البعض لاتزال هناك فرص غير مسبوقة تلوح في الأفق متمثلة في ارتفاع معدلات النمو والتبادل التجاري العالمي، كما ان هناك فرصا مواتية تكتنف طريق البشرية في المستقبل المنظور متمثلة في تدفقات رؤوس الأموال والخبرات والعلوم وكلها مؤثرة في الوضع الاقتصادي العالمي بطريق مباشر، ويتوقع منها ان تساهم اسهاماً ايجابياً ملحوظاً في إحداث تغيرات وفعاليات قيمة في مجالات التصنيع والتصدير والشحن الأمر الذي يؤدي إلى نمو تلك القطاعات بصورة كبيرة.
وهذا سوف يتيح الفرصة لاعداد كبيرة من الأيدي العاملة للعمل في تلك القطاعات الاقتصادية مؤدية بدورها إلى تقليص معدلات البطالة، وتكاد تكون المهمة الرئيسية للنقل هو العمل كمحفز ومشجع لنمو الصادرات المحلية ودعمها خاصة في الأسواق الناشئة والنامية.
وأصبح نشاط التصدير اليوم من أهم الأنشطة الاقتصادية لتنويع مصادر الدخل المحلي له وفي اطار المنافسة العالمية والتحديات العالمية في ظل الاتفاقات الجديدة لمنظمة التجارة العالمية واتفاقات الجات التي فتحت الأجواء للمصدرين والمستوردين على السواء.
وبذلك يُعد النقل العامل المؤثر في تحديد مواقع الوحدات الانتاجية باتفاق الباحثين في اقتصاديات الموقع كما يُعد الخيار المناسب لاتخاذ قرار جيد على مدى صلاحية توطن الأنشطة من حيث تجمع المواد الخام وتوزيع المنتجات محلياً وخارجياً.
|
|
|
|
|
