| متابعة
في الوقت الذي أكتب فيه هذه المقالة يكون حاكم ولاية تكساس قد أعلن رئيساً للولايات المتحدة الامريكية بعد ان صوت خمسة من قضاة المحكمة الفدرالية الأمريكية ضد إعادة العد اليدوي للاصوات في ولاية فلوريدا، ودعوة كبار الديموقراطيين لمرشحهم آل جور بالانسحاب والتسليم بالامر الواقع, ومع ذلك فإن جور الى حد هذه اللحظة (أولى ساعات 13/12/2000م) لم يعلق لا على قرار المحكمة العليا ولا على رأي بعض النواب الديموقراطيين المطالبين بانسحابه واعترافه ببوش رئيسا للولايات المتحدة غير أنه في وقت لاحق اعلن عن انه سيعلن في خطاب يوجهه الى الشعب الامريكي اعترافه بالهزيمة.
ويبدو ان فلوريدا، وبعد خمسة أسابيع من الانتخابات الرئاسية قد رأت أنه لا فائدة ترجى من المحامين والاعلاميين، وانه من الأفضل ان تتفرغ لاستقبال الهاربين من زمهرير الشمال الى دفء الجنوب، وسحر ولاية فلوريدا ذات الشمس المشرقة دوما.
هذه التجربة التي مرت بها الديموقراطية الأمريكية قد أثارت تساؤلات عدة عن مستقبل النظام الانتخابي الحالي، وهو نظام سُنَّ اصلا للحفاظ على توازن معقول لتمثيل الولايات المتحدة كل على حدة، وهو هدف قومي لا يمكن المساس به، وتساؤلات اخرى عن مسألة الميكنة والوعي العام لدى الناخب بإجراءات التصويت وتقديم المصالح الحزبية على مصلحة الوطن العليا, هذه جميعا هواجس يتردد صداها في الصحافة المحلية والشارع والمطعم وفي الأحاديث الثنائية بين الأمريكان وغيرهم، ولم يعد بخافٍ مدى هلع الامريكان مما جرى الى درجة مقارنته بنظام الانتخابات في البرازيل، بل والشهادة للأخير بأنه اكثر دقة ونزاهة مما يحدث هنا في امريكا.
لست هنا في مقام الشماتة كما يعتقد بعض الكتاب السعوديين والعرب في صحافتنا المحلية الذين يرون ان كل نقد لما يجري وما جرى في الانتخابات الرئاسية الامريكية إنما هو شماتة وتفاؤل بالذي هو أسوأ، وهم بذلك يعتبرون أنفسهم أكثر ولاء من الأمريكيين أنفسهم لأمريكا.
أمريكا ليست هشة الى درجة أنها لا تطيق النقد ولا تتحمله كما ان الشماتة مما جرى لا يمكن ان تؤثر في المؤسسات الأمريكية ومكانة أمريكا الا كما يؤثر ناطح صخرة يوما ليوهنها.
ان 55% من الأمريكان بحسب جريدة Wall Street Journal في عددها ليوم الاثنين 11/12/2000م يعتقدون ان امريكا ستبقى منقسمة على نفسها خلال السنوات الأربع القادمة بغض النظر عن ساكن البيت الأبيض سواء أكان بوش أم جور, فهل يا ترى تعد هذه النسبة من الأمريكان شامتة او كارهة لأمريكا؟! كما ان خروج الامريكان للشوارع وتظاهرهم أمام المحاكم في فلوريدا والمحكمة العليا في واشنطن وامام مقر المرشحين وحملهم لافتات في مثل Sore بدلاً من Gore وLoseman بدلا من Lieberman وتهديد القس جاكسون بقيام مظاهرات شعبية واحتجاجات فيما لو تم اختيار بوش رئيسا للولايات المتحدة هي واقع مؤكد ولا احد يستطيع انكاره الا اذا كان من بعض كتابنا الليبراليين في العالم العربي والذين يعتقدون انهم اكثر حرصا على امريكا من أهلها.
لقد كانت حملة انتخابية مضنية وأنفق عليها بلايين الدولارات واتسمت ببعض التكافؤ الذي ظهرت نتيجته واضحة في فلوريدا, اما منذ يوم التصويت فقد تحول الامر الى مسلسل مكسيكي كل يوم يتشكل فيه خيط درامي يأخذنا الى المجهول، ودخل من جراء هذا الى الساحة محامون هم اشهر من في الولايات المتحدة والعالم تقاضوا الملايين من جراء تمثيلهم لكل من آل جور وبوش في ذلك السباق القانوني الذي احتل وسائل الاعلام وبالتالي اهتمامات الناس حول العالم.
صحيح ان الامريكان كشعب لم يحمل البنادق ويتجه لقتل بعضه في الشوارع كما يفعل البعض في الانتخابات المحلية في دول العالم الثالث والسبب في ذلك ليس كفاءة النظام الانتخابي الامريكي وليس عدل المحاكم الامريكية، فقد رأينا كيف كان الانتماء للحزب يؤثر في الكثير من المواقف والقرارات ولكن لأن المواطن الأمريكي يتمتع بمستوى عال من الوعي وثقة كبرى في المؤسسات مهما كانت قراراتها منحازة أو غير مسايرة لهواه، فالنظام هنا يحترم روحا ونصاً.
ان هزيمة آل جور هي استفتاء واضح على رفض الشعب الامريكي لشخصه وليس لخبرته السياسية وفوز بوش هو بأي حال من الاحوال ليس لأن أجندته الانتخابية أفضل من أجندة زميله آل جور وانما ترشيح لشخص الرجل, وفي نهاية المطاف فان تنفيذ أية أجندة سياسية أو اقتصادية خاضع لعلاقة البيت الابيض بالكونجرس.
لكننا في افضل حالات التفاؤل نتوقع ان ادارة بوش حين تتسلم زمام الحكم ربما سيكون لها حضور أكثر في قضايا المسلمين في امريكا وتفاعل أشد حذراً مع القضية الفلسطينية, بيد اننا يجب ان نعلم علم اليقين أن بوش سوف يعمل جاهداً على كسب الدعم اليهودي مجددا، فالتخطيط للولاية الثانية يبدأ بعد القسم مباشرة.
ان الخاسر الوحيد من جراء هذا الحسم المتأخر للانتخابات الامريكية هو الاعلام الذي حول الانتخابات وما سبقها من حملة غير مسبوقة وما تلاها من أحداث هي الأولى في تاريخ الولايات المتحدة منذ اكثر من قرن من الزمان، هو الاعلام الامريكي الذي حول مايجري الى تسلية وترفيه وصراع درامي متنامي الاحداث جذب الملايين من المشاهدين وبالتالي ملايين الدولارات من جيوب المعلنين,, وكل انتخابات والاعلام الأمريكي بخير.
د, عبدالله بن موسى الطاير
|
|
|
|
|