يا سيدتي قلتِ ثم توقَّفتِ عن الكلام,.
وأدري,.
أدري أنّ الكلام لا يتوقفُ,,, فمتى بدأ النطق فليس ثّمة من يُوقفه,,,، لكنّ الصمتَ في الكلام، كالكلامِ في الصمت,, وكلاهما يأتيان,.
جاءني صمتك ونطقك,.
في رحلة شقّت إليّ كافة الطرق ورحلتي ما كانت يسيرة,,, لقد تعبت,,, تعبت كثيراً في متابعة النجوم وعلى وجه الخصوص حين كنتُ استدعيها في النهار، وفي الشّموس حين كنتُ استدعيها في الظلام,,,، والنور ليس نهاراً، والظلام ليس ليلاً,,, ذلك لأن الليل والنهار قد امتزجا في رحلتكِ الصامتة الناطقة، وتحوّل كل شيء عندي إلى ما يشبه التلاشي,.
تذكرين حين بدأت معكِ الحديث عن الشتات، والتلاشي، والذوبان، والفناء، والانتهاء، واللاشيء،,,, والفقد,,, و,,,و,,,.
فمتى كانت مراسينا تستل منا ذراتها؟ إلا منذ أن جاء المجيء، وذهب البدء؟ تذكرين حين جاء طائر الحكمة ووقف على أكبر شجرة سنديان كانت تشمخ بجوار أول باب ندلف منه ونخرج عنه,.
وحين كنا ندلف إلى الداخل,, كانت صومعتنا بحجم الكون كله,,.
وحين كنا نخرج إلى الملأ كانت الدنيا بحجم حرف البدء في صغر البدء في نقطة واحدة لم نكن نعلم إلى أين ستلف بنا في دائريتها,,.
ومتى كانت قواربنا تُصنع من غير أصابعنا؟ وذلك النَّقشُ الخالد الذي لا يزال قائماً كالنّصبِ في عرض بحر حياتنا الأبدية التي لا تطمسها موجات السيول التي هلّت من هناك ولم تغادر,,, حتى رأيتك ترفعين رأسك، من كوة الصمت الهادىء، الهاجع في ثراكِ وتناديني بأحبّ الأسماءِ والصفات,,، وتومئي برأسكِ، تسألينني مزيداً من الصمت وأعود أتذكر مدرسة الصّمت التي أخذتيني إليها منذ أن بدأت اشاكسُ الكلام,,,، وبدأت أجنحته تداعبني,,,،
أخَّرتني ذلك اليوم عن كلّ العابرين بها,,,، ووقفتِ بي على رصيف المدرسة,,,، وأشرتِ إليّ فلم أر له مدىً,,,، ولم أتكهّن له نهاية,,,، كما لم أتبين له بداية,,.
سألتكِ يومها اين بوابة المدرسة؟,,.
أشرتِ إليّ بحكمة ذلك الطائر,,,، إليَّ بشفتيكِ، وقلتِ: هما مفتاحي المدرسة,,,، فطبقتُ شفتيّ على شفتيّ,,,، لكنّ لساني يهاجسني أن أناديكِ,,,، فعلمتني في حينها أنه سينجح إن لم يذكر اسمكِ,,.
عرفتُ في حينها أنني سأنجح في هذه المدرسة، حين أكون قادرة على الصمت عن اسمكِ,,,، وفهمتُ الحكمة,, كما أردتِ فهمتُ الحكمة,,,!
وأحببتُ المدرسة,,, ورافقتُ طائر الحكمةِ,,، وكثيراً ما جلستُ إلى عينيه، أتملى فيهما ما لا أجده حين أخرج عن بوابة السنديان,,.
والناس بقدر ما تتشاءمُ منه، بقدر ما تفشلُ في دخول مدرسة الصّمتِ,,.
لله ما أروعكِ في النطق وفي الصمت,,.
ولله ما أحكمكِ في يقظتكِ، وفي نومكِ,,.
أتدرين ما اليقظة في النطق؟ وما الصمت في النوم؟
أم ما النطق في اليقظة، وما النوم في الصمت؟
أم ما النطق في الصمت، وما النومُ في اليقظة؟
أم ما اليقظةُ في النطق، وما الصمت في اليقظة؟
وفي كلَّ الآماد السِّتة للكلمات الأربع؟,,.
ولماذا تتفق هذه الكلمات، وتتعدد هذه الاتجاهات؟,,.
إن هذه المدرسة لمَّا بعد تغلق أبوابها,,، ورصيفها الطويل الذي لم ار له مدىً منذ البدء لا يزال ممتداً,,,، ومراسينا وقواربنا كما تلك اللحظة التي أخذتني فيها إليها,,، وأنتِ؟؟,,, أنتِ كيف ومن وأين تكونين؟,,.
لا تتبسمي حين تسمعين هذا السؤال,,,، فلطالما سألتني أن أواصل رحلة الأسئلة,,، لكنكِ طلبتِ إليّ أن أترك الاجابات,,، لأنها ستأتي إن عاجلاً أو آجلاً,,.
علمتِني أيضاً مجاهل السؤال,,، وحين كانت الأسئلة تتقاطر,,,، واللسان يهاجسُ بها، كانت تصطلي في داخلي,,، لأن بوابة الكلام موصدة,,، وشفتي مطبقةً على شَفَتي,,,، والمفتاح هناك,, مع طائر الحكمة,,، في قمة السنديان,, حيث تعلمين,,.
تأكّدي بأن الأمر,,, كما هو ,,، وبأنني لم أكسر البوابة، ولم أستلم المفتاح,,,، وبأن المدرسة لا تزال مشرعةً,,,، والرصيف يتمادى,,,، وثمة حنين عميق لكِ,,,
ثمة حنين,,.
فإنني أحبكِ,,,، وأتشوق لكِ,,، ختامي كما تشتهين,,، لأنكِ يقظة كما تريدين,,، وإنني أحبك كما تعرفين,,, و,,, كفى,,.
|