| الاخيــرة
هل بلغت الاستهانة بارواح البشر والاستخفاف بحقوق المواطنين والأمن من المقاضاة القانونية ان شركة سيارات من التي تدخل الملايين من جيوب المواطنين تمتنع عن نقل سيارة تعرضت لانفجار ثلاثة من كفراتها وتقترح على المواطن قيادة سيارته بكفراتها المضروبة إلى وكيل الكفرات لمسافة 40 كيلو على الخط السريع، ألم يكن من المفروض ان توفر هذه الشركة وسيلة نقل مأمونة لنقل سياراتها الى موقع الاصلاح؟ وإذا استسلم المواطن لتقصير الشركة وخاطر بحياته وبحياة مواطنين آخرين على ذلك الخط السريع، فهل هذا يدل إلا على الأمية الحقوقية؟
هل بلغت الاستهانة بذكاء البشر والاستخفاف بحقوق المواطنين والأمن، ان طبيباً في مركز طبي كبير يكتب للمريض نفس الأدوية التي يقررها له مضروبة في ثلاثة ليبتاعها المواطن من صيدلية المركز وعندما يكتشف المواطن انه اشترى ثلاث عبوات من كل دواء مع انه لا يعيش في منطقة نائية وليس الدواء عرضة للاختفاء من الأسواق، فانهم يرفضون استرجاع الأدوية الزائدة عن المطلوب، فهل عندما يستسلم المواطن للموقف ويعيد ادويته الباهظة إلى الأكياس إلا دليل آخر من أدلة لا تحصى على اميتنا الحقوقية؟
قبل عدة أشهر واجه القضاء الغربي أول قضية من نوعها وهي قضية فتاة صغيرة في الثالثة عشرة من العمر رفعت قضية إلى القضاء تشتكي من الضرر النفسي والدراسي الذي لحق بها من جراء عجز ادارة المدرسة عن اتخاذ موقف حازم من تلاميذ فصل الطفلة الذين كانوا يتعرضون لها بالايذاء والسخرية, بل ان المدرسة اعتبرت طرفاً ضليعاً في تشجيع التلاميذ على تطوير موقف عدائي من زميلتهم طالما انها لم تسارع لحل المشكلة أول ما ظهرت بدل ترك التلميذة تبتلع مواقف الاهانة وحدها وترك التلاميذ يحولون زميلتهم مادة للتسلية وموقف هذه الطفلة يحدث في مدارسنا ايضاً غير أن الفارق الوحيد ان اللوم غالباً ما يقع على الضحية فتختلف العيوب وتلصق بالتلميذ وهكذا تنجو ادارة المدرسة المعنية من طائلة اي مساءلة قانونية أو حقوقية عما تسببت فيه من ضرر لروح غضة برئية, فقد قرأت قبل فترة في إحدى صحفنا المحلية رسالة أم تشتكي لله عما يلاقيه ابنها ذو الأحد عشر عاماً من صنوف الأذى على يد تلاميذ فصله وبخاصة عند الصرفة وانها لا تدري كيف تحل المشكلة طالما ان ادارة المدرسة تبدي عجزاً عن وضع حد للمشكلة، بل ان المدرسة قد راحت تحاول ايجاد عيب في التلميذ نفسه يبرر تصرف زملائه العدائي ولكن لما كان الطفل شديد التفوق شديد الأدب ويتمتع بوضع اسري ونفسي سوي ومستقر، فان المدرسة لم تخف عجزها إزاء المشكلة ولم يعرف والدا الطفل اين يتجها لانصاف طفلهما كما تقول رسالة الأم، هذا وقد علمت ان فتاة صغيرة من تلميذات احدى المدارس الأهلية الباهظة عندنا اضطرت للانسحاب من الدراسة لان التلميذات لا يتورعن عن ايذاء مشاعرها على مسمع ومرأى من ادارة المدرسة والمعلمات لا لسبب الا لأن العلاج الكيميائي الذي تأخذه التلميذة الصغيرة قد ادى الى تساقط شعرها بينما عجزت ادارة المدرسة عن تقديم حل ينصف التلميذة وعجز اهلها عن أن يجدوا الجهة التي ترد الاعتبار للطفلة وتقاضي ادارة المدرسة على عجزها عن خلق جو أخوي بين التلميذات.
وقبل عدة اسابيع واجهة القضاء الغربي قضية أخرى هي الأولى من نوعها ايضاً وهي قضية المعلمة التي اتجهت إلى القضاء بشأن الضغط النفسي الذي تواجهه المعلمة في المدرسة التي تعمل بها من جراء صراع القوى والادوار بين ادارة المدرسة والمعلمين على حساب العملية التعليمية، هذا ولقد استطاعت هذه المعلمة ان تكسب القضية وحكمت لها المحكمة بمبلغ 257 ألف جنيه استرليني كتعويض عن الضغط النفسي الذي تعرضت له المدرسة من ادارتها.
وفي مواقف أقل جدية يجد المواطنون في بلاد أخرى من العالم غير العالم العاشر طرقاً قانونية واضحة ومعبرة لرد اعتبارهم ضد أي محاولة لهدر حقوقهم المادية أو المعنوية, لدرجة ان مواطناً يقاضي شركة الهاتف لانها تسببت في ازعاجه بان بعثت له عن طريق الخطأ فاتورة ضعف المبلغ المستحق عليه رغم تداركها للأمر واعتذارها خطياً عن ذلك قبل رفع الدعوة التي كسبها المواطن في النهاية, هذا بينما هنا لا ازعاج يعترف به إلا ازعاج السلطات بمثل هذه القضايا، والمطالبة بمثل هذه الحقوق الثانوية فقبل أيام كنت اقرأ تحقيقاً في إحدى الصحف المحلية عما يعانيه المواطنون من أمية في القوانين واللوائح والأنظمة مما يجعلهم ليسوا فقط عرضة لهدر حقوقهم، بل حتى مراجعتهم للحقوق المدنية فانهم لا يعرفون ما لهم وما عليهم، وأحياناً يبدو أن معرفتهم بهذه القوانين واللوائح للأنظمة سيان طالما انهم لا يجدون القنوات القانونية التي يمكن أن تتدخل قضائياً لحل كل الأشكال ما لم يكن ذا طبيعة شرعية مسبوقة ومتعارف عليها، فأين يذهب للتقاضي أولئك الذين يواجهون اشكاليات مشابهة لما ذكر أعلاه من هدر الاعتبار دونما وجه حق.
يوجد لدينا في كل مؤسسة ومصلحة حكومية كتاب ضخم من اللوائح والأنظمة والقوانين المقننة للعمل ولحقوق العامل أو الموظف ومع ذلك فإن أحداً من الموظفين لا يعرفها إلا ماندر، نظراً لتشعبها وللطريقة المركبة التي كتبت بها، فهل أقل من أن تكلف الادارة القانونية في الجهات المعنية بكتابة ملخص دقيق وشامل للوائح والأنظمة وبلغة يفضلها الجميع لتكون في متناول الجميع عند اللزوم أو الحاجة أو حتى لمجرد ازالة بعض اميتنا الحقوقية.
في ظني والله أعلم ان المشكلة التي يعاني منها مجتمعنا في هذا المجال تتلخص في بعض النقاط التالية:
الأمية الحقوقية والقانونية واللائحية التي يعاني منها المجتمع بمختلف فئاته وقطاعاته إلا من رحم ربي.
غموض كثير من الصيغ والأساليب في صياغة القواعد المنظمة.
عدم معرفة بالقنوات والجهات التي يمكن أن يتجه إليها المواطن للمقاضاة فيما عدا بالطبع المسائل الشرعية البينية.
انخفاض الحس الحقوقي والحمائي بحيث يفضل المواطن التغاضي عن حقوقه أو التطنيش .
تفشي حس ليس بالضرورة صحيحاً ان القوانين واللوائح وضعت لتكون حبراً على ورق وليتم تخطيها على أرض الواقع بقوة الوساطات أو السلطات فكيف السبيل لمحو أميتنا الحقوقية,, سؤال أتوجه به الى وزارة العدل والى وزارتي التعليم والتعليم العالي والى وزارة الداخلية وأرجو ألا أكون بهذا قد أعطيت مجالاً لكل منهم يرمي الكرة في ملعب الآخر, ولله الأمر من قبل ومن بعد.
فوزية أبو خالد
|
|
|
|
|