| متابعة
القاهرة مكتب الجزيرة محيي الدين سعيد
شهدت اسرائيل خلال السنوات الأربع الأخيرة ثلاث حكومات لم تكمل كل منها عاما أو عامين وتنوعت هذه الحكومات بين واحدة لحزب الليكود اليميني وحكومتين لحزب العمل وكانت الحكومة السابقة لهذه السنوات الأربع برئاسة اسحاق رابين الذي لم يستكمل مدة حكومته الدستورية بسبب اغتيال متطرفين اسرائيليين له.
المحللون يتفقون على ان عجز المؤسسة الحاكمة في اسرائيل عن التوصل لقرارات حاسمة في عملية التسوية الجارية بالمنطقة منذ سنوات واتخاذ خطوات شجاعة في مواجهة متطلبات هذه العملية سوف يظل عاملا رئيسيا وراء قصر عمر الحكومات الاسرائيلية السابقة والمقبلة أيضا.
ويقول المراقبون ان اليمين واليسار في اسرائيل لا يتفقان على شيء قدر اتفاقهما على التهرب من الوفاء بنصوص اتفاقات السلام المختلفة والمبرمة مع الجانب العربي، مع اختلاف سبل ووسائل كل من اليمين أو اليسار في هذا التهرب الا ان النتيجة في النهاية واحدة وان هذا الاتفاق بين الجانبين أدى الى عدم تحديد طريق واضح ولم يضع نهاية للأزمات الموجودة في اطار عملية التسوية.
ورغم ما تؤدي اليه الانتخابات من استنزاف للمجتمع الاسرائيلي الا انها في النهاية كانت ملاذ قادة اسرائيل من اجل كسب مزيد من الوقت والمناورة والهروب من مواجهة المشكلات وجر الرأي العام العالمي وفي قلبه الرأي العام العربي الى الانشغال بالخريطة السياسية داخل اسرائيل وما يطرأ عليها في فترة الانتخابات وما بعدها والتي تستلزم بالطبع اعادة ترتيب الاوراق وقراءة الأوضاع وهكذا تجر اسرائيل الجميع الى الدوران في حلقة مفرغة.
السلام ليس مطروحاً
كامل زهيري نقيب الصحافيين المصريين السابق يتحدث عن تأثير استقالة رئيس الوزراء الاسرائيلي باراك على عمليات التسوية الجارية في المنطقة فيقول ان السلام في الأصل ليس مطروحا على القيادات الاسرائيلية ولديهم في اسرائيل عدة طرق للتعامل مع هذا الأمر ومنها طريقة نتنياهو في الرفض المباشر وطريقة شارون في الرفض والاستفزاز أما باراك فباعتباره ارهابيا وجنرالاً في نفس الوقت فهو يحب الخديعة ولذلك لم يتوقف عن الحديث عن السلام وفي نفس الوقت يفعل في أرض الواقع كل ما يؤدي الى نسف هذا السلام.
ويشير زهيري الى ان جميع الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة لم تتوقف عن انشاء المستعمرات والمستوطنات بما يعني الالتفاف حول المدن الفلسطينية وداخلها ايضا وهو ما يعني ايضا ان فرصة الصدام تظل قائمة دائما في ظل الحكم العسكري الاسرائيلي.
ويوضح انه في خلال الانتفاضة الفلسطينية الحالية حصلت اسرائيل على صفقة أسلحة وطائرات هليكوبتر من الولايات المتحدة تقدر ب575 مليون دولار، وزيادة المعونة أو استمرارها مع تواصل بناء المستعمرات يؤكد ان هناك تآكلاً في الموقف الأمريكي الذي يفترض فيه انه الراعي الرسمي لعملية السلام ويكفي للتدليل على ذلك ان نقارن بين موقف الرئيس الأمريكي السابق كارتر من اقامة المستعمرات على انها عمل غير شرعي ثم رؤية الرئيسين ريجان وبوش لهذه المستعمرات على انها تعرقل مسيرة السلام وصولا الى رؤية الادارة الأمريكية الحالية بأن المستعمرات مسألة فيها نظر وهذا يعني ان واشنطن تروج لكل موقف تتخذه الحكومات الاسرائيلية وتعمل على تسوقه للعالم وتقديم غطاء سياسي له.
ويقول زهيري ان الظروف العالمية الحالية في ظل نظام القطب الأمريكي الأوحد وغياب وانهيار الاتحاد السوفيتي يجعل اسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة في حالة نهم لتحقيق أهداف الحلف الأمريكي الاسرائيلي قبل تغير الظروف الدولية وظهور قوة جديدة تزاحم الولايات المتحدة هيمنتها على العالم وكل هذا يصب في الاتجاه المضاد لأي عملية سلام ويعني موتها تماما قبل انتهائها.
ويرى زهيري ضرورة التعمق والتحليل لما يجري داخل الخريطة السياسية الاسرائيلية حيث يحكم اسرائيل أقصى اليمين أو اليسار ويتحكم فيهم حزب شاس العنصري الصهيوني مشيرا الى ان باراك استقال وهو يعلم ان نتنياهو لن يأتي للحكم لأنه ليس عضوا في الكنيست.
ويعود زهيري للخريطة السياسية في اسرائيل مؤكدا انها تشهد صعودا في اليمين الديني المتطرف والمتحالف مع انفراد أمريكا بالعالم والتزامها باستمرار المعونة العسكرية والاقتصادية وهذا يعني في رأي زهيري ان الانتقال سوف يكون من سيئ الى أسوأ وذلك اذا لم يقم العرب بتعديل طريقة معاملتهم لاسرائيل والتأكد من ان مزيدا من التفاوض لن يؤدي سوى لمزيد من الخسارة وهذا يحتم على العرب البحث عن طريق آخر وهو ليس في الحرب وانما في المقاومة التي تشارك فيها الحكومات العربية الى جانب شعوبها وان يتم رفع درجة التعبئة وتنويع المواجهة باستخدام الامكانات العربية لوقف هذا الزحف اليميني ومواجهة سعي الاسرائيليين لاقامة اسرائيل الكبرى في ظل أمريكا العظمى.
ويخلص زهيري الى انه لا يجب ان نتوقع كثيرا من أي حكومة اسرائيلية قادمة لأن الأهداف في النهاية واحدة مهما تنوعت الوسائل والوجوه.
الانتفاضة السبب
الدبلوماسي السابق السفير محمد وفاء حجازي يرى انه لا يمكن لأي محلل ان ينكر ان انتفاضة الشعب الفلسطيني هي التي أدت لاستقالة رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك وهي التي أدت أيضا الى ان يفقد باراك السيطرة على الأمور سواء داخل أو خارج اسرائيل وكان استمرار هذا الوضع يمثل بالنسبة له مزيدا من الانحدار والضعف.
ويرى حجازي ان موضوع السلام كان اختراعا اسرائيليا للحصول على مزيد من المكاسب بجانب الحقوق التي سلبتها اسرائيل مشيرا الى ان عملية السلام هذه ثبت فشلها منذ وقت طويل ولم تكن تنتظر استقالة باراك فهي لم تحقق أي سلام أو هدوء أو استقرار.
ويؤكد ان انتفاضة الشعب الفلسطيني أثبتت ان هذا الشعب لم يمت وان سياسة اطالة المدى من أجل دفعه الى التراجع والتنازل والتفريط لم تنفع حيث أثبتت الانتفاضة حيوية هذا الشعب وقدرته على افشال هذه المخططات ومعها المشروعات الاسرائيلية الاستيطانية.
ويضيف حجازي انه لم يعد هناك مناص من ان تعيد اسرائيل النظر في كل السياسات التي اتبعتها منذ صيغة مدريد حتى الآن وقد يطرح الكثيرون في اسرائيل خلال فترة الانتخابات هذه ضرورة اللجوء لمزيد من العنف في مواجهة انتفاضة الشعب الفلسطيني وان هذا الامر يجهضه مزيد من التضامن العربي مع هذه الانتفاضة وتقديم مزيد من مختلف أشكال الدعم لها من اجل الحفاظ على استمرارها.
ويقول ان كل سياسي اسرائيلي يخوض معركة الانتخابات القادمة مطروح أمامه الآن طريقان اما السلام العادل او استمرار المقاومة مشيرا الى ان الاحتمال الكبير هو في عودة حزب الليكود لحكم اسرائيل الا انه سيكون من الغباء السياسي لهذا الحزب ان يسلك طريق المزيد من العنف لأنه لا يوجد في التاريخ سابقة ان جيش احتلال استطاع هزيمة شعب بأكمله.
ويرى ان الجانب العربي عليه عبء كبير خلال الفترة القادمة في الاعلان عن مزيد من الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني وعدم التعويل كثيرا على من سيأتي من بعد باراك لأنه لن يكون أفضل منه بأية حال.
لا يوجد اختلاف
الباحث الفلسطيني الدكتور محمد خالد الأزعر يقول ان الخريطة السياسية في اسرائيل لن يحدث بها تغيير كبير لأنه سواء استمر باراك أو جاء شارون أو حتى نتنياهو فجميعهم لا يختلفون عن بعضهم البعض في مواقفهم تجاه الحقوق العربية المشروعة في الأراضي المحتلة.
ويؤكد الأزعر ان عملية التسوية تم تطويقها منذ زمن طويل ومحاصرتها بقوات الجيش الاسرائيلي وان هذه العملية لن تنطلق الا بتحرير الأرض المحتلة عام 1967م على الأقل مشيرا الى ان ذهاب حكومة اسرائيلية ومجيء أخرى ليس سوى مضيعة للوقت وعلى الفلسطينيين ان يبحثوا عن السبل لتحرير أرضهم من المحتل الاسرائيلي وعلى العرب ان يتوقفوا عن التوسل بالداخل الاسرائيلي الى الاسرائيليين أنفسهم فعقلية الناخب الاسرائيلية العنصرية هي نفسها عقلية الحاكم هناك ولا يوجد اختلاف بينهما.
الدكتور عبدالمنعم سعيد مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام يرى ان الفلسطينيين والاسرائيليين معا فقدوا الثقة في قدرة باراك على تحقيق السلام الشامل والعادل وهو امر أدى الى انهيار هذه العملية في نظر معظم الفلسطينيين كما ان باراك فقد مصداقيته لدى الاسرائيليين بعد فشله في تحقيق خطة الغاء المدارس الدينية التي تخرج المتشددين وخضوعه لضغوط التحالف مع حركة شاس في تقديم دعم لهذه المدارس بدلا من اغلاقها.
ويضيف سعيد انه رغم تطرق باراك الى قضايا ذات حساسية مثل القدس واللاجئين الا انه لم يقدم جديدا وانما اظهر تطرفا أكثر من غيره.
وعن الخريطة السياسية في اسرائيل ومدى تغيرها يرى سعيد ان الأيام المقبلة كفيلة بالكشف عما سيحدث داخل هذه الخريطة.
|
|
|
|
|